المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
الاثنين 27 أيار 2024 13:19:27
رغم أن جزين ليست مدينة ساحلية في جنوب لبنان، إلا أنها تمتاز بتراثها العريق وأسواقها الأثرية، التي شهدت تحولًا ملحوظًا منذ الصيف الماضي. بفضل استثمارات سكانها المحليين، ازدانت المدينة بالعديد من المقاهي والبوتيكات والمطاعم، ما جعل أسواقها تنبض بالحياة على غرار أسواق جبيل والبترون. هذا الانتعاش أضفى على جزين سحرًا جديدًا وجعلها وجهة مميزة مستهدفة.
حرب اقتصادية
مع استمرار جهود تنشيط المنطقة، وتزامناً مع استعداد جزين لإطلاق موسمها السياحي هذا العام، تتصاعد حولها أصداء الحرب في المناطق المجاورة. ورغم أن جزين تقع في جنوب لبنان، إلا أن واقعها يعكس صورة مغايرة تماماً. في حرب تموز عام 2006، اعتُبرت جزين واحدة من أكثر المناطق أماناً رغم موقعها الجنوبي، حيث استقبلت الكثير من المهجرين من المناطق المجاورة مثل بنت جبيل، صور، والنبطية، نظراً لكونها بمنأى عن القصف. أما اليوم، فرغم انتشار أخبار يومية عن استهداف القصف لأعالي جزين، إلا أن تلك المناطق بعيدة عن المدينة نفسها، وغالبية المناطق المتضررة تطل على النبطية أو البقاع، وأقرب نقطة تُقصف تبعد عن جزين ما لا يقل عن 15 كم، مما يجعل جزين حتى الآن واحة من الأمان في ظل الأوضاع الراهنة.
في حديث مع وسام، وهو في العقد الرابع من عمره، أحد أبناء المنطقة، قال لـ"المدن": "نحن في المنطقة نقرأ الأخبار عن وجود قصف في مرتفعات الجبور في قضاء جزين، ولكننا لا نسمع أي شيء. القصف بعيد جداً". وأكمل حديثه قائلاً: "عندما يذكرون أن القصف يطال قضاء جزين، يتسبب ذلك في خلق أزمة، إذ يعتقد الناس أن جزين تتعرض للقصف. ونحن، مثلهم، نعرف ذلك فقط من خلال التلفزيون".
الأخبار المنتشرة التي تشير تحديداً إلى "أعالي منطقة جزين" تؤثر سلباً على الواقع السياحي في المدينة، رغم أن القصف لم يستهدف المدينة ولا جوارها. في هذا السياق، أكد إيهاب، وهو مستثمر في الثلاثينيات من عمره من جزين، أن المدينة تأثرت كثيراً بأجواء الحرب التي لا تعيشها سوى من الناحية الاقتصادية. وقال: "أشغالنا في خطر، وأكثر ما يضرنا هو الإعلام الذي يبرز فكرة أن جزين تتعرض للقصف، مما يجعل الناس تتجنب زيارتها نتيجة الخوف. نحن لم نعد نتحمل اقتصادياً، لأن وضعنا كان أساساً دقيقاً. وأبناء المنطقة يعتمدون اقتصادياً على سكان السواحل، بيروت، صيدا إضافة إلى الشوف".
"جزين آمنة"
أطلق المصور رامي رزق، ابن جزين، حملة إعلانية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "جزين آمنة"، تتضمن صورًا تعكس جمال المنطقة وأجوائها. في حديثه مع "المدن"، أوضح رامي أن الفكرة جاءت استجابةً لأحاديث وصيحات أهل المنطقة، وكرد فعل على الحملات الإعلامية التي تصف المدينة بأنها تحت خطر الغارات أو القصف. وأضاف: "نحن على أبواب الصيف، ولا توجد مؤشرات على نهاية الحرب. إذا لم تتحرك العجلة الاقتصادية، سيضطر أبناء البلدة إلى الهجرة بسبب العجز الاقتصادي".
حصلت الحملة على دعم كبير من أبناء ومحبي البلدة، وكذلك من المؤسسات السياحية والمستثمرين. ومع ذلك، تراوحت ردود الفعل بين الترحيب بالحملة لكونها محاولة لإنقاذ المنطقة، وبين الانتقادات لكونها غير ملائمة في ظل الوضع الحربي، حيث رأى البعض أن التركيز على السياحة لا يتناسب مع الظروف الحالية.
في هذا السياق، أوضح رامي أن المسألة ليست سياحية فقط، بل تتعلق بانتعاش المحلات التجارية والسوبرماركت وغيرها من الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على استقرار الأمن في البلدة وجوارها.
ذاكرة صعبة
عاشت جزين تحت الاحتلال لسنوات طويلة، حتى جاء الانسحاب والتحرير في عام 2000. قبل ذلك، كان الجيش اللبناني الجنوبي، أو ما يعرف بجيش لحد، يتواجد في المنطقة حتى عام 1999. في تلك الفترة، كانت جزين تعج بالمقاومة ومخابرات الجيش، وشهدت العديد من عمليات التصفية لأفراد جيش لحد، الذين كانوا غالباً من شباب المنطقة الذين تم التغرير بهم، فتضرروا في النهاية. البعض أصيب أو قُتل، وآخرون لجأوا إلى إسرائيل، بينما سلم آخرون أنفسهم للدولة اللبنانية.
في السنوات الماضية، عانت المنطقة من حياة مأساوية مليئة بالانفجارات وعمليات القتل والاغتيال، مما أجبر العديد من سكانها على الهجرة. ورغم أن لبنان كان يشهد ازدهاراً في بيروت والمناطق الأخرى، بقيت جزين تحت الاحتلال حتى عام 2000، تدفع ثمن الصراعات والانفجارات، مما أثر سلباً على حياة سكانها وتجنب الكثيرين منهم العودة.