المصدر: الحرة
الكاتب: أسرار شبارو
الثلاثاء 4 شباط 2025 16:38:43
عوضا عن إدانة اعتداءات أنصار حزبه على إعلاميين في جنوب لبنان خلال تغطية عودة الأهالي إلى قراهم في 26 كانون الثاني الماضي، اختار النائب عن حزب الله، إبراهيم الموسوي، توجيه الانتقادات نحو المؤسسات الإعلامية اللبنانية وتصنيف تغطياتها إلى ثلاثة مستويات.
وفي حديثه لموقع "المنار" التابع للحزب في الأول من شباط، اعتبر الموسوي أن بعض وسائل الإعلام كانت "مقصّرة" في تغطية الأحداث.
وانتقد " تلفزيون لبنان" الرسمي لاختياره بث الرسوم المتحركة بدلاً من مواكبة التطورات الميدانية.
كما وجّه اتهامات لوسائل إعلام أخرى باتباع أجندات تخدم "العدو"، من خلال تسليطها الضوء على حجم الدمار في القرى الجنوبية، وهو ما وصفه بمحاولة لتشويه صورة "المقاومة" وتحميلها مسؤولية الأضرار.
في المقابل، أثنى الموسوي على ما أسماه "الإعلام الملتزم بالهوية الوطنية"، الذي تبنى رواية حزب الله وعكس ما وصفه "بالصورة الحقيقية لصمود الأهالي وثباتهم والتفافهم حول خيار المقاومة".
تصنيف الإعلام من قبل نائب حزب الله المصنف جماعة إرهابية، إلى جانب القيود المفروضة على وسائل الإعلام التي لا تتماشى مع توجهات الحزب، يثير تساؤلات متجددة حول واقع حرية الإعلام في لبنان.
كما يسلط هذا التصنيف الضوء على الضغوط التي تواجه الإعلاميين في نقل معاناة الناس في المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب، بعيداً عن السرديات المفروضة التي تخدم أجنداته السياسية.
انتقد عضو جمعية "اعلاميون من أجل الحرية"، الصحفي يوسف دياب، سيطرة حزب الله على السردية الإعلامية في جنوب لبنان.
وأشار إلى أن الحزب يمنع وسائل الإعلام التي لا تتماشى مع توجهاته، معتبراً أن ما يحدث في الجنوب يعكس "ثقافة الحزب وجمهوره"، حيث يفرض رأياً واحداً ويمنع أي تغطية إعلامية لا تتماشى مع روايته.
وقال دياب، لموقع الحرة، إن "الحزب يصعد اليوم على أنقاض المنازل ويرفع علمه ويعلن انتصاره رغم الدمار والفواجع، بينما أوجاع الناس موجودة في كل إنسان جنوبي. عندما ينقل الإعلام الذي يمثل رأياً آخر هذه الصورة، يزعج ذلك الحزب لأنه يعتبر أن هذه المناطق حكر على إعلامه والإعلام الإيراني الموجه".
ولفت إلى أن تاريخ حزب الله مع الإعلام مليء بالتعديات، مستشهداً بحادثة إحراق تلفزيون وصحيفة "المستقبل" في 7 أيار 2008، بالإضافة إلى اغتيال الصحفيين جبران تويني وسمير قصير، ومحاولة اغتيال الإعلامية مي شدياق. (لم يوجه القضاء أي اتهام لحزب بهذه الاغتيالات).
وتعليقاً على تصريحات النائب عن حزب الله إبراهيم الموسوي، الذي اتهم بعض وسائل الإعلام بخدمة "أجندة العدو" من خلال التركيز على حجم الدمار، قال عضو جمعية "اعلاميون من أجل الحرية": "يحيرنا الموسوي، فتارة يتهم إسرائيل بأنها دمرت الجنوب، وتارة يعتبر تصوير الدمار خدمة للعدو. هل يريد أن يرى الناس ترقص على أشلاء ضحاياها لتبدو وكأنها انتصرت؟".
وأكد أن الإعلام الذي يمثل رأياً آخر عن حزب الله ينقل الواقع الحقيقي، بينما يروج الإعلام التابع للحزب دائماً لفكرة "النصر"، ويضيف "إذا كان حزب الله يرى أن هذه الصورة تخدم العدو، كان الأولى به أن يتجنب جر لبنان إلى الحرب".
وفيما يتعلق بانتقاد الموسوي لتلفزيون لبنان بسبب بثه رسوماً متحركة خلال الحرب، قال دياب: "يريد الموسوي أن يشرف على جميع التلفزيونات، بينما لديه تلفزيون المنار والإعلام الإيراني الذي يكفيه. يجب أن يقبل بوجود رأي آخر في البلد وقنوات لها رأيها المغاير وجمهورها".
وأكدت الباحثة الصحفية في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع، أن "علاقة حزب الله مع الإعلام المحلي تتسم بالتوتر وانعدام الثقة، خاصة مع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية التي تعارض سياساته وتنتقد توجهاته".
وأضافت، في حديث لموقع الحرة، "وقد تجلى هذا التوتر بوضوح خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً خلال الحرب، من خلال تصاعد الاعتداءات التي نفذها عناصر من حزب الله أو أنصاره بحق إعلاميين. ومن أبرز هذه الحالات، ما تعرض له مراسلو قناة mtv، مثل نوال بري وروي أبو زيد، بالإضافة إلى عدد من مراسلي قناة العربية، حيث طالتهم المضايقات والقيود في محاولة لفرض سردية إعلامية موحدة تتماشى مع رؤية الحزب".
وفي ردها على تصريحات النائب إبراهيم الموسوي، قالت جربوع: "يبدو أن نائب حزب الله لم يطّلع على حجم الاعتداءات والانتهاكات التي واجهتها الطواقم الإعلامية خلال تغطيتها للحرب الإسرائيلية على لبنان، ولا على التحديات الأمنية القاسية التي عانى منها الصحفيون في الميدان، إذ تعرض بعض المراسلين لاعتداءات مباشرة من عناصر الحزب أو أنصاره، شملت الاحتجاز والتحقيق والاعتداء الجسدي ومصادرة المعدات، فضلاً عن منعهم من التغطية في مناطق معينة".
الاعتداءات على الإعلاميين قوبلت بموجة من الاستنكار، فقد عبّر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد المكاري، عن استغرابه من "التعرض لمن خاطروا بحياتهم ولا يزالون، من أجل تغطية الحدث بأمانة ومهنية، وفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي". وذكّر بأن "الإعلاميين شركاء في كل معركة، ويجب حمايتهم لا التهجم عليهم".
من جهته، أصدر نادي الصحافة بياناً استنكر فيه "مقابلة اندفاع الإعلاميين ومواكبتهم المهنية والموضوعية في جنوب لبنان بممارسات عنيفة مرفوضة وترهيب غير مبرر".
ودعا السلطات المختصة إلى "التدخل وتوقيف المعتدين ليكونوا عبرة لسواهم"، مطالباً الأجهزة الأمنية بـ"كشف أسماء المعتدين وتقديمهم إلى القضاء، مع إعلان الجهة التي ينتمون إليها، لأن التستر عليهم يسمح لهم بمواصلة اعتداءاتهم"،
بدورها، استنكرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية هذه الاعتداءات بشدة، مؤكدة موقفها "الثابت والواضح برفض التعرض لأي صحافي أو إعلامي، بغض النظر عن الوسيلة التي ينتمي إليها"، وشددت على "رفض استخدام العنف أو أي شكل من أشكال الضغط تحت أي ذريعة".
وتترك الاعتداءات على الصحفيين والإعلاميين تأثيراً كبيراً على عدة مستويات، حيث توضح جربوع أن "هذه الاعتداءات تدفع الصحفيين إلى ممارسة الرقابة الذاتية، مما يجعلهم يتجنبون تغطية أو نشر معلومات تتعلق بقضايا وملفات حساسة، هذا يؤدي إلى تقليص نطاق التغطية الصحفية..".
وبالإضافة إلى ذلك، "تظهر تحديات أكبر في جمع المعلومات بشكل شامل ودقيق، وقد تمنعهم هذه الاعتداءات من التواجد في بعض المناطق لتجنب التعرض لمخاطر مشابهة. والأخطر من ذلك، هو امتناعهم عن نشر تفاصيل تتعلق بهذه الاعتداءات خوفاً من ردود فعل المعتدين، أو من تأثير ذلك على قدرتهم على العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة القوى الحزبية التي تقف وراء هذه الاعتداءات"، وفق جربوع.
عن إمكانية ملاحقة المعتدين على الإعلاميين أمام القضاء، قالت المحامية الناشطة الحقوقية، ديالا شحادة، أن "الدستور اللبناني يكرّس مبدأ المساواة أمام القانون، باستثناء أن هناك أصولاً خاصة لمحاكمة أصحاب المناصب العليا كرئيس الجمهورية والوزراء والنواب، إلا أن الجميع يخضعون، من حيث المبدأ، للمساءلة والمحاسبة أمام القانون".
وأكدت شحادة أن المشكلة تكمن في تطبيق القوانين بسبب غياب استقلالية القضاء.
وقالت: "حين تتمكن الجهات السياسية النافذة أو من تغطيهم من الإفلات من العقاب، فهذا يعكس غياب استقلالية القضاء وانتهاك الدستور الذي يضمن المساواة أمام القانون. فالقضاء اللبناني لم يستكمل سلطته الدستورية المستقلة، وما زال خاضعاً في جوانب كثيرة، خصوصاً عبر التشكيلات القضائية، للسلطة التنفيذية".
وفيما يتعلق بالتحديات القانونية التي تواجه الإعلاميين عند رفع دعاوى على المعتدين، أشارت شحادة إلى أن "النفوذ السياسي يمثل أبرز العقبات، أي عندما يكون المعتدون أشخاصاً نافذين أو محميين من جهات سياسية، والقضاء الناظر في هذه القضايا غير مستقل، يحابي أصحاب النفوذ أو يخضع لضغوطهم، سواء لأسباب سياسية أو لتحقيق منافع شخصية أو لأي اعتبارات أخرى".
من جانبها، رأت جربوع أن الخطوة الأساسية للحد من هذه الاعتداءات تكمن في "محاسبة المعتدين وتعزيز الشفافية والمساءلة، من خلال إجراء تحقيقات شفافة وشاملة في جميع حالات الاعتداء على الصحفيين، بغض النظر عن انتماء المعتدين، سواء كانوا حزبيين أو مناصري أحزاب أو غير ذلك، مع ضمان إطلاع الصحافة على نتائج هذه التحقيقات".
كما أكدت على أهمية "توفير تشريعات وقوانين حمائية تهدف إلى تعزيز وتفعيل القوانين التي تحمي الصحفيين من الاعتداءات والمضايقات، إضافة إلى إنشاء آليات قانونية تمكّنهم من تقديم شكاوى عند تعرضهم لأي نوع من الانتهاكات".
وأخيراً، شددت جربوع على ضرورة "مكافحة خطاب الكراهية، الذي يسهم بشكل كبير في تصاعد الاعتداءات على الصحفيين خلال تغطياتهم الميدانية".
أما دياب فأكد على ضرورة "تشكيل حكومة تضمن حماية الإعلاميين وحرية الرأي"، مضيفاً: "نحتاج إلى تشريعات تحمي حرية الإعلام والتنوع في لبنان. لا يمكن لحزب الله فرض رأيه على الجميع".
بعد انتهاء الحرب، يجب كما يقول دياب "تقييم المرحلة الماضية وكل من أساء أو أخفق في إدارة هذه المرحلة يجب أن يتحمل المسؤولية".