حديث الانسحاب الأميركيّ مؤشّر لاقتراب الحرب على لبنان؟

الحرص على إبقاء الأمور مضبوطة ما زال ساري المفعول، "حتى اللحظة"، في ما يخصّ الحرب الإسرائيلية التي تُقرَع طبولها، ضدّ لبنان والحزب، على الرغم من أنّ كلّ يوم، بل كلّ ساعة، تحمل نقلة جديدة في تصعيد المواجهات في الإقليم ليس في جنوب لبنان فقط. ولا بدّ من أن تؤثّر هذه النقلات على الجبهة المفتوحة هناك، نظراً إلى "وحدة الساحات" التي تديرها إيران وحلفاؤها في محور الممانعة. آخرها أول من أمس مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة وجرح أكثر من 20 على مثلّث الحدود العراقية السورية الأردنية، بمسيّرات "المقاومة الإسلامية"، في وقت بدأ نقاش في الدوائر الأميركية العسكرية والاستخبارية في خيار الانسحاب من العراق وسوريا.

الرّدّ على إيران في الميزان الانتخابيّ

رفعت الضربة الصوت داخل الكونغرس الأميركي والإدارة، بما فيها الرئيس جو بايدن، حول ضرورة الردّ بقسوة. فما حصل خرق القاعدة التي كان الجيش الأميركي يتصرّف على أساسها: ما دامت ضربات حلفاء إيران لا تؤدّي إلى وفاة جنود أميركيين فإنّ الردود عليها تبقى مضبوطة.

مقتضيات الحملات الانتخابية التي تنطلق بعد أيام في السباق نحو البيت الأبيض شرّعت لخصوم بايدن اتّهامه بالجبن والفشل في مواجهة طهران، فيما طالبه أعضاء في مجلس الشيوخ بالردّ الانتقامي ضدّ إيران وعلى أراضيها. لكنّ هذا الخيار يطرح سؤالاً عمّا إذا كانت الإدارة الحالية ستتخلّى عن خيار تجنّب حرب مع إيران، وعمّا إذا كانت قنوات التواصل الخلفيّة المفتوحة بين واشنطن وطهران، تارة عبر سلطنة عُمان وأخرى عبر دولة قطر، ستأخذ إجازة، أم ستنزع فتيل المواجهة.


تسريبات إسرائيليّة وأسلحة أميركيّة

في هذه الأثناء هناك جملة وقائع وتسريبات خرجت إلى المشهد لا تقتصر على التحذيرات التي تلقّاها لبنان والحزب من أميركا وفرنسا وجهات أوروبية ودولية سياسية واستخبارية، اعتبرها بعض قادة المقاومة للترهيب والتخويف. وقد ربط خبراء بين حديث الانسحاب الأميركي وبين إمكان فلتان المواجهة من الجنوب الذي يُنظر إليه على أنّه الميدان الأرجح لتوسّع الحرب كالآتي:

- إعلان القناة 12 الإسرائيلية في 26 كانون الثاني عن الموافقة الأميركية على صفقة أسلحة لإسرائيل تشمل 25 مقاتلة إف - 35، 25 مقاتلة إف - 15، 12 مروحية أباتشي، وعدّة آلاف من الذخائر، مع ترجيح إعطاء الأولوية لإسرائيل في تسليم إنتاج المصانع الأميركية. ومع أنّ المقاتلات سيتأخّر تسليمها، وعلى الرغم من أنّ البنتاغون اكتفى بالتعليق على الخبر بالقول إنّه لم يطّلع على ما بثّته القناة، ومع تسريبات أميركية بأنّ واشنطن قد تؤخّر تسليم الذخائر من باب الضغط على تل أبيب كي تتجاوب مع خفض التعرّض للمدنيين في غزة، فإنّ ما صدر ترافق مع مناورات أجراها الجيش شمال إسرائيل.

  • نشرت "فايننشيل تايمز" الخميس الماضي أنّ الخارجية الإسرائيلية استفسرت من بعثات دبلوماسية عن جاهزيّتها لتصعيد محتمل على الجبهة الشمالية، بالتناغم مع تسريبات إسرائيلية عن الطلب من القاطنين في الشمال، ولو كانوا بعيدين عن الحدود، أن يخزّنوا ما يحتاجون إليه لمدّة أسبوع على الأقلّ. وترافق ذلك مع إشاعة أنباء في واشنطن عن نصائح للبعثات بأن تحتاط لتأمين التيار الكهربائي.

