المصدر: النهار
الكاتب: ابراهيم بيرم
الخميس 13 آذار 2025 14:07:42
منذ أن بدأ سريان اتفاق وقف النار في الجنوب، كان السؤال المحوري عن الخيارات التي بقيت في حوزة "حزب الله" لمواجهة تداعيات المرحلة التي ستلي واقع الحال المستجد والبالغ الصعوبة بالنسبة إليه، خصوصا أنه لم يخرج من معارك الـ 16 شهرا سليماً معافى، بل خرج مثخنا بالجراح التي أفقدته قوة الردع وكسرت هيبته.
لا ريب في أن هذا السؤال أخذ يكبر ويتعمق، وخصوصا أن الإسرائيلي قد استكمل حربه المفتوحة والضارية على الحزب، قيادات وكوادر وبنية تحتية وبيئة حاضنة، فيما يبدو الحزب عاجزا عن الرد لدواع وأسباب متعددة، أهمها أنه كان خسر قوة الردع.
كان في إمكان الحزب خلال الأشهر الثلاثة الماضية أن يقنع قاعدته العريضة بالحجج والذرائع التي يبرر فيها تقاعسه عن الرد على الهجمات الإسرائيلية، لكن الواقع اختلف وتبدل. فالحزب ودّع أمينيه العامين السابقين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في تشييع حاشد أراده مقياسا لحضوره وحاضنته الشعبية التي ما زالت تحتضنه رغم ما لحق به وبها من أضرار وخسائر. كما أن الإسرائيلي أنجز، ولو بعد طول مماطلة، انسحابا من كل جنوب الحافة الأمامية، ما عدا النقاط الخمس.
وحيال ذلك لم يعد كافيا بالنسبة إلى الحزب وجمهوره ردوده المعهودة الأولية على موجة التساؤلات المثارة في وجهه، والقائمة على معادلة أن الدولة هي التي عليها أن تتصدى من الآن فصاعداً وتمارس ضغوطها الديبلوماسية لإجبار الإسرائيلي على الارتداع عن هجماته العدوانية والانسحاب.
وليس خافيا أن تلك الذرائع بدأت تفقد تدريجاً وجاهتها عند قاعدة الحزب، وخصوصا أن الإسرائيلي لم يلتزم ساعة واحدة مندرجات اتفاق وقف النار، بل استكمل مهمة ضرب البنية العسكرية للحزب.
وبحسب معلومات استقتها "النهار" من أكثر من مصدر على صلة بالوضع الميداني، فإن الإسرائيلي تمكن منذ وقف النار من تصفية أكثر من 115 قياديا عسكريا للحزب آخرهم خمسة، اثنان من الهرمل (شاهين وناصرالدين) وثلاثة من الجنوب أبرزهم حسن عزالدين.
ووفق المصادر عينها، فإن الحزب بهذه الخسائر المتتالية يكون قد فقد تقريباً في الأشهر الثلاثة التي تلت وقف النار، غالبية الصف القيادي العسكري الثالث عنده، بعدما فقد في حرب الأشهر الخمسة عشر غالبية الصفين الأول والثاني من رأس الهرم القيادي.
ولدى المعنيين خشية حقيقة أن الإسرائيلي لن يوقف عمليات التصفية والاغتيال اليومية لهذه القيادة ما لم يتأكد من أنه أنجز هدفه المعلن منذ زمن، وهو تصفيته الكلية لهذه القيادة المخضرمة والمجربة والتي احتاجت إلى أوقات طويلة وجهود لتأهيلها لهذه الأدوار والمهمات، وما لم يتأكد من أن الحزب قد أوقف كل نشاطاته العسكرية أو تلك الصلة بها، سواء في جنوب الليطاني أو في شماله، امتدادا إلى المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا.
ولم يعد خافياً أن الحزب يتبع إزاء تلك الضربات اليومية التي توجه اليه، نهجا يقوم على ركيزتين: الأولى عبارة عن رسالة يوجهها إلى قواعده فحواها أن عليها العض على الجراح، والصبر حتى يستعيد الحزب ما فقده من قوة ردع، وفي الانتظار يعلي الحزب خطابه المركز على دعوة الدولة إلى تحمل مسؤولياتها.
الثانية أن الحزب انطلق أخيرا إلى التحذير من أنه بات في وارد التحلل من موجبات اتفاق وقف النار إذا ما تمادى الإسرائيلي في خرقه لهذا الاتفاق.
ولقد عبّر الوزير السابق محمود قماطي عن توجه الحزب هذا في موقف جديد أطلقه أخيرا، وورد فيه: "إن المقاومة لن ترضى باستمرار الانتهاكات"، لافتا إلى أنها لم تعد خروقا بقدر ما باتت استباحة كاملة للسيادة اللبنانية. وأضاف: "نحن نلتزم ما تعهدنا به حيال الاتفاق، ولكن إذا ما بقي العدو ماضيا في انتهاكه فسيأتي يوم ونصير في حل من هذا الاتفاق، لأنه عندها يكون قد سقط".
وإذ رفض قماطي تحديد سقف زمني لهذا الصبر، قال: "المؤكد أننا لن ننتظر إلى مدى بعيد، وخصوصا أن المقاومة موجودة وقادرة على القيام بدورها".