المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
الأربعاء 16 تشرين الأول 2024 15:27:27
كتبت نغم ربيع في المدن:
"تشتكي ريم، النازحة من الضاحية الجنوبية إلى إحدى المدارس في محافظة الشمال، من ندرة وصول المساعدات. وتقول: "لم يصلنا سوى القليل، وليس بشكل يومي". تتحدث عن معاناتها وأمثالها من النازحين بحسرة: "تأتي بعض الجمعيات لتسجيل الأسماء والاحتياجات، لكن سرعان ما ترحل من دون تقديم الدعم الفعلي."
ما يزيد من معاناتها وغيرها من النازحين، اضطرارهم للاعتماد على مواردهم الشخصية لسد حاجاتهم اليومية. تقول ريم: "نحاول تدبر أمورنا بأنفسنا، نتناول وجبتي الإفطار والغداء على حسابنا، وفي المساء، نتمكن من الحصول على القليل من اللبنة والزيتون."
على الرغم مما نشهده من انتشار واسع للجمعيات الإنسانية والخيرية، التي تعمل جاهدة لتقديم المساعدات للمحتاجين في مختلف المناطق، إلا أن تأثير هذه الجمعيات غالبًا ما يبقى محدودًا. ذاك أن غياب الأطر الحكومية الواضحة والآليات الفعالة للتنسيق بين الجهات الفاعلة في المجال الإنساني يؤدي إلى تشتت الجهود وازدواجيتها أحيانًا. وهذا الأمر يهدر الموارد أو يحد من وصولها إلى شريحة اجتماعية محتاجة، لصالح حصول فائض لدى شريحة أخرى.
فوضى توزيع المساعدات
في هذا السياق، تقول الناشطة الحقوقية والاجتماعية فداء عبد الفتاح (تعمل حاليًا في عكار مع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان): "منذ البارحة، أحاول توزيع الطعام بسيارتي الشخصية على المدارس المتضررة بسبب هذه الفوضى، حتى لا يفسد الطعام، وكي يستفيد منه نازحون آخرون، وتفادي هدر المال والموارد."
وفي أثناء جولة ميدانية على المراكز لمعاينة أوضاع النازحين فيها، لاحظت عبد الفتاح أن "الوضع فوضوي بشكل غير طبيعي، وسوء التنسيق واضح. بعض المراكز يصلها الطعام مرتين في اليوم، مرة للغداء ومرة للعشاء، في حين أن مدارس أخرى لا تحصل على وجبة طعام واحدة على الأقل، ولا يمكنهم الطهي لعدم توفر المواد الأساسية في المركز."
وتشير أيضًا إلى أن إيواء النازحين يتم بعشوائية، ومن دون التأكد أن المركز لم يعد يستوعب المزيد من النازحين. وتؤكد أن المسؤولية تقع على المحافظ لعدم تنظيم فتح المراكز بشكل منظم وتجهيزها مسبقًا، بدلًا من انتظار وصول أعداد كبيرة من النازحين لتجهيز المراكز.
عدم وجود تنسيق بالعمل
ولاحظت بعض الجمعيات تكرارًا في تسجيل أسماء النازحين عينهم للاستفادة من مستلزمات لا يحتاجونها إلا مرة واحدة، مثل الفرش والمخدات. من بين هذه الجمعيات جمعية شبابيك، التي انضمت إليها جمعية الغياث نظرًا لوجود مركزها في حي ماضي في الضاحية الجنوبية. وقالت رئيسة الجمعية فاتن زين لـ"المدن": "أصبحنا نقوم بإدخال جميع المعلومات المتعلقة بالأشخاص وأماكن تواجدهم، لأننا اكتشفنا وجود نازحين يستفيدون من المساعدات نفسها أكثر من مرة."
في محاولة لتنظيم العمل تؤكد زين أنها "بدأت بالتعاون مع المدراء في مراكز الإيواء والمدارس، نتواصل معهم قبل عملية التوزيع للتأكد مما إذا كانوا قد حصلوا على مساعدات أم لا". ولهذه الغاية، تقدمت بطلب إلى بلدية بيروت وهيئة الإغاثة، مطالبة بتنسيق عمل الجمعيات العاملة في منطقة رأس النبع لتجنب التكرار. فجاء رد البلدية بما لا يتناسب مع الطلب ومفاده : "بأي مستلزمات يمكنكم مساعدتنا؟"
توضح زين أن بلدية بيروت تفضل التنسيق مع الجمعيات الدولية دون إيلاء اهتمام كبير للجمعيات المحلية، وتكتفي بالطلب من الجمعيات المحلية توفير المستلزمات فقط في حالة النقص.
ملاحظات المتطوعين
من جهة أخرى، تقول سارة رعد، إحدى المتطوعات بمبادرة فردية: "نشاط الجمعيات محدود جدًا مقارنة بحجم الكارثة التي وقعت في 4 آب. من خلال تجربتي الشخصية، حاولت إحالة بعض الحالات إلى جمعيات لأنني لم أتمكن من تلبية احتياجاتها بنفسي. إلا أن بعض الجمعيات طلبت معلومات مثل الهويات، والأرقام، والعناوين، ورغم ذلك لم تتواصل مع المحتاجين ولم تقدم أي نوع من المساعدة. وكان هذا الأمر مريباً."
وتضيف رعد: "نحن نقوم بعمل الدولة، ولا يمكننا الوصول إلى الكمال، ويبقى هناك تقصير أو بعض الارتباك في توزيع المساعدات. ولكن نحاول قدر استطاعتنا."وتوضح أن التنسيق مع مراكز الإيواء يعتمد على اتفاق مسبق بشأن ما يمكن توفيره. حينها تطمئن المراكز إلى تلبية احتياجاتها، لتجنب الازدواجية من جمعيات أخرى. ويتم جمع المساعدات في مكان واحد وتوزيعها على المراكز بالتساوي أو حسب الحاجة.
ياسين: التحديات في العاصمة
ينفي وزير البيئة ورئيس لجنة الطوارئ الوطنية، ناصر ياسين وجود أي تقصير من الجهات الرسمية. ويقول لـ"المدن" إن التحديات التي تواجه بيروت تأتي نتيجة حجمها الكبير والتعقيدات المرتبطة بها، وليس بسبب قصور في عمل غرفة العمليات. التنسيق في البلدات الصغيرة يكون أسهل لأن الحدود واضحة. أما في بيروت، لا تزال الأمور دون تنظيم لأن المدينة كبيرة وهناك مساعدات عفوية"، متحدثاً عن تعاون مستمر مع المحافظ لمعالجة هذه المسائل.
وأشار ياسين إلى أنه تم وضع آلية تقتضي أن تقوم المنظمات الدولية بالتنسيق مع البلدية، وأن على الجمعيات أن تنسق مع المحافظ في كل منطقة. وأكد أن "التنسيق يجب أن يكون محليًا دائمًا، لكن في بعض الأحيان تنطلق مبادرات دون التنسيق الكامل". وأوضح أن المدارس والمراكز التي تفتح أبوابها تبلغ وزارة التربية والداخلية والمحافظين، لتدخل ضمن اللوائح وتصلها المساعدات. "في بعض الأوقات، عندما لا تصل المساعدات إلى مدرسة أو مركز معين، يتم التواصل مع غرفة العمليات لإدراجها على لائحة التوزيع ونتدخل مباشرة".
200 ألف وجبة يومياً
وفيما يخص المراكز التي تفتح بشكل عفوي ودون إبلاغ الجهات المعنية، أضاف ياسين: "نكتشف أحيانًا وجود هذه المراكز لاحقًا، ما يشكل تحديًا لإدراجها في لوائح التوزيع". وبالنسبة للفيديو الذي أظهر وجبات عذائية في مستوعبات النفايات، أكد ياسين: "هناك العديد من المصادر لتوفير الطعام والوجبات، وهناك مبادرات كثيرة تطلق حاليًا، لدرجة أن هناك فائضًا في بعض الأحيان. لهذا السبب، من المهم جدًا التنسيق مع غرف العمليات المحلية".
وأكد ياسين أنهم بدأوا بتسجيل جميع مبادرات الجمعيات، وهناك العديد منها تعمل بالتنسيق مع المحافظين. وقد وصل عدد الوجبات التي تُوزع يوميًا إلى ما يقارب 200 ألف وجبة، وهي تغطي حوالي 90 بالمئة من مراكز الإيواء. وهم حالياً يعملون جاهدين لضمان تقديم المساعدة للجميع بمن فيهم العشرة بالمئة المتبقية. "