مؤشّرات الانسحاب من العراق وسوريا؟

لكنّ خبراء في السياسة الأميركية يرون أنّه كان يمكن اعتبار التسريبات الإسرائيلية من نوع "الحرب النفسية" لو لم تكن الوساطات الدبلوماسية بين بيروت وتل أبيب، لا سيما من فرنسا وأميركا، جارية على قدم وساق لتفادي الحرب بإقناع الحزب بأن تتراجع قوّاته والأسلحة الثقيلة التي نصبها بعمق 7 إلى 10 كيلومترات عن الحدود. وفي كلّ الأحوال هناك شيء ما يجري تحضيره في ضوء حرب غزة، يتجاوز ما آلت إليه، قد يتيح لإسرائيل بأن تخوض غمار المواجهة مع إيران في لبنان.

يعدّد هؤلاء الخبراء جملة مؤشّرات:

1- أنّ واشنطن ردّت على مطالبة الحكومة العراقية بالتفاوض على الانسحاب برسالة تبدي الاستعداد للبحث في الأمر. وفعلاً عُقد اجتماع ثنائي لهذا الغرض في بغداد أول من أمس. جاء ذلك بعد اجتماعات في واشنطن لبحث خيار الانسحاب من العراق وسوريا، نشرت عنها معطيات صحيفة "وول ستريت جورنال". كما أنّ موقع "فورين بوليسي" نشر أيضاً معطيات عن مناقشات الانسحاب الأميركي.

2- ما نشرته "المونيتور" عن أنّ واشنطن نصحت "قوات سوريا الديمقراطية" والقيادة الكردية في شمال شرق سوريا بالتنسيق مع النظام السوري لمواجهة "داعش" في حال الانسحاب الأميركي.

ربط الانسحاب بأوكرانيا؟

3- نشر موقع "الدفاع" أنّ المناقشات التفصيلية للانسحاب تتناول التوقيت والكيفية، وأنّ البيت الأبيض لا يرى فائدة من الاستثمار في دعم مهمّة يعتبرها غير ضرورية. وذهب الموقع إلى حدّ القول إنّ واشنطن تتحرّك نحو الحدّ من المواجهة مع إيران، وإبلاغ الكرملين باستعدادها للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا. كما أشار إلى أنّه يمكن النظر في الانسحاب المحتمل للقوات الأميركية من سوريا، في إطار المفاوضات المحتملة مع موسكو، وأنّ انسحاب القوات من سوريا قد يشجّع روسيا على اتّخاذ إجراءات مماثلة، مثل مغادرة الأراضي الجنوبية من أوكرانيا التي احتلّتها عام 2022، وأنّ جيك سوليفان، مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، يعتقد أنّ واشنطن تهدف إلى تعزيز موقف كييف التفاوضي ووقف الحرب من خلال الوسائل الدبلوماسية.

تفادي سيناريو أفغانستان

يشير مراقبون في واشنطن إلى أنّ إدارة بايدن ستتجنّب سيناريو الانسحاب الكارثي الذي حصل في أفغانستان وتأثيراته السلبية على الصعيد الانتخابي. ويخشى الخبراء المتابعون لتحرّكات الإدارة، الذين يعدّدون هذه المعطيات، من أن يكون حديث الانسحاب الأميركي من العراق وسوريا توطئة للحرب الإسرائيلية ضدّ لبنان، لأنّ اندلاعها سيتدحرج في شكل تتصاعد فيه ضربات إيران عبر أذرعها ضدّ الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق (إضافة إلى ضربات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن). تستبق واشنطن بإعلانها الاستعداد للانسحاب تحويل الـ2500 جندي في العراق، والـ900 في سوريا، إلى رهائن، في وقت يقول السفير الأميركي السابق في بلاد الشام روبرت فورد إنّه "لا مصالح" لبلاده هناك.

ينتهي هؤلاء إلى القول إنّه حتّى إذا لم تنسحب القوات الأميركية سريعاً، تطبيقاً لمقولة عدم الرضوخ للضغط الإيراني، فإنّ إعلان نيّتها الانسحاب كفيل بالحؤول دون تصاعد ضربات طهران ضدّها، إذا اندلعت الحرب الإسرائيلية ضدّ لبنان، لأنّ الجانب الإيراني يكون قد حقّق مكسباً بانكفاء واشنطن.