جورج نادر: الانتفاضة الثانية آتية لا محالة

رغم أن الحالة ما عادت تُطاق، وهي قد تدفع الى السؤال عن مصير حماسة ثوّار انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، إلا أن من العدالة أيضاً القول إن الثّورة أو الانتفاضة، ما عادت بين أيدي الناس "المعتّرين".

فهؤلاء ينزلون الى الطُّرُق، يقطعونها، يُحرقون الإطارات، يتواجهون، يتشاجرون، يأكلون العصي في بعض المرات، وفي مرات أخرى يُسحَبون من الشارع "بالمنيح" أو "بالوحيش". 

ماكينات

ما عادت الثّورة بين أيدي الناس، الذين يكدحون يومياً لتأمين ما تيسّر لهم من طعام ودواء، والذين أصبحوا كالماكينات، يهيمون على وجوههم في رقعة جغرافية إسمها لبنان. وبالتالي، لا بدّ من السؤال في تلك الحالة عن دور النُّخَب.

فأين هؤلاء؟ أين الأطباء مثلاً، الذين يتّصل بهم المرضى، ليسألوهم عن أدوية، وعن بدائلها؟ وبماذا يُجيبونهم عندما يُعيدون الإتّصال بهم قائلين "ما لقينا"؟ ألا يجدر بهؤلاء أن يرفعوا الصّرخة أيضاً، لا سيّما أنهم يُدركون جيّداً أن إطالة تلك المدّة، قد تجعل الكثير من مرضاهم في عداد الموتى؟ 

ما لا يُنتَظَر

وماذا عن الصيادلة، الذين باتوا داخل صيدلياتهم، مثل من ينتظر ما لا يُنتَظَر؟ وبماذا يشعرون عندما يدخل إليهم من هو بحاجة الى دواء، ليشتريه بماله، دون أن يجده. فهذا ليس شحّاذاً، بل ينشد الحصول على ما يساعده على البقاء على قيد الحياة، بعرق جبينه.

وأين هم قادة الرّأي والفكر؟ أفَمَا بإمكانهم أن يُطلقوا ثورة أو انتفاضة من نوع آخر، بعيداً من قطع الطُّرُق وأعمال الشّغَب، من خلال استثمار ما يتوفّر لديهم من إمكانات، لصالح الخير اللبناني العام؟ 

مشروع بديل

اعترف العميد المتقاعد جورج نادر "بوجود مشكلة في هذا الإطار، لأسباب عدّة. فإذا أردنا أن نكون موضوعيّين، وأن نجلد أنفسنا، نحمّل ذواتنا جزءاً من المسؤولية، وذلك رغم أن الثّورة حصلت بطريقة شعبيّة عفويّة، ونحن مشينا خلف الشعب، ولسنا نحن من قُمنا بها".

ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى "أننا لم نقدّم مشروعاً بديلاً للناس، ونحن نعترف بذلك، بكلّ شفافية. ولكن جزءاً أساسياً من المشكلة، يعود أيضاً الى أنه لا يُمكن إحداث تغيير شعبي كامل في الشارع. فأقصى ما نستطيع القيام به، هو إسقاط حكومة ربما. أما فرض الحكومة التي يجب أن تُشكَّل لتحقيق مصالح الناس، فلا يُمكنه أن يحصل في الشارع، بشكل كامل". 

آتية

وعبّر نادر عن أمله بأن "الانتفاضة الثانية آتية لا محالة، وفي وقت لا يتوقّعه أحد. ولا بدّ من توجيه الرأي العام الى المكان الصحيح في تلك الحالة، بما يُبعِدها (الإنتفاضة) عن العنف والتكسير وأعمال الشّغَب".

وأضاف:"نلاحظ أن بعض الناس فقدوا الأمل، على طريقة أن ما عاد بالإمكان فعل شيء. ولكن يُعوَّل عليهم في أن يقترعوا في الانتخابات النيابية، بطريقة صحيحة".

وأوضح:"نذكّر بأن نسبة مهمّة جدّاً من الشعب اللبناني، لم تقترع  في انتخابات عام 2018 النيابيّة أبداً، أي انهم لم يمنحوا أصواتهم لا للّوائح الحزبيّة، ولا حتى للوائح المجتمع المدني. فيما اقترع البعض الآخر لصالح لوائح المجتمع المدني. وهذا يؤكّد في كلّ الأحوال، أن تغييراً مهمّاً ظهر على مستوى الرأي العام، زادته انتفاضة 17 تشرين الأول حتماً. وبالتالي، لن تتمكّن الكتل النيابية، وأحزاب السلطة، من أن تعوّض في المستقبل، ما فقدته في عام 2018". 

نَفَس طويل

وعن أهميّة أن تنزل النُّخَب الفكرية والإجتماعيّة الى الشارع، لتشكّل الرّافعة الأساسيّة له مستقبلاً، أجاب نادر:"شهدت انتفاضة 17 تشرين الأول مشاركة من كل المستويات والفئات، والشعب اللبناني يبقى هو الرافعة الأساسية الوحيدة".

وتابع في حديثه لوكالة "أخبار اليوم":"لا نُنكر أن أصوات الأطباء والصيادلة والمهندسين والقضاة، وغيرهم، ستكون مسموعة جدّاً، وأن تحرّكهم سيؤثّر على حركة الشارع طبعاً. ولكن الثورة لا تحتاج الى قادة رأي، بل الى قوّة دفع جديدة، والى زخم جديد، توقيتها قد يحدّده غباء ممارسات السلطة الحاكمة، في أي وقت".

وختم:"التغيير لن يحصل بسرعة. فقد تخسر الأحزاب والسلطة الفاسدة الكثير من مقاعدها في الإنتخابات النيابيّة القادمة، ولكنّها لن تزول، انطلاقاً من أنها تمتلك القوّة، والمال، والقضاء، والقدرة على التزوير، في يدها. وبالتالي، ستؤسّس الإنتخابات القادمة لمنصّة تغيير، ولكنّها لن تحمل التغيير الكامل، الذي يحتاج الى وقت، والى نَفَس طويل".