"جمهوريةٌ بدون رأس ورؤوسٌ بدون عقل .."؟؟!!

كتب المحامي انطوان القاصوف :

"جمهوريةٌ بدون رأس ورؤوسٌ بدون عقل .."؟؟!!

تقولُ الحكاية : في إحدى القرى ، عاش رجلٌ إنتدبَ نفسَهُ "خبيراً" مُتفرِّغاً لِخدمةِ المصلحةِ العامة ولِمُعالجةِ القضايا الوطنية.. "مُشيراً مُرشداً " يُوَزِعُ آراءَهُ على الناس ويتبرعُ لهم بالنصائح .."نبيهاً" على أساس، أنّه الوحيد لا بل الأوحد في المعرفة وصوابِ الرأي، لكلِ مشكلةٍ عندهٌ حلّ ولكلِّ حلٍّ يُعطيه مشكلة.. ورغم ذلك  فهو "المرجع" على الدّوام..؟!
..وحدث يوماً ، أنَّ عِجلاً إسْتَبَدَّ به العطش ورأى خابيةً من الفخار فيها بقيةُ ماء ، فأدخلَ رأسَهُ فيها ليشربَ وعندما حاولَ إخراجَ رأسه من الخابية، تَعذّرَ عليه ذلك ، فأسرعَ الذين كانوا في الجوار وأمسك بعضٌهم "بتلابيب" العجل ، بينما "تعربط" آخرون "بأذان" الخابية وراحوا "يتجاذبون ويتعابطون ، يشدّون ويتناحرون ، يتحاورون ولا يفهمون ، يتشاورون ولا يتفاهمون ، لا يأخذون ولا يعطون..ولا مَن يحزنون .." وبقي رأسُ العجلِ في الخابية..؟!
هنا حضرَ "المرجع" وقدحَ زنادَ فكرِهِ وصاح : " أنا أقول ، إقطعوا رأسَ العجل" فقطعوه.. ومع ذلك تًعَذَّرَ عليهم إخراج الرّأس  المقطوع من الخابية.. فتقدّم "المرجع" ثانيةً وقال:"يجب أن تكسروا الخابية" فكسروها..؟! عندها أسند "المرجع-المنقذ" ظهرَهٌ إلى الحائط  مترًنِحاُ بإنتصارِ رأيه وقال : "يا تَعْتيركم بعد موتي..كِيف راحْ تِتْسَيْسَروا..."؟؟!!

 ..وقياساً ، في وطنٍ ،ما مٍن قضيةٍ مُهمّةٍ فيهِ ، إلاّ وهي عالقة في "خابيةٍ ما"..وكلُّ الحلول ينفردُ بها  "المرجع-المنقذ " فأتمنى له طول العمر خوفاً من ألاّ يعرف المواطنون"كِيف يتسيسروا بعد رحيله.."؟؟!!

لقد باتت رئاسة الجمهورية بدون رأس ، عدالة العدل رؤوساُ متناحرة ، مالية الدولة رأساً فارغاً.. حتى المواطن بات برأس أضاع إسمه وهويته...أمّا حكومة تصريف الأعمال"الممنوعة من الصرف" فباتت مجموعة  رؤوس عالقة في مجموعة من "خوابي-التنازلات".. وحده المجلس النيابي بات برأسٍ واحدٍ ولكنّه عالق في أكبر "خابية للتناقضات والمخالفات.. "؟؟!!

فحِيال جمهورية بدون رأس ورؤوس بدون عقل، هل مِن أملٍ يُنتظر ومرجعٍ يُرتجى لإنقاذ رأس الوطن حماية للكيان ؟!

