المصدر: النهار
الكاتب: فارس خشان
الثلاثاء 27 أيار 2025 08:17:15
عندما وافق "حزب الله" على اتفاق وقف إطلاق النار بينه وبين الجيش الاسرائيلي، وفق ما توصلت اليه المحادثات التي خاضها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، في 26 تشرين الثاني الأخير، كان يُدرك أنّ ترئيس الولايات المتحدة الأميركية لجنة تنفيذ "تفاهم وقف العمليات العدائية"، يكرّس تفوّق إسرائيل في شرح مضامين الإتفاق، باعتبار أنّ هناك تقاطعاً في النظرة الأميركية- الإسرائيلية إلى الدور العسكري للحزب.
وكان "حزب الله" يعرف بأدق التفاصيل أنّ الدولة اللبنانية لا تملك القدرة على فرض ما تريد نظراً للإختلال الفظيع في ميزان القوى بينها وبين إسرائيل، وحاجتها الماسة إلى الولايات المتحدة بصفتها صاحبة الكلمة العليا في كثير من الأمور الدولية والإقليمية ومن دونها لا يمكن للبنان أن يخرج من شجونه التي ضاعفت مآسيه وكوارثه "حرب المساندة" وتداعياتها العسكرية والدموية والتدميرية والسياسية اللاحقة.
إذن، من البديهي الافتراض أنّ "حزب الله" كان على اطلاع كامل على هذه التفاصيل قبل أن يُبلّغ الرئيس نبيه بري، الذي يلقبه الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بـ"الأخ الأكبر"، موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً أنّ الحزب يقدم هذا الاتفاق، كما لو كان "انتصاراً"!
في مرحلة الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، تمّ تسليم بري زمام الأمور، فتصرّف على قاعدة أنّه "صاحب الكلمة العليا في لبنان"، خلافاً لكل القواعد الدستورية، فرئيس الحكومة يومها نجيب ميقاتي "همّش" نفسه. وعندما ذهب بالاتفاق إلى مجلس الوزراء بعد موافقة بري على صيغته وبنوده، نظر إلى وزراء "الثنائي الشيعي" في حكومته وقال لهم بوضوح إنّ الحكومة سترفض الموافقة على الاتفاق إذا تحفظ أي وزير عنه، ولكنّ شيئًا من ذلك لم يحصل. وافق عليه الجميع من دون أدنى مناقشة. وفي تلك المرحلة أيضاً، كان الرئيس جوزيف عون قائداً للجيش، ولا كلمة فصل له في مضمون الإتفاق، فيما كان الرئيس نواف سلام الذي يصفه جمهور "حزب الله" بـ"الصهيوني"، يتابع ملفاته في رئاسة "محكمة العدل الدولية" حيث عانى من هجوم إسرائيلي عليه بصفته، كما افترت، "معادياً للسامية".
وتأسيساً على كل ذلك، لا يستطيع "حزب الله" أن يتعامل مع الدولة اللبنانية، كما لو أنّها "غدرت" به، فأقنعته بوقف إطلاق النار، على قاعدة أنّها هي تملك القدرة على توفير الإنجازات التي كانت بمتناول يديه.
ويدرك القاصي والداني أنّ "حزب الله" يمتنع عن الرد على استهداف إسرائيل مقاتليه ومبانيه ومخازنه، عجزاً، وليس احتراماً لدولة لم يُقم لها يوماً أيّ اعتبار، بدليل دخوله، على رغم اعتراض حلفائه قبل الحكومة وقبل القوى السياسية الأخرى، في "حرب الإسناد"، ورفضه، مراراً وتكراراً، الاستماع إلى التحذيرات التي كان ينقلها المبعوثون الغربيون إلى المسؤولين اللبنانيين، عن الأخطار الكبرى التي تحدق بلبنان، في حال لم ينسحب "حزب الله" من "وحدة الجبهات"، إلى درجة دفعت رئيس حكومة ذاك الزمان نجيب ميقاتي إلى القول: "لم يبق أمامنا سوى الصمت والصبر والصلاة".
وبناء عليه، لا يمكن إعادة الاعتبار إلى لبنان وشعبه ودولته، طالما "حزب الله" مصر على عدم السير بقرار حصر السلاح بيد الدولة، والذهاب بعيداً في سرديته التي تقوم على أنّ الدولة عاجزة، بدليل عدم القدرة على التصدي للإعتداءات الإسرائيلية، في حين أنّ "المقاومة" هي الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان والحفاظ عليه.
مرحلة السماح الممنوحة لـ"حزب الله" حتى يحسم مسألة سلاحه، بدأت تتضاءل، وبالتالي على الحزب إمّا أن يتفاعل إيجاباً مع مطالب سحب سلاحