حزب الله وتداعيات تحدِّي هيبة الدولة

لم يكن الاحتفال بذكرى اغتيال السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين مجرد مناسبة حزبية، بل تحوّل إلى اختبار حقيقي لمصداقية التزامات القوى السياسية بمرجعية الدولة وقوانينها. فالنقض الذي جرى لبنود اتفاق الترخيص الممنوح من الحكومة أضرَّ بصورة كبار المسؤولين في حزب الله، وأساء مباشرة إلى الجهود المبذولة لإعادة بناء دولة القانون، لا سيما في أعين الأوساط الدولية التي تترقب خطوات جدّية من لبنان في مسار محاربة الفساد وتنفيذ الإصلاحات، وحصر السلاح بيد القوى الشرعية.

الخطأ الذي ارتكبه حزب الله لا يقتصر على خرق اتفاق محدّد، بل يتعداه إلى رسالة سلبية في الداخل والخارج. داخلياً، أشاع الانطباع بأن التعهدات التي تُعطى للدولة قابلة للنقض عند أول اختبار، ما يُضعف ثقة المواطنين بمؤسساتهم. وخارجياً، منح ذريعة جديدة للمشككين بقدرة لبنان على تنفيذ التزاماته الإصلاحية والسيادية، في وقت هو بأمسّ الحاجة إلى الدعم الخارجي،المالي والسياسي، لعبور أزمته المستفحلة، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار، والإعداد لمؤتمر دعم الجيش.

لكن المسؤولية لا تقع على الحزب وحده، إذ إن الحكومة مطالَبة الآن بخطوات واضحة لاستيعاب ما جرى وتصويب المسار. أول هذه الخطوات يكمن في تأكيد أن الترخيص لأي نشاط سياسي أو حزبي مشروط حصراً باحترام القوانين وعدم الإخلال بالنظام العام، وأن أي تجاوز مستقبلي لن يمرَّ من دون محاسبة. فالمسألة هنا ليست سجالاً سياسياً بل قضية تتعلق بهيبة الدولة ومبدأ المساواة أمام القانون.

ثانياً، يتوجب على الحكومة تعزيز حضور القوى الأمنية في مثل هذه المناسبات، ليس من باب الاستفزاز أو التضييق، بل لضمان التزام الضوابط القانونية عملياً، ما يكرّس فكرة أن الدولة وحدها هي الضامن للحقوق والحريات، وأن الجميع تحت سقف القانون.

وثالثاً، ينبغي المضي قدماً في الإصلاحات البنيوية ومكافحة الفساد، كي لا يبقى ملف «حصرية السلاح»، ذريعة لتقويض صورة الدولة، والتشكيك بقدرات الجيش والقوى الأمنية، بل جزءاً من مسار متكامل لإعادة الثقة الداخلية والخارجية.

لقد أضاع حزب الله فرصة ثمينة لإظهار انسجامه مع منطق الدولة، لكن الحكومة ما زال بإمكانها تحويل هذه الانتكاسة إلى محطة تأكيد لصلابتها. فإما أن يكون ما جرى مجرد حادث  تتم معالجته بالحكمة والحزم معاً، أو يتحوّل إلى شرخ إضافي يعمّق أزمة الثقة في لبنان.

الخيار بيد الدولة، ومسؤوليتها أن تثبت أن هيبتها ليست موضع مساومة.