المصدر: النهار
The official website of the Kataeb Party leader
الأربعاء 6 آذار 2024 18:54:13
بعد فضيحة دخول 24 طنّاً من الأرزّ "المسرطن" الذي فُقد في مستودعات الشركة التجارية المستوردة، والسماح بإفراغ حمولة قمح "متعفّن" من الباخرة، وقرار توزيعها على السوق، تعود إلى الواجهة أزمة الأمن الغذائي في لبنان والفوضى التي تتوغل في مختلف القطاعات ومنها القطاع الغذائي من دون محاسبة أو مساءلة.
وفي الفضيحتين، تدور أسئلة كثيرة حول دور القضاء في التعاطي مع هذا الملفّ، سواء بترك المتهم أو بتوقيع قاضٍ يسمح بإدخال قمح متعفّن ومسوّس إلى الأسواق، رغم صدور نتائج مصلحة الأبحاث الزراعية التي تؤكّد جود تكتل وعفن في العيّنات.
أمّا المسألة الأخرى التي يجب الحديث عنها فتتمثل بالتعهّد الموقّع من صاحب الشركة بناءً على المادة 57 من قانون الجمارك، والتي تفرض عليه عدم التصرّف بالشحنة قبل إخضاعها لتحاليل مخبرية تجريها مصلحة الأبحاث الزراعية في وزارة الزراعة.
وهنا نطرح السؤال الأهم: من يضمن تنفيذ هذا التعهد؟ وكيف ذهب التعهّد الذي وقّعه صاحب الشركة أدراج الرياح واختفت الشحنة واستُبدلت بأخرى؟ علامات استفهام كثيرة تطرح منذ دخول هذه الشحنة إلى المرفأ وصولاً إلى عدم صدور أيّ قرار يطلب سحب ما بقي من هذه الشحنة في الأسواق وإخراج مديرة الشركة لقاء غرامة مالية قدرها 40 ألف دولار، بينما تُرك المخلّص الجمركي بكفالة سند إقامة.
يؤكد وزير الزراعة عباس الحاج حسن لـ"النهار" أنه "في ما يتعلق بشحنة القمح، رفضتها الوزارة بعدما أجرت الفحوص المخبرية اللازمة، وتبيّن أنها غير مطابقة للمواصفات. وأوضح أن الجهة المستوردة ذهبت الى القضاء الذي بدوره راسل هيئة القضايا".
وأشار الحاج حسن إلى أنه تواصل مع القاضية هيلانة اسكندر مؤكداً رفضه دخول الشحنة نتيجة الفحوص المخبرية وتقارير فريق الوزارة المختصّ، مشدداً في هذا الإطار على حرص الوزارة على سلامة أمن غذاء اللبنانيين تماماً كحرصها على الصادرات الزراعية اللبنانية التي تكون نتائجها مطابقة للمواصفات العالمية.
أمّا في ما يتعلق بشحنة الأرز التي دخلت الأسواق، فأكد الوزير أنه رفضها، وأن الموضوع الآن بات عند القضاء والضابطة العدلية. وبالتالي أصبحت المسألة عند وزارة الاقتصاد المخوّلة قانوناً مراقبة السلع في الأسواق المحلية.
وختم بالتحذير من خطورة هذا الأمر داعياً الى تشدّد كلّ المعنيين في الحفاظ على سلامة أمن غذاء اللبنانيين.
في المقابل، تطرح مصادر مطلعة أسئلة حول فضيحة الأرز "الذي توّزع منذ ٨ أشهر في الأسواق، وبيعت كمياته ولم يبق منها شيئاً، فكيف سمحت وزارة الزراعة بإخراج الشحنة من دون تلفها أو إرسالها الى بلد المنشأ، وكيف سمحت الجمارك باخراجها بتعهد من دون متابعتها؟". علماً أن شحنة القمح "المتعفن" ما زالت محجوزة ولم توزع بعد.
تفعيل الهيئة الوطنيّة لسلامة الغذاء
من جهته، يُطالب رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبد الله عبر "النهار" بتفعيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء التي صدر قانون إنشائها في مجلس النواب قبل 5 سنوات، فيما تخلّفت الحكومات المتعاقبة عن تعيين الهيئة المعنية بوضع نظامها ومباشرة عملها. ونتيجة عدم تفعيل الهيئة، تتولى وزارات الصحة والزراعة والاقتصاد والبلديات القيام بأداء المراقبة، إلّا أنّ ظروف عمل الموظفين والإضرابات تُعيق العمل الرقابي المنشود.
ويعترف عبد الله بأن "الفساد يتوغل في ملف الغذاء بدءاً من الأسمدة وصولاً إلى نقاط بيع المنتج، نفتقر إلى الرقابة الجديّة، فضلاً عن أزمة الكهرباء وسوء التخزين. وما يُحكى عن الأرزّ والقمح يُطبّق على منتجات كثيرة تدخل إلى لبنان بطرق شرعية وغير شرعية وهي غير مطابقة للمواصفات، ولا نعرف عنها شيئاً".
وعن مدى أمله بمحاسبة الفاعلين، يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية أن الملف أصبح بعهدة القضاء ونتمنى أن يضرب بيد من حديد كلّ من تجرأ على تعريض صحة الناس للخطر. لذلك يجب أن يكون الحكم غير قابل للتسوية أو للضغوط والنفوذ والرشى. ويجب أن نعرف أن القضاء يعالج النتيجة فيما نحن بحاجة إلى خطوات استباقية لمعالجة هذه الأزمة، وعلى رأسها تفعيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء التي من المفترض أن تكون العين الساهرة في هذا القطاع".
دعوى شخصيّة ضدّ المتورّطين
يرى رئيس جمعية المستهلك زهير برو في حديثه لـ"النهار" أن "ما يجري اليوم في مسألة القمح والأرزّ يعتبر استكمالاً لنهج الفساد المتبع في لبنان، وإلّا لم يكن أحد ليتجرأ على إدخال هذه الكمية الكبيرة إلى السوق. وللأسف أصبح لبنان في الدرك الأسفل من ناحية الرقابة في ظلّ تفكّك الدولة، ولم تكن حقوق المستهلكين يوماً في قائمة اهتمامات السلطة التنفيذية والتشريعية".
ويعترف برو بأن "ما تقوم به وزارتا الزراعة والاقتصاد بطاقتهما الحالية لا يتخطّى 5 في المئة وهي غير كافية، وبالتالي تتوجه جمعية المستهلك بتقديم دعوى شخصية في حقّ الشركات التي أدخلت هذه المنتجات، ونعرف تماماً أنّ هناك تواطؤاً أسهم في إدخالها إلى لبنان رغم المعاينة المباشرة عليها. وهذا يؤكد أن الفساد في لبنان هو شبكة متكاملة تعمل بفعالية في الفوضى والأزمات التي تضرب البلد".
ويأسف رئيس جمعية المستهلك للواقع القضائي، فكل الدعاوى المقدمة لم تصل إلى مكان وآخرها الشكوى في حق المصارف المقدّمة في شباط 2020 والتي بقيت في الأدراج، وهذا ما يدفعنا إلى طرح أسئلة كثيرة ولا سيّما أنّ القضاء هو شريك للسلطة التنفيذية والتشريعية وبالتالي لن يكون متحمّساً في العمل معنا كجمعية. وللأسف لم نرَ قراراً قضائيّاً يؤمّن مصلحة الناس، وكل ما لمسناه في السنوات الأخيرة هو سكوت وهروب إلى الأمام، بدءاً من ملفّ سرقة الودائع مروراً بانفجار مرفأ بيروت وصولاً إلى الفساد اليومي وتمرير صفقات التجار.
سموم فطريّة في عيّنات أرزّ سابقة
يشرح الأستاذ والباحث في علوم الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية حسين حسن أنّ "السموم الفطرية تنقسم الى درجات حسب خطورتها بحيث تعتبر الأفلاتوكسين B1 والأفلاتوكسين M1 الأكثر خطورة، حيث صنّفها المركز العالمي للأبحاث السرطانية من ضمن المسرطنات درجة أولى، فيما تندرج سموم فطرية أخرى مثل الأوكراتوكسين A في الدرجة الثانية.
ويتابع حسن أن الأفلاتوكسين B1 (AFB1) هو سمّ فطري يؤدّي التعرّض له على المدى الطويل إلى مشاكل في الكبد. أمّا الأوكراتوكسين A أو (OTA) فهو أيضاً سمّ فطريّ يُسبّب التعرّض له على مدى سنوات لمشاكل في الكلى. فيما يؤدّي التعرض للمعادن الثقيلة إلى خطر الإصابة بأمراض عصبية وهضمية وحتى سرطانية.
وحسب الدراسات التي أجريت في عام 2022 على الأرزّ الموجود في لبنان، تبيّن أنّ المعبّأ منه يحتوي على سموم فطرية أقلّ من الأرزّ "الفلت" لأنّ الأخير معرّض للملوّثات الخارجية.
وفي التفاصيل، وجدت الدراسة التي أجريت في الجامعة اللبنانية الأميركية أن 56 عينة من أصل 105 تحتوي على OTA أي السمّ الفطري.
كذلك وجد الباحثون اللبنانيون أنّ الأرز الأسمر الذي من المفترض أن يكون صحّياً أكثر يحتوي على سموم أكثر ولا سيّما أفلاتوكسين B1، فيما الأرزّ الأبيض أقل تلوّثاً نتيجة إزالة القشرة البنّية عنه. كذلك يحتوي الأرز الطويل على سموم فطرية أعلى من الأرز القصير.
ويشدّد حسن على أهمية تخزين الأرزّ بطريقة صحيحة وعدم وضعه في مكان رطب، فسوء التخزين يعزّز نموّ العفن وتكاثر السموم الفطرية، بالإضافة إلى تجنّب شراء الأرزّ "الفلت". كذلك يجب اختيار الماركات بطريقة دقيقة، وقد أظهرت أنّ الماركات المعروفة والعالمية كانت تحتوي على نسبة أقلّ من السموم مقارنة بمنتجات أخرى غير معروفة.