حزب الله لن يقبل بوجود مطارٍ آخر في لبنان في منطقة لا تخضع لسلطته

في 25 كانون الأول 1913، هبطت أول طائرة فرنسية يقودها جول فدرين في ساحة الكرنتينا في بيروت، وفي 29 كانون الأول سنة 1913 كان موعد هبوط الطيار الفرنسي الثاني المدعو بونيه، فتحت أعين اللبنانيين على عالم الطيران، وزاد اهتمامهم.

عام 1920 أنشأ الإنتداب الفرنسي مطاراً حربياً مع برج للمراقبة وآخر للإشارات البحرية على شاطئ عين المريسة في بيروت، ليباشر بعدها الى توسعة مرفأ بيروت مما استلزم إستعمال كميات كبيرة من الرمال التي نُقلت من التلال الرملية في جنوب المدينة، ما أدّى إلى تسطيح هذه المنطقة التي عُرفت ببئر حسن، فشكلت مكاناً مثالياً لإنشاء المطار، وهذا ما حصل.

عام 1933 أنشأ الفرنسيون مطارًا مدنيًا في بئر حسن أسموه "مطار بيروت الإقليمي" تم افتتاحه رسميًا عام 1938، بعد استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي ومع الازدهار والنمو الاقتصادي كان لا بد من توسعة المطار وتطويره، فاختيرت منطقة خلدة موقعاً جديداً لإنشاء مطار جديد، تم افتتاحه في 23 نيسان 1954.

في 28 كانون الأول 1968 مع انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني والذي أبى إلّا أن يحوّل بيروت الى مقر سياسي وإعلامي للمقاومة الفلسطينية، هاجمت قوة كوماندوس إسرائيلية مطار بيروت ودمرت 13 طائرة مدنية لبنانية كانت جاثمة فوق أرضه، في رد عنيف على عملية خطف طائرة إسرائيلية في مطار أثينا على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، استهدف المطار بقصف مركز أدى الى إقفاله لمدة 115 يوماً، مدمّرًا معه 6 طائرات تابعة لطيران الشرق الأوسط من نوع "بوينغ 727".

في 14 حزيران 1985 أقدم  حزب الله على خطف طائرة الـ TWA الأميركية في مطار أثينا وحوّل الرحلة من مطار روما إلى مطار بيروت، في عملية استمرت 16 يوماً، وانتهت  بفرض الحظر الأميركي على حركة الطيران إلى مطار بيروت.

عام 1986 انتزع الجيش السوري مطار بيروت من ميليشيات الحركة الوطنية ليرسي سيطرته المطلقة عليه. ومع انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990، كانت القفزة الأكبر، ليشهد المطار مرحلتي إعادة تأهيل، الأولى عام 1994 والثانية عام 2000، مع اعتماد خطة عشرية أسفرت عن إعادة بناء المطار بالكامل تقريباً، بمبنى رئيسي جديد حل محل المبنى القديم ومدرّجين جديدين إضافيين والعديد من الخدمات والمرافق المتطوّرة الحديثة، وأصبح المطار قادرًا على استقبال 6 ملايين مسافر سنوياً.

في حرب 13 تموز 2006 قصفت إسرائيل المطار ودمرت المدارج ومنعت الطيران في الأجواء اللبنانية.

في 5 أيار 2008 اتخذت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، قرارًا بتفكيك شبكة المراقبة الأرضية التابعة للحزب في المطار وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير المحسوب على حزب الله فإنتفض حزب الله عسكريا وهاجم العاصمة لاسقاط القرار فعرفت تلك الواقعة بـ 7 أيار 2008.

كل التقارير الدولية تضع مطار بيروت الدولي تحت سيطرة حزب الله، ومن المستحيل وقف سيطرة الحزب على المطار، إذ كُل ما في المطار يتبع له بما فيه موظفو الأجهزة الأمنية الرسمية، فهو نجح بإزاحة موظفين كانوا يعملون في مواقع حساسة، واستبدلهم بآخرين من مناصريه، بحيث بات كما مرفأ بيروت والمنافذ البرية، مستباحًا أمام عمليات تهريب البضائع والتي تتسبب بخسائر فادحة لخزينة الدولة اللبنانية.

مع كل خطر خارجي على لبنان تتعالى الاصوات الداخلية مطالبة بمطار ثان خوفا من الحصار اذا ما ضرب مطار بيروت، وسعيا للهروب من سيطرة حزب الله على المطار الحالي والمرور بمناطق نفوذه والتي قد يظن المرء انه يعبر في قندهار وليس في بيروت.

بعض الدول الغربية المانحة عمدت إلى التعبير عن رغبتها في تخصيص ما بين 75 و100 مليون دولار لإنشاء مطار بديل لمطار بيروت. ليسلّط الضوء مجددًا على مطارات قائمة في لبنان، منها ما هو في الخدمة الفعلية، ومنها ما أُحيل الى التقاعد وقد حُوِّلت إلى معالم سياحية، بدءًا من مطار رينيه معوّض، أو مطار القليعات، إلى مطاري رياق وحامات، وصولاً الى مطار بعدران.. والسؤال ماذا وراء تغييبها، خصوصًا أننا قد نكون البلد الوحيد الذي لا مطار بديلاً لدينا لاستخدامه في حال حصول أي طارئ؟ ما الذي تحتاجه هذه المطارات لتحويلها من مطارات عسكرية الى مدنية؟ وأي منها الأكثر جهوزية لإعادة تفعيله؟

يُجمع المراقبون على أنه من غير المتوقع أن يقبل حزب الله بواقع وجود مطارٍ آخر في لبنان، في منطقة لا تخضع لسلطته، وغير قادر على السيطرة عليه بشكل كامل، خصوصاً وأن جهات حزبية أخرى قد يكون لها اليد الطولى فيه وفقاً لموقعه، خشيةً من استغلاله في مآرب لا تخدمه، لا بل تؤذيه.

لكن حزب الله نفسه لا يمانع البحث في الموضوع اذا إذا ما كان المطار في البقاع أو الجنوب، لان المطارات بنظره تستدعي إجراءات استثنائية لجهة الأمن، ومن المفترض ان تكون الرقابة مشدّدة، حتى لا يتم استغلال الثغرات لأعمال مشبوهة. فإلى متى يبقى لبنان تحت رحمة حزب الله؟ واذا ما كان قرار السلم والحرب بيد حزب الله حصرا، والانماء المتوازن مجرد شماعة، والانتخابات الرئاسية تجرى اذا ما كان مرشحه الفائز، فما الفائدة اذن من العيش المشترك؟