حادثة مقرفة مفعلوها أكثر من مفعول انفجارات... وأردوغان الذي حوّل كاتدرائية الى مسجد يعظ بالاعتدال!

على هامش حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية في عدد من الدول العربية والإسلامية، لضرب الإقتصاد الفرنسي، على خلفية الصّراع القديم المتجدّد حول العلمَنَة وحرية التعبير، فإنه لا بدّ من التشديد على أن الحماسة الزائدة غير نافعة، إذ إن العالم الإسلامي يحتاج في النهاية الى باريس كعنصر أساسي من عناصر تحقيق التوازُن مع العالم الأنغلوساكسوني، سواء في الصّراع مع إسرائيل، أو حتى في ما يتعلّق بمستقبل منطقة الشرق الأوسط عموماً. 

لا يحقّ

فمع احترامنا لكلّ ما صدر عن مفكّري العالم العربي والإسلامي، دفاعاً عن دينهم، إلا أنه لا يحقّ لأحد أن يطالب فرنسا، أو حتى دول أوروبا عموماً، بأن تُعامل المسلمين بخلاف سلوكياتها تجاه المسيحيّين من شعوبها، "أبّاً عن جدّ". كما لا يحقّ للمسلمين أن يُطالبوا فرنسا ودول أوروبا باعتماد علمَنَة خاصّة تجاههم، لم تعتمدها يوماً، حتى إنها ترفض اعتمادها تجاه المسيحيين أو أتباع باقي الديانات فيها.

لا مجال للتوسّع في ذكر أمثلة عن كلفة التعبير عن الإيمان المسيحي في أعرق الصّروح الأوروبية اليوم، ولا عن كمية النّقاشات التي يُمكنها أن ترافق مسألة وضع مغارة ميلادية في أماكن عامة، في بعض مدن ومناطق فرنسية. كما أنه لا مجال للإستفاضة في الخلفيات التي رافقت العمل على تحجيم وتقليص الحضور والدّور البابوي في أوروبا، منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية. ونكتفي بالقول إن الأوروبيّين يرفضون الإعتراف بالجذور المسيحية لأوروبا، وهو ما يعني، واسمحوا لنا، أن أي سلوكيات أوروبية أو فرنسية مختلفة، تجاه أتباع ديانات أخرى، لن تكون عادلة. 

ليس عدلاً

وبالتالي، ليس عدلاً فرض المعادلات بالتخويف أو بالعنف، ولا بالتفاوُض تحت ضغط الإرهاب، على طريقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اعتبر أن أوروبا "تحضّر لنهايتها"، من خلال "فتح جبهة ضد المسلمين". فهذه طريقة من يحاول انتزاع اعتراف من ولد، بزوج أمّه، ومَنح الأخير صلاحيات واسعة في المنزل، يرفض الولد نفسه منحها لوالده البيولوجي. 

صدمة

أشار مصدر مُطَّلِع الى أن "المشلكة في فرنسا موجودة منذ ما قبل أزمة الكاريكاتور، وقطع رأس المدرّس، والتدابير الإستثنائية التي تطال جمعيات إسلامية يُشتبَه بارتباطها بالإرهاب والتطرّف، إذ إن مجتمعَيْن فرنسيَّيْن يُمكن ملاحظتهما بسهولة، الأول مسيحي علماني وأحياناً مُلحِد، والثاني مُسلِم ليس قابلاً للتكيُّف مع نمط حياة المجتمع الفرنسي، ومع العلمانية الفرنسية".

ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "الخلافات الفرنسية الداخلية جعلت هذه المشكلة تتمدّد، لأسباب تتعلّق بالديموقراطية والإنتخابات البلدية والنيابية والرئاسية".

ورأى أن "صحيفة "شارلي إيبدو" تجاوزت كلّ الحدود منذ سنوات، وهذا أكيد. ولكن لا يُرَدّ على عمل صحافي مبتذل بعملية إرهابية، هي قطع رأس، خصوصاً في دولة هي فرنسا، حيث توجد مرجعية قضائية وأمنية. فقطع الرأس تسبّب بصدمة هزّت المجتمع الفرنسي بعُمقه، أكثر من مفعول الإنفجارات المتتالية التي هزّت باريس قبل سنوات، وأسفرت عن مقتل العشرات". 

رئيس قوي

واعتبر المصدر أن "حادثة قطع الرأس حصلت خلال ولاية رئيس قوي، هو إيمانويل ماكرون، يحاول تخطي الضعف الموجود في النظام الديموقراطي، بعيداً من حاجته الى الأصوات في الإنتخابات. وهذا ما دفعه الى اتّخاذ تدابير ضدّ جمعيات إسلامية متطرفة، تهدّد نمط حياة المجتمع الفرنسي".

ودعا "الإعلام الفرنسي الى احترام حساسيات المؤمنين. فكما يُطلَب منهم أن يحترموا العلمانيين، فإن المطلوب من هؤلاء أيضاً أن يحترموا الأديان. ولكن أن يتحول هذا الأمر الى حرب إسلامية على فرنسا، فهذا أمر مرفوض لأن لا دولة أوروبية أو غربية قريبة من المسلمين والعرب بقدر فرنسا، التي واجهات مشاكل مع دول أوروبية ومع الولايات المتحدة الأميركية بسبب علاقاتها وقُربها من الدول العربية والإسلامية، إذ لا دولة فتحت أبوابها لاستقبال المسلمين مثلها (فرنسا). فضلاً عن أنها تعجّ بالمسلمين، سواء في المجالات الأمنية والعسكرية والإدارية والديبلوماسية والسياسية، وذلك دون تمييز بين فرنسي من أصل مسيحي وآخر من أصل مُسلِم". 

أردوغان

وقال المصدر:"أن تأتي اليوم بعض الأطراف، وعلى رأسها تركيا، لتهاجم فرنسا، فهذا غير مقبول. والهدف من كل ذلك هو تعطيل دور فرنسا في العالم العربي ولبنان، كما في عملية السلام وحفظ حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة "صفقة القرن". ومن هنا، يتوجّب على العرب أن يحفظوا أن فرنسا تبقى دولة صديقة لهم، خصوصاً أننا لم نسمع ردّات فعل إسلامية مُستنكِرَة لقطع رأس المدرّس الفرنسي".

وختم:"لا يحق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يعطي أمثولات بالإعتدال والانفتاح، لماكرون، بعدما أعاد تحويل كاتدرائية آجيا صوفيا من متحف الى مسجد. فمواقف الرئيس التركي شعبوية".