"حزب الله" هيكلية وتنظيم دون ترخيص

في 29 تشرين الأول 2024 أعلن «حزب اللّه» تسمية الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً خلفاً للسيد حسن نصراللّه الذي اغتيل بضربة جوية إسرائيلية عنيفة في 27 أيلول على مقرّه العام، وفي 29 كانون الأول، تمّ تناقل أخبار صحافية عن تعيين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد نائباً للأمين العام التاريخي في «الحزب»، والشيخ خليل دعموش رئيساً للمجلس التنفيذي خلفاً للسيد هاشم صفي الدين الذي اغتيل في ضربة جوية إسرائيلية أخرى في 3 تشرين الأول في منطقة المريجة.

لم يعد خافياً أن «حزب اللّه» الذي نما خلال أكثر من أربعين عاماً لا وجود قانونياً له في الحياة السياسية اللبنانية، فلا يوجد عنده «علم وخبر» شأن الأحزاب السياسية اللبنانية، فهذه الجماعة التي تمدّدت في مختلف القطاعات اللبنانية، إما سيطرة وهيمنة عليها، كالحياة السياسية، وإما تشاركية من خلال القطاعين الصحي والاجتماعي، وإما موازاة من خلال العمل العسكري والأمني والاقتصادي، وصولاً إلى التربوي، لم تبادر إلى الحصول على هذا «العلم والخبر» لسبب ديني وأيديولوجي يتمثل بفتوى للسيد روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقول «إن الأحزاب السياسية في الساحة الإسلامية هي ظاهرة غريبة والتنظيم الحزبي هو من موروثات الغرب»، كما صنّف المحامي لويس أبو شرف وضعه القانوني خلال لقاء تلفزيوني كـ «مجموعة سرية والمجموعة السرية مخالفة للقانون»، وبحسب كتاب «تاريخ شيعة لبنان: من الماضي الغامض إلى المستقبل المجهول» الصادر عن أمم للتوثيق والأبحاث عام 2023، بدأت هذه الجماعة العمل بفعالية في لبنان من خلال مشروع تصدير الثورة الإسلامية مطلع ثمانينات القرن العشرين تحت مسمّى «أمة حزب اللّه» ثم الثورة الإسلامية في لبنان لتتحوّل في ما بعد إلى «حزب اللّه» المقاومة الإسلامية في لبنان، وذلك بعد دخول الحرس الثوري الإيراني إلى بعلبك برعاية سورية عام 1982 ليعمل على بلورة تنظيم شيعي تابع لإيران عقيدة وعدّة، ومرتبط بها أيديولوجياً وفكرياً ودينياً، وعلى افتتاح دورات عسكرية في مسجد الإمام علي لأعضاء هذا التنظيم، وبدأ تشكيل الإطار السياسي لهذا التيار الإسلامي واختير تسعة أشخاص من قبل القيادة الإيرانية للمباشرة في العمل على تكوين هذا الإطار، عرفت بــ «لجنة التسعة»، فيها مندوبون عن حركة أمل الإسلامية، حزب الدعوة، اللجان الإسلامية وعلماء دين، ومهمتها إعداد الصيغة السياسية التي ستكون واجهة العمل وعقدت أول اجتماعاتها في مطلع أيار 1983، كما أسّست إيران سراً ما عرف بمجلس لبنان برئاسة علي أحمد محتشمي سفير إيران في دمشق، وخلفه في رئاسة مجلس لبنان وفي سفارة دمشق محمد حسن أختري فروغي وكان هدف هذا المجلس الإدارة السرية لتنفيذ سياسة إيران في لبنان والإشراف على «حزب اللّه»، وتفرع عن مجلس لبنان عدة لجان. لم تعمر طويلاً «مجموعة التسعة»، واستبدلتها إيران بلجنة خماسية أطلق عليها اسم «شورى لبنان»، وفي أيار 1984، قررت «الشورى» اعتماد شعار مركزي يتصدر كل البيانات هو «حزب اللّه ــ الثورة الإسلامية في لبنان»، وأنشئ المكتب السياسي، وأقرّت إصدار المطبوعة الأسبوعية «العهد»، وارتفع عدد أعضاء الشورى إلى سبعة. وفي شباط 1985، أعلن «حزب اللّه» رسالته إلى المستضعفين، محدّداً رؤيته ومواقفه وبرنامجه، وفي 28 أيار 1986، عقد اجتماع تمّ فيه تشكيل مجلس شورى لبنان وشكّلت قيادة «حزب اللّه» سبع لجان تابعة لمجلس الشورى، هي اللجنة المالية، لجنة الشؤون السياسية، لجنة الإعلام، لجنة الشؤون القانونية، لجنة الشؤون العسكرية، لجنة الشؤون العقائدية، وقسّمت الساحة اللبنانية إلى ثلاثة أقاليم منفصلة عن بعضها البعض، وهي بيروت بضاحيتها الجنوبية، البقاع والجنوب، وفي عام 1989 تم استحداث مركز الأمين العام وانتخب الشيخ صبحي الطفيلي كأول من يتولاه.

وبحسب ما هو متوفر في المصادر المفتوحة، تتولى قيادة جماعة «حزب اللّه» هيئة عليا تسمى «شورى القرار» هي المخوّلة اتخاذ القرار والمسؤولة عن القرارات الدينية والمسائل الاستراتيجية، وتملك سُلطة صنع السياسات، وتعتبر قراراتها نهائية، وفي حالة وصول الشورى إلى طريق مسدود، فإن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية يرجّح قرار التصويت. ويضمّ المجلس في يومنا هذا 8 أعضاء هم إضافة إلى الأمين العام ونائبه، المعاون السياسي للأمين العام، رئيس المجلس السياسي، رئيس المجلس التنفيذي، رئيس المجلس الجهادي ومنسق شؤون المقاومة، مسؤول المجلس القضائي والشؤون العلمائية والتبليغية، بالإضافة إلى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة».

يعاون «شورى القرار» مجلس سياسي يقدّم لها المشورة والتحليل السياسي، ويتابع التواصل وبناء العلاقات مع القوى السياسية والحزبية المختلفة، ويترأسه حالياً السيد ابراهيم أمين السيد، ويضمّ مسؤولي الملفات الأساسية وأعضاء لجنة التحليل السياسي، ويتولّى كلّ عضو في المجلس ملفاً ويترأس وحدة تعنى بهذا الملف وهم: مسؤول العلاقات الإسلامية أو مسؤول الملف الإسلامي الشيخ عبد المجيد عمار، مسؤول العلاقات الوطنية، ممثل «الحزب» في ما يعرف بلقاء «القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية»، الوزير السابق محمود قماطي، الذي يتولّى كذلك منصب نائب رئيس المجلس السياسي، مسؤول العلاقات المسيحية رئيس بلدية الغبيري السابق محمد سعيد الخنسا، مسؤول العلاقات الفلسطينية النائب السابق حسن حب اللّه، مسؤول العلاقات الإعلامية، الدكتور يوسف الزين الذي تولّى المسؤولية في 23 كانون الأول 2024 خلفاً لمحمد عفيف النابلسي الذي اغتيل في 17 تشرين الثاني في مركز حزب البعث العربي الاشتراكي في رأس النبع في بيروت، مسؤول وحدة النقابات والعمال، هاشم سلهب، مسؤول وحدة المهن الحرة في «حزب اللّه»، المهندس حسن حجازي، مسؤول وحدة العلاقات العربية والدولية، النائب السابق عمار الموسوي.

وفي الأمور الإجرائية، يعتبر المجلس التنفيذي بمثابة «قلب» و «جسد» الهيكلية التنظيمية تتفرع عنه الوحدات التنظيمية المسؤولة عن الأنشطة والأعمال الإجرائية المرتبطة بتركيبة «حزب اللّه»، ويتولّى إدارة كافة القطاعات الموجودة في «الحزب» من ثقافية واجتماعية وتربوية ومالية وإدارية في مختلف المناطق، وللمجلس التنفيذي رئيس ونائب للرئيس ومسؤول مكتب، وهو يتألف من الوحدات والمعاونيات التالية: الوحدة المالية، المعاونية التنظيمية، العمل الاجتماعي، المعاونية الثقافية، التعبئة التربوية، الوحدة الرياضية، الهيئات النسائية، وحدة الارتباط والتنسيق، الوحدة الإلكترونية، وحدة العلاقات الخارجية.

لم يردع الاستعصاء القانوني جماعة «حزب اللّه» من أن تحظى بأكثر هيكلية منظمة تتفوّق تنظيماً على هيكلية أفضل الأحزاب السياسية المرخصة، ويبقى السؤال الأساس: هل غياب الدولة اللبنانية المسؤولة عن إحقاق العدالة والمساواة وتطبيق القوانين النافذة في معالجة وضع هذه الجماعة، هو تواطؤ أم عجز أم تخاذل؟