جرباقة: استشهد بشير منذ ٤٣ عام وما زال يبرعم الصمود الوطني ويزهر الوطن المشترك الذي استشهد من أجله

كتب نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية الدكتور برنارد جرباقة:

 

"من هو بشير الجميّل، البارحة  واليوم؟  وماذا يمثّل؟

من وما هو عليه اليوم بعد مرور  ٤٣ سنة على استشهاده؟

لماذا يحبه الكثير (وأكثريتهم لا يعرفوه) ولماذا يكرهه البعض (وقسم كبير منهم أصبح يعانق أفكاره)؟

ماذا حقق في حياته؟

ماذا حصل من بعده؟

ما هو إرثه؟

من يحمل إرثه؟

كيف يجب أن يتحقق ويتجلّى ارثه؟

...هذه اسئلة تطال واحداً من أكثر المواضيع حساسية وإثارة للنقاش في الذاكرة اللبنانية المعاصرة:

بدأت الحرب وكنت أنا تلميذاً في السنة الثانية، في كلية الطب في الجامعة اليسوعية، مرتاحاً في "العيش المشترك" الذي أفرحَ طفولتي في رأس بيروت، قرب المقاطعة الرابعة، أوتيل فينيسيا والهوليداي إن..

ثم انفجرت الحرب..

.. فيما لم يكن بانتظارها معظم اللبنانيين،

.. وفيما كان يتحضّر القلّة لها، لمواجهة الإبادة الآتية - ومنهم بشير -

الإبادة المسيحية، الوطنية، اللبنانية..

إبادة السيادة والاستقلال..

إبادة دولة القانون والمؤسسات..

إبادة الإنسان والإيمان..

إبادة الوطن والمواطن..

إبادة الحرية والكرامة..

إبادة البقاء والأرض..

إبادة الرسالة والازدهار..

وهي محاولة الإبادة نفسها التي  لم تنتهي بعد اليوم ..

عايشت بشير الجميّل خلال ذروة نشاطي التعليمي الجامعي من ناحية، ونضالي الصحي الإسعافي الميداني من ناحية؛ عشنا معه عين الرمانة وتل الزعتر، المقاطعة الرابعة والأشرفية، القمم وزحلة، وعاشها اللبنانيين معه - أو ضده..

وأتى فرح ال ٢١ يوم، ليغرس كحبة الحنطة في وجداننا ووجودنا..

واستشهد بشير خلال مرحلة التخصص.. وكان الأمل ثم الأنهيار، وأصبح الحنين ثم الإرث، فالصمود والقضية، الإحتلال والتشرذم، الوصاية والولاية، الأخطاء والتخلّي، الانتفاضات وحروب الإخوة،  السجن والتهجير، الاستقلال الثاني وشهداءه.. وحروب الإسناد  المدمّرة..

فعودة الدولة القوية، حامية الكل.. وحاملة الأمل.. لأن الرجاء لم ينفني، ولأن القضية لم تُدفن!

وللوصول إلى ما حققته المقاومة اللبنانية والمعارضة لمخططات الممانعة، علينا فهم واستيعاب ما هو الصمود الذي أوصلنا لهذا النتصار.. وهذا قسم من إرث بشير وما حققه بشير من خلال حياته واستشهاده.. فماذا حقق بشير الجميّل؟

 على الصعيد العسكري والأمني:

  1. تمكّن من توحيد معظم القوى المسيحية المسلحة تحت لواء "القوات اللبنانية" بعد صراعات دموية داخلية - يجدر العودة لها في مسيرة المصارحة والمصالحة، من أجل إعادة بناء الصمود المجتمعي.
  2. رسّخ فكرة أن المسيحيين ليسوا في موقع دفاع فقط، بل قادرون على المبادرة والتأثير في مجرى الحرب، بل شرسون في الدفاع عن الأرض والكرامة، بل مبدعون في إعادة بناء هيكل الدولة المتصدّع.

 على الصعيد السياسي:

  1. استطاع أن يفرض نفسه زعيماً مارونياً شاباً وصاعداً، متجاوزاً مقاربات تقليدية، ملتحماً بالمقاومة اللبنانية والناس.
  2. انتخب رئيساً للجمهورية في 23 آب 1982 بأكثرية نيابية - منهم لم يحضر، ومنهم من حضر ولم ينتخبه - وذلك بعد الإجتياح الإسرائيلي لبيروت.. فكان أصغر رئيس منتخب في تاريخ الجمهورية وصاحب مشروع استنهاضي للوطن.

على الصعيد الوطني:

  1. حمل مشروع "الدولة القوية" والمركزية والجيش الموحد، أي دولة واحدة، لا ميليشيات.
  2. قدّم خطاباً سيادياً يرفض بقاء الوصاية السورية ويطمح لاستعادة القرار الوطني الحر؛ وكان خطابه وطنياً، ومشروعه المشاركة والمساواة، الإصلاح والمحاسبة.. ولم يوقع أي معاهدة مع إسرائيل - حتى لو الظروف كانت تسمح له ذلك.

ما هو إرث بشير الجميّل؟ لماذا أحبه الكثير وكرهه البعض؟

أسباب محبّته

  1. الكاريزما والشجاعة: صورة الزعيم الشاب الجريء، الذي تكلّم بوضوح وصراحة، بلغة المواطن المهدد في وجوده والمناضل لبقاءه.
  2. حلم الدولة القوية والممكنة: أعاد الأمل ببناء لبنان سيّد حرّ مستقل، بجيش واحد - لا ميليشيات، يضم جميع مكوّناته.
  3. الصدق والشفافية: خُطبه كانت مباشرة، بعيدة عن المواربة السياسية التقليدية؛ وكان يخاطب العقل والوجدان ضمن المجتمع.
  4. القيادة الشبابية: أعطى دوراً أساسياً للجيل الشاب في الحرب والسياسة، فترجم القوى النظامية إلى تنظيم مسلّح مع منهجية وتراتبية، وذلك في غياب الدولة.
  5. رمزية الاستشهاد: اغتياله المبكر جعله رمزاً وفكرة أكبر من شخص، وأبقى صورته نقية لدى قسم واسع من اللبنانيين - واكثرهم لم يعرفوه شخصياً.

أسباب كرهه

  1. التجربة العسكرية الدموية: اتُّهم بتكريس منطق الميليشيا في بداياته، فيما تركت ممارسات "القوات اللبنانية" خلال الحرب جروحاً عند بعض المكوّنات اللبنانية - بما فيها المسيحية.
  2. علاقته المعقّدة مع إسرائيل: تعاون عسكري وسياسي - فرضه واقع محاولات الإبادة المتكررة، اعتبره البعض خيانة ووصمة - فيما يعتب البعض على عدم مضيه قدماً بتوقيع المعاهدات؛ وواجهته أنظمة عربية بالتهديدات العنصرية والطائفية.. وهي نفسها تتحضر الآن للسلام الإقليمي.. وهذه وقائع تُنَقّي ذكراه وتوفيه رؤيته.
  3. خطابه الصارم: كان أحياناً إقصائياً بحق خصومه، المسيحيين أو المسلمين؛ فالجراح لا تلتئم قبل بلسم المصارحة والمصالحة.
  4. النزعة التسلطية: بعض رفاقه رأوا فيه ميلاً للهيمنة والانفراد بالقرار - ومنهم من فاقم الدموية لاحقاً بدل المشاركة بالحوكمة.
  5. العداء السوري المبكر: جعل من بشير هدفاً رئيسياً للإغتيال وأدى إلى قطيعة مع فئات واسعة مرتبطة بالمحور السوري؛ وبقي هذا النزاع فاعلاً، إلى حين سقوط النظام الأسدي الظالم.. وهنا أيضاً وقائع تُنَقّي ذكراه وتوفيه رؤيته.

ماذا يرى الناس في بشير الجميّل

نقاط القوة (Strengths)

  1. شخصية كاريزمية، صادقة، غير مألوفة في السياسة اللبنانية التقليدية، صارمة وواضحة، هادفة ومصممة.
  2. مشروع واضح للدولة والجيش والشرعية الواحدة، من أجل ددتحقيق دولة القانون والمؤسسات.
  3. قدرة تنظيمية جمعت القوى المسيحية تحت إطار واحد، قبل المواجهة النهائية مع النظام الأسدي.
  4. رمز شبابي وطني، ما زال مؤثراً حتى بعد عقود.. بل يتجلّى مع الزمن، فيما تتحقق رؤيته وينتفض الوطن من رماده

نقاط الضعف (Weaknesses)

  1. التماهي مع العمل العسكري الدموي في بداياته، خارج بيئته وداخلها.
  2. العلاقة الإشكالية مع إسرائيل، التي - ربما - سهّلت اغتياله المعنوي لدى خصومه، بعد رفضه توقيع أي معاهدة معها.
  3. عدم اكتمال مشروعه السياسي - بسبب اغتياله المبكر (بقي وعداً لا إنجازاً).
  4. صورة حادّة أحياناً، أبعدت عنه جزءاً من المسلمين، اليساريين والقوميين، العرفاتيين والأسديين.. وأيضاً الخصوم المسيحيين؛ ويجدر هنا تقدير ذكاء الرئيس كميل شمعون في المحافظة على اللحمة المقاومة آنذاك.

الفرص (Opportunities)

  1. إعادة صياغة إرثه كـ مشروع دولة سيادية جامعة يتجاوز الإصطفاف الطائفي.. وكما يذكرها حاضراً رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون
  2. اهتمام الشباب اللبناني بالرموز الصادقة والمباشرة، خصوصاً في زمن الفساد المستشري؛ وهنا دور مهم للمؤسسات الجامعية، السياسية والإنسانية، لكتابة تاريخه بتجرّد وعلم.
  3. توظيف ذكراه لتوحيد القوى المسيحية، والمطالبة بقيام دولة حقيقية، مبنية على سلامة وحماية مكوّناتها من ناحية، وبَنّاءة لمشروع التنمية المستدامة والاقتصاد المزدهر.
  4. إمكانية تحويل مراكز بشيرية، ومؤسسة بشير، أو إرثه المشترك، إلى مؤسسة فكرية-سياسية-ثقافية، تنتج أفكاراً وتبتدع مشاريعاً لبناء الدولة الآمنة والصلبة، المشاركة والمزدهرة.

التهديدات (Threats)

  1. استمرار الانقسام المسيحي – المسيحي حول ملكية إرثه (الاحزاب: الكتائب، القوات، التيار، المستقلون؛ فخ الانكماش المذهبي الماروني والإنغلاق المسيحي، بدل الانتماء الوطني؛).
  2. محاولات خصومه تشويه صورته - وحصره في علاقته مع إسرائيل، والتي حصلت فيما كان "طريق فلسطين يمر في جونية" وبيننا كان المكوّن المسيحي أصبح " ظهره على البحر"، أسوة بمسيحيي المنطقة.
  3. خطر أن يبقى إرثه أسير "النوستالجيا" والحنين، من دون ترجمة عملية؛ وهذا الوعي يحتاج إلى وجود صورة وأفكار بشير الإصلاحية الوطنية في السياسة المركزية واللامركزية.
  4. السياق الإقليمي (سلاح حزب الله، النفوذ الخارجي) الذي يحول دون قيام دولة شبيهة بحلم بشير؛ وهنا نرى كوابيس الولاية والمحافظة تنطفئ مع نهضة الدولة القوية التي أرادها بشير.

🗒 الدروس المتاحة بعد 43 سنة على استشهاده

أين أصاب؟

..في وضوح الرؤية،

..في الحلم بدولة سيدة، مصلحة ومتصالحة،

..في توحيد الصف المسيحي فالوطني،

..في إعطاء الشباب دوراً وازناً في إتخاذ القرارات المصيرية.

أين أخطأ؟

.. في الرهان التكتيكي على إسرائيل.. بينما تتكلم الأنظمة العربية الآن عن التطبيع والسلام في المنطقة؛

.. وفي اعتماد العمل العسكري كمدخل أولي للسياسة، فترك هذا الأسلوب جراحاً لم تلتئم، حتى لو ارتفع حينها الرئيس كميل شمعون، وسامح البعض مثال سليمان فرنجية

.. وفي الخطاب الحاد تجاه الخصوم، فكان الخوف عند البعض من الأسلوب أقوى من القناعة بالمشروع.

🇱🇧 ماذا حصل من خراب مسيحي ووطني من بعده؟

  1. الفراغ القيادي: اغتياله بعد 21 يوماً من انتخابه (14 أيلول 1982) أحدث فراغاً هائلاً داخل الساحة المسيحية، إذ لم يظهر بديل يحمل كاريزمته ومشروعه الجامع، بل التفّت الأحزاب حول إرثه.. ومنهم من ينتهش ملكيته.
  2. الحرب المسيحية – المسيحية: بعد غيابه اندلعت معارك، انتفاضات وحروب داخلية، بين الميليشيات المسيحية (القوات، الكتائب، التيار العوني لاحقاً)، مما أضعف الدور المسيحي بشكل كبير. وما زال..
  3. الوهن الوطني: انهيار مشروع الدولة القوية أدى إلى استمرار الحرب حتى 1990، وتعاظم نفوذ سوريا، وصولاً إلى اتفاق الطائف، الذي كرّس واقعاً جديداً، ما كان ليحصل لو اتفق من يدّعون وراثته فيما بينهم من ناحية ومع النظام اللبناني القائم حينئذ من ناحية.
  4. الخسائر الوجودية: تقلّص الحضور المسيحي في الدولة والديموغرافيا والسياسة، ونزف الهجرة، وتراجع الموقع المسيحي في النظام اللبناني.

🇱🇧 ما هو إرث بشير الجميّل؟

على الصعيد المسيحي:

  1. نموذج القيادة الشابة الجريئة، التي لا تساوم على وجود المسيحيين ودورهم في بناء الدولة، بالشراكة والمساواة.
  2. حلم الدولة القوية التي تحمي المسيحيين - وسائر المكوّنات - بالجيش الوطني لا بالميليشيا.

 على الصعيد الوطني:

  1. مشروع الدولة السيدة، المستقلة عن أي وصاية (سورية، إيرانية أو غيرها).
  2. رفض الدويلات والسلاح خارج الشرعية؛ استنهاض اللامركزية الفاعلة وحتى أفكار الفدرالية

 على الصعيد الإقليمي:

  1. شكّل حالة مواجهة مع النظام السوري، وعلاقة مركّبة مع إسرائيل (تعاون عسكري مقابل رفض للوصاية أو الإلحاق، حسب المصادر).
  2. أعطى صورة عن إمكانية قيام لبنان حرّ وحامل دور الوساطة في محيطه، رغم صغر حجمه.

🫂 من يملك أو يحمل إرث بشير الجميّل؟

عائلته المباشرة: زوجته وأولاده، يمنى الناشطة والمحبوبة والنائب نديم بشير الجميّل الذي يجسّد خطه السياسي مع النائب سامي الجميّل ضمن حزب الكتائب.

حزب الكتائب: كونه إبن المؤسس بيار الجميّل، فحزب الكتائب هو الحامل الطبيعي لإرثه، علماً أن علاقة بشير مع الحزب كانت مشارِكة بسبب بروز "القوات اللبنانية"؛ وهنا دور الأكاديمية الكتائبية، جهاز الإعلام، جهاز الفكر، مجلس الشورى ومتحف الاستقلال.

 القوات اللبنانية: هي الإطار العسكري والسياسي الذي بناه بشير، لكن بعد اغتياله سلكت طرقاً مختلفة مع الإتفاضات والإغتيالات، مع حروب الأخوة، مع السجن والتهجير، مع الإلغاء والنفي.. وحالياً مع سمير جعجع على رأس القوات.. وهنا يجوز التصويب أن جهد الحصرية غير منتج وغير مجدي، كما والإنكار والتحريف، بل يجدر المشاركة في تقدير وتثمين الإرث المشترك، مما يحتاج إلى مجهود كتائبي قواتي تضامني، يريح القاعدة المقاومة ويحصل على الاحتضان المسيحي فالوطني.

 الشخصيات المستقلة: هناك شريحة من المسيحيين واللبنانيين الذين يرون في بشير رمزاً وطنياً لا ينتمي لحزب بل لفكرة؛ وهنا دور مؤسسة بشير الجميّل من ناحية، والمؤسسات الجامعية من ناحية، لكتابة تاريخ بشير الجميّل وانجازاته، كما والدروس والفرص المتّصلة.

ما هي سبل تثمين وتقدير إرثه اليوم، لتحويل القضية المقاومة الإصلاحية إلى بناء وطن؟

  1. تحويل "فكرة بشير" إلى مشروع سيادي إصلاحي معاصر لا يتوقف عند الماضي، بل يساهم في بناء الدولة المعاصرة.
  2. الاستثمار في إضاءة شعلة الذاكرة الجماعية عبر التعليم الجامعي، نشر الوثائقيات، وإجراء الأبحاث الأكاديمية المرتبطة.
  3. إعادة إبراز بشير كرجل دولة لا كرئيس ميليشيا.. صاحب رؤيا ورؤية، لإعادة إحياء حلم الدولة القوية وترجمتها إلى واقع.
  4. العمل على توحيد الرؤية المسيحية، تحت عنوان بناء الدولة، لا في ظل الزعامة الفردية والتبعية.
  5. جعل من 14 أيلول محطة وطنية جامعة، لا طائفية أو حزبية.

 ماذا يجب أن يفعل حزب الكتائب لتقدير وتكريم رمزه من ناحية، وتحقيق إرثه ورسالته من ناحية؟

  1. إعادة قراءة بشير تاريخياً: تقديم خطاب موضوعي ومتوازن عن إنجازاته - حيث نجح وحيث لم ينجح، بدل الخطاب الشعاراتي المبتذل في الشارع المسيحي.. ولأن حزب الكتائب لديه المؤسسات الفكرية والتاريخ النضالي، الأرشيف الموثّق ومتحف الاستقلال.. وكل ذلك بالتعاون مع الرموز الكتائبية المقاومة من ناحية، ومؤسسة بشير الجميّل من ناحية.
  2. إحياء فكره في الدولة: الترجمة العملية لإرثه عبر مشروع إصلاحي لبناء دولة قوية، سيادية، غير خاضعة للوصاية ولا للدويلات؛ وهنا يأتي موقف الرئيس العماد جوزاف عون بالمناسبة، ليعطي بشير الجميّل ولأول مرة منذ نهاية الحرب اللبنانية، المساحة الوطنية التي يستأهلها بشير.
  3. المصارحة والمصالحة المسيحية: العمل على إنهاء رواسب الحرب بين الكتائب والقوات والتيار الوطني الحر، لأن بشير كان يسعى إلى توحيد البيت المسيحي؛ وهذه خطوة أساسية وتأسيسية.
  4. الانفتاح الوطني، ونشر فكرة المصارحة والمصالحة الوطنية: إبراز أن إرث بشير ليس طائفياً، بل مشروع دولة لجميع اللبنانيين.
  5. تفعيل الذاكرة التاريخية، الوطنية والمحلية: عبر الأقاليم والبلديات؛ عبر مراكز الأبحاث والمؤسسات الثقافية؛ عبر ندوات دورية مع جهاز الفكر، الأكاديمية الكتائبية ومجلس الشورى؛ وإحياء ذكرى اغتياله بطريقة تحمل بعداً وطنياً جامعاً، في متحف الاستقلال وفي الجامعات، في البيت المركزي وفي معراب، في مشاريع تحمل إسمه وفي مكان أغتياله أي ما أراه "ساحة بشير".
  6. إعطاء مساحة للشباب: كان بشير رمزاً للشباب السياسي؛ وبإمكان حزب الكتائب أن يترجم ذلك بإدماج الشباب أكثر في القيادة والقرار من ناحية، والاستفادة من خبرة الرموز كالرئيس امين الجميّل وقدامى المقاومين من ناحية.. فاللحمة فيما بين الأجيال طبيعية.. وعلينا أن لا ننسى أن جيل الشباب لا يعرفه لكن يتوق لمعرفة إرثه، وأن لو عاش كان عمره ٧٨ سنة اليوم، أي أن رفاقه والشهداء الأحياء من ذاك الجيل.

الخلاصة:

استشهد بشير منذ ٤٣ عام، وبعد أن "دُفن" عدة مرات، ما زال يبرعم الصمود الوطني ويزهر الوطن المشترك الذي استشهد من أجله.

وبعد ٤٣ عام..

ماذا تعلمنا من بشير واستشهاده؟

ماذا نفعل؟

ماذا لا نفعل؟

ماذا نبني بالشراكة واللامركزية وماذا نحفظ لكل مكوّن .. وكلاهما حتى "ما تنعاد"؟

هل هنا بعد مكان لوطن، بعد نزاعات دامت نصف قرن - واتساع الشرخ الفكري والعقائدي الإنكاري والتحريفي.. إلى درجة تلامس التقسيم.. نزاعات لم تنتهي بعد؟

وهل هنا رجاء لوطن ما زال ينازع منذ ٥٠ سنة، ولكنه لم يختفي ولم يلفظ أنفاسه؟

كيف نبلسم الحروق العميقة والمنتشرة في النسيج المجتمعي؟

كيف نعالج القيح في النفوس التي عاشت على كراهية لبنان الحر، السيد المستقل، ولا تراه إلا طريق أو بديل، محافظة أو ولاية؟

كيف نستبدل غسيل الأدمغة بغسيل القلوب، دون المرور بغسيل الكلى؟

كيف نختم الجراح في ضمائر أهل الشهداء، وجدان المقاومين الأحياء ومشاعر أهالي المخفيين؟

...يأتيني جواب مبسّط من لبناني مسن، عمره ٩٨ عام، كاهل شامخ، متعب صامد، يفتخر بما أنجزته المقاومة اللبنانية ويعتز بانتمائه الحزبي؛ بعد نصق قرن من مواجهة الإحتلالات، حيث يبقى هو - برمزيته - الشعلة والمنبر، صوت الحرية والكرامة، صوت الذين استشهدوا واجسادهم تحت التراب، صوت الشهداء الأحياء الذين يحتفلون ببقاء لبنان كل سنة، صوت مدوّي يقول لنا: نحن حافظنا على الأمانة، وعليكم الجهد لإعادة قيامة الوطن.. هذا هو إرث بشير الإنسان والمقاوم .. والكمال لله.. هذا هو الطريق الذي رسمه كل من دافع عن لبنان.. ويبقى من واجبنا تحقيق خطاب القسم والبيان الوزاري، لإعادة بناء الحجر والبشر، وتحقيق الغفران المشترك والسماح الجماعي، بالمصارحة والمصالحة؛ وبدولة القانون والمؤسسات، التي تحمي الكل وتعيد بناء ال ١٠٤٥٢، بالنموذج والنظام الذي يختاره اللبنانيون، حتى "تنذكر وما تنعاد"

"Je compte sur toi et sur vous tous. L'esprit doit être très pur, très propre, très fort et très droit. On continue."

Bachir Gemayel

وفي الختام، يبقى كلام الرئيس جوزف عون في ذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميّل أفضل شهادة تقدير وإجلال:

"المبادى التي ضحى من أجلها باتت ثوابت وطنية لجميع اللبنانيين، ابرزها لبنان الحر المستقل، القوي بوحدة شعبه وتضامن مكوناته؛ لم يكن اغتياله مجرد تغييب لرئيس جمهورية أو لزعيم سياسي فحسب، بل كان أيضا محاولة لقتل حلم لبناني أصيل، لكن الأحلام لا تموت بموت أصحابها، بل تبقى حية في قلوب الذين يؤمنون بها ويعملون على تحقيقها. لقد كان الرئيس الشهيد رمزاً للعزيمة والإصرار على بناء لبنان قوي وموحد، فهو آمن بقدرة اللبنانيين على تجاوز الخلافات والعمل معاً من أجل وطن حر ومستقل، وكانت رؤيته للبنان  رؤية دولة قوية بمؤسساتها، عادلة في قوانينها، متقدمة في نهضتها. اليوم  وبعد عقود من استشهاده، لا تزال المبادئ التي ضحى من أجلها من الثوابت الوطنية التي يجمع عليها اللبنانيون وأبرزها لبنان الحر المستقل السيد، لبنان الذي يعيش فيه جميع أبنائه بكرامة وأمان، لبنان القوي بوحدة شعبه وتضامن مكوناته".