حركة الاستيراد: شراء بدائل للطاقة والدراجات النارية والألبسة المستعملة

أطاحت الازمة المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان أدنى مقومات العيش الكريم لأبنائه فالتهم التضخم مدخراتهم، فيما يهدد الارتفاع المتسارع للدولار بتدهور اضافي لكل مفاصل حياتهم المعيشية والصحية، قاضماً ما بقي من قدرتهم الشرائية لتتفاقم معها نِسب الفقر.

وأمام مشهد الانحدار اللامتناهي الذي ينعكس على معظم المؤشرات الاقتصادية التي تنزلق بدورها باتجاه القعر بسرعة فائقة، ومع غياب الرقابة الجدية للحد من استغلال الناس، ليس مستغربا أن تبرز بيروت كأغلى مدينة عربية وفقا لمؤشر كلفة المعيشة العالمي الذي يصدره موقع "نامبيو" للإحصاءات، فيما حلّ مؤشر نوعية الحياة للبنانيين في المرتبة الأخيرة ضمن المدن العربية المشمولة بالمؤشر. ولعل البيانات التي تصدرها ادارة الجمارك اللبنانية تترجم بشكل غير مباشر واقع حال اللبنانيين من خلال تراجع نسبة الاستيراد ونوعية المستوردات التي بدأت تطغى على غيرها من تلك التي اعتاد لبنان استيرادها.

وفي سياق آخر، بينت دراسة إقتصادية أعدتها منظمة "الإسكوا" التابعة للأمم المتحدة تحت عنوان "#سياسة لبنان التجارية في حقبة إنمائية جديدة" أن العجز التراكمي في الميزان التجاري اللبناني خلال العقدين الماضيين (2000 - 2020) بلغ أكثر من 250 مليار دولار، أي أن المعدل الشهري الوسطي للعجز في الميزان التجاري اللبناني تخطى المليار دولار شهريا طوال هذه الفترة الزمنية، فيما أظهرت احصاءات ادارة الجمارك ان العجز التجاري بلغ 15.56 مليار دولار في العام 2022، على خلفية ارتفاع مقداره 5.4 مليارات دولار في الواردات مقارنة بتراجع الصادرات بمقدار 394.8 مليون دولار. فماذا في تفاصيل ارقام الاستيراد والتصدير وكيف أثرت الازمة على حركتهما، وتاليا على طبيعة استهلاك اللبنانيين؟

تبين إحصاءات إدارة الجمارك أن التصدير حافظ في العام 2022 على المستويات السابقة نفسها بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار، في حين ارتفعت قيمة الاستيراد من 13.641 مليار دولار في العام 2021 إلى 19.053 مليار دولار في العام 2022 لتتساوى تقريبا مع قيمة الاستيراد كما قبل الأزمة في عامي 2018 و2019. فهل يعني ذلك أن استهلاك اللبنانيين عاد إلى نفس مستويات ما قبل الازمة واستطاع تجاوزها؟

تبلغ قيمة مستوردات المنتجات المعدنية التي تضم النفط والغاز 5.581 مليارات دولار بحيث تشكل 29.3% وهي النسبة الأكبر من الاستيراد الإجمالي، تليها الآلات والأجهزة الكهربائية 2.456 مليار دولار بنسبة 13%، ثم معدات النقل 1.999 مليار دولار بنسبة 10.5%، يليها اللؤلؤ والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة والمصوغات 1.682 مليار دولار بنسبة 9% من الاستيراد الإجمالي.

وإذا كانت قيمة الاستيراد وهي بالدولار قد ارتفعت إلى حدود ما قبل الأزمة، بيد أن حجم الاستيراد في العام 2022 أقل من كل السنوات السابقة، إذ انخفض حجم الاستيراد بنسبة 4.8% عن العام 2021، وبنسبة 40% عن العام 2019. وهذا يعني أن كمية السلع المستوردة قد انخفضت عن سابقاتها، وتاليا فإن الكثير من السلع لم تعد متوافرة بالكميات نفسها كما في السابق، وفي مقدمها الأدوية التي انخفض حجم الاستيراد منها من 10,219 طنا بقيمة 965 مليون دولار في العام 2018 إلى 6,170 طنا بقيمة 343 مليون دولار قي 2022 بنسبة 39.6%، وهذا مؤشر خطير الى الأمن الصحي. ومن السلع الأساسية التي انخفض استيرادها منتجات صناعة الأغذية والمشروبات التي انخفض حجم الاستيراد منها من 884.185 طنا بقيمة 1.335 مليار دولار في العام 2018 إلى 616.751 طنا بقيمة 1.018 مليار دولار قي 2022 بنسبة 30%، وانخفض أيضا حجم استيراد الحيوانات والمنتجات الحيوانية من 299.808 أطنان بقيمة 1.039 مليار دولار في العام 2018 إلى 139,298 طنا بقيمة 550 مليون دولار في 2022 بنسبة 53%، وهذا مؤشر الى الخلل في الأمن الغذائي، برأي مدير مركز اشراق للدراسات، الباحث الاقتصادي أيمن عمر لـ "النهار".

ومن المؤشرات التي أوردها مركز اشراق للدراسات والتي تدل على تراجع مستوى الرفاهية لدى اللبنانيين التراجع في استيراد العديد من السلع الكمالية، منها على سبيل المثال مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة التي انخفض حجم استيرادها من 18 الف طن بقيمة 137 مليون دولار إلى 1,395 طنا بقيمة 32 مليون دولار بنسبة 92%، و"السيغار" من 2.938 طنا بقيمة 73 مليون دولار إلى 697 طنا بقيمة 23 مليون دولار بنسبة 76%.

ووفق ما يقول عمر لـ "النهار" فإن ارتفاع فاتورة الاستيراد مردّه إلى 4 أسباب رئيسية، أولها #الأزمة الاقتصادية، حيث دفع انقطاع التيار الكهربائي إلى البحث عن بدائل لتوليد الطاقة الكهربائية، بما أدى إلى ارتفاع استيراد المحركات والمولدات الكهربائية، والمحولات ومجموعات توليد الكهرباء، وبطاريات مولدة للكهرباء من 33,210 أطنان بقيمة 385 مليون دولار في 2018 إلى 142.924 طنا بقيمة 907 ملايين دولار بنسبة 330%. وارتفع استيراد الدراجات النارية من 7.295 طنا بقيمة 34 مليون دولار إلى 12,250 طنا بقيمة 84 مليون دولار بنسبة 70%، والألبسة المستعملة من 19.590 طنا بقيمة 20 مليون دولار إلى 22.280 طنا بقيمة 26 مليون دولار.

كما أدت الحرب الأوكرانية وارتفاع الأسعار عالميا إلى ارتفاع في فاتورة استيراد سلعتين أساسيتين هما النفط وزيت دوار الشمس. فقد ازدادت فاتورة استيراد زيوت النفط بكل أنواعه من 3.570 مليار دولار في 2021 إلى 5.174 مليارات في 2022 بنسبة 45% على رغم انخفاض حجم الاستيراد من 5.690 مليون طن إلى 4.675 مليون طن، وهي تشكل 27% من قيمة الاستيراد ككل. وازدادت فاتورة استيراد الغاز من 172 مليون دولار في 2021 إلى 216 مليون دولار في 2022 بنسبة 43% وازدياد في حجم الاستيراد أيضا بلغ نحو 5.700 طن. وارتفعت قيمة استيراد زيت دوار الشمس من 108 ملايين دولار في 2021 إلى 160 مليون دولار في 2022 بنسبة 48%، وارتفاع حجم الاستيراد من 75.176 طن إلى 88.710 أطنان.

الى ذلك، عمد الكثير من المستوردين قبل إقرار الدولار الجمركي إلى زيادة استيراد بعض السلع بغية تحقيق المزيد من الأرباح، منها على سبيل المثال السيارات السياحية وأجهزة الهاتف. فقد ازداد استيراد السيارات من 82,344 طنا بقيمة 812 مليون دولار إلى 126,758 طنا بقيمة 1.422 مليار دولار بنسبة 54%، فيما ارتفع استيراد أجهزة الهاتف من 992 طنا بقيمة 218 مليون دولار إلى 1,360 طنا بقيمة 354 مليون دولار بنسبة 37%.

ومن العوامل التي أدت الى ارتفاع فاتورة الاستيراد وفق عمر عامل "الادخار في المعادن النفيسة"، إذ لجأ بعض اللبنانيين إلى شراء المعادن النفيسة للحفاظ على قيمة أموالهم، وقد ظهر ذلك من خلال ازدياد حجم استيرادها خلال فترة الأزمة. فقد ازداد استيراد الذهب من 18.74 طنا بقيمة 687 مليون دولار في 2018 إلى 25 طنا بقيمة 1.035 مليار دولار بنسبة 31.5%، الألماس من 427 كلغ بقيمة 402 مليون دولار إلى 956 كلغ بقيمة 506 ملايين دولار بنسبة 124%، الفضة من 4.5 أطنان بقيمة مليون دولار إلى 6.2 أطنان بقيمة 5 ملايين دولار بنسبة 38%. علما أن الجزء الأكبر منها يعاد تصديره إلى الخارج، فقد تم تصدير 16.169 طنا من الذهب، 885 كلغ من الألماس و0.837 طن من الفضة.