في شهر أيار ٢٠٢٢ ، إنتخبنا مجلساً نيابياً جديداً ، مهمتُهُ الأولية قبل التشريع ومساءلة الحكومة ، إنتخاب رئيس للجمهورية ، مضت سنتان وأكثر والمجلسُ المُنْتَخَب لم ينتخب رئيساً للجمهورية،  لم يُشًرِع طبيعياً ،لم يُحاسبْ الحكومة ، فماذا جاء يفعل؟!
بين التّشريع وانتخاب الرئيس،  جعلوا الوضع َ يُشبهُ"مَن قبلَ مَن" هل الدجاجة قبل  البيضة أم البيضة قبل الدجاجة؟ فتعذر الجواب وبقينا  بدون، رئيس وبدون تشريع..؟!
توجَهَ نائبٌ شاب نحو السير ونستون تشرشل خلال فترة الإستراحة في مجلس العموم البريطاني ، شاكياً شرطة السير التي لم تُحاول إخراجه من الإزدحام  على أحدِ الجسور وقال بغيظٍ : "الظّاهر إنهم لم يعرفوا مَن أنا "فبادره تشرشل : "ومَن أنت في أيّ حال "؟!
حضرة النواب المُنتَخَبين، لقد إنقضى نصفُ عمرِكم النيابي وبات المواطنون الذين إنقضى كلُّ عمرهم، يسألون :"..ومن أنتم في أيّ حال"؟!
وإزاء هذا الشلل الدستوري والعجز الحكومي والإنهيار المأساوي في الشارع وفي الشرعية،  تحولنا من دولة إلى غابة إلى جحيم ومن "مقاومة للتحرير " إلى جبهة إسنادٍ واشغال نصرةً "لغزة" فدُمِرَت "غزة" وقُتِلَ أطفالُها فقُتِلَ مستقبلُها وذُبِحت نساؤها فتعطل "رحم" الولادة فيها واحترقت بشراً وحجراً.. وبعد أن كانت "نواة" الدولة الفلسطينية الموعودة،  أصبحت لا نواة ولا دولة ورغم ذلك ، ما زالت المقاومة الإسلامية تنتظرُ وقف إطلاق النار هناك لتوقف الإسناد هنا.. وطريق القدس باتت مُضَرَجة بدماء الشهداء..
فلو أجرينا مقارنة منذ توقيع إتفاقية الهدنة حتى اليوم لتبين لنا أنَّ لبنان بحماية الجيش"الضعيف" كان لبنان"القوي"ولقبه "سويسرا" الشرق! وأنَّ لبنان في عِهدةِ "فتح لاند" المقاومة الفلسطينية "القوية" أصبح لبنان الدولة "الضعيفة" أمّأ  لبنان في عهدِ المقاومة الإسلامية  "القوية" المدججة بأقوى الأسلحة أصبح لبنان الإنهيار والدمار..؟!
وإذا عدنا إلى وقائع التاريخ وقارنا كيف حافظ "الجيش الضعيف المعتر" كما يُسميه سيد المقاومة الإسلامية  لوجدنا أنَّ عدد الشهداء والجرحى في زمن"الضعف" لم يصل إلى "خمسين" بينما في زمن "القوة" الفلسطينية والسورية والإسلامية بات يصلُ إلى الآلاف ناهيك عن الدمار والخراب والتشريد وفقدان مصادر الرزق سواء في حرب مباشرة أو في إسناد ومشاغلة..
..وتبقى المعادلة المتنازع عليها:"لبنان قوتُه في ضعفه أم ضعفُه في قوته...؟؟!!

أمام مهمة إخماد نيران النزاعات والصراعات الدامية، دعا "غاندي "إلى وحدة وطنية وقال جملته الشهيرة :"الموتُ بالنسبة لي خلاص ٌ مجيد بدلاً من أن أكونَ شاهداً على تدمير الهند.."فأسس في عالم السياسة لِما بات يُعرَفُ" بالمقاومة السلمية "وأضحى فكرُهُ السياسي تجربةً فريدة من نوعها وتحدثت بعض الدراسات عن"التجربة الغاندية" التي تلتها فيما بعد بعض التجارب المماثلة مثل تجربة "نيلسون مانديلا" في جنوب إفريقيا وتجربة "مارتن لوثر كينغ"في أمريكا. 

في ٣٠كانون الثاني١٩٤٨ سقط "غاندي"شهيداً للوحدة الوطنية وفي عام ٢٠٠٧ قررت الجمعية العامة  للأمم المتحدة جَعْلَ ذكرى ميلاده ٢ تشرين الأول(١٨٦٩) يوماً عالمياً لنبذ العنف باعتبار أنَّ إسمَهُ إقترن بالسلام والتسامح ونبذ العنصرية.. وفي عام ٢٠٢٢ أهدى الأمم المتحدة النحّاتُ الهندي الشهير"رام فانجي سوتار" تمثالاً نصفياً لغاندي كتب في أسفلِهِ مقولتَهُ الشهيرة :
"لا يوجد طريقٌ للسلام بل السلام ٌ هو الطريق"

عندما تتعقدُ الأمورُ في البلدان الطامحة دائماً للحياة بأمن وأمان ، يوحي الله  لشعبها بالوعي ويمِنّ عليها بِمُنقٍذٍ ..أمّأ عندنا فنبقى أسرى المعادلة  المأساوية :"هناك رجلان عظيمان فقط، واحدٌ مات والآخرُ لم يولدْ بعد..."؟؟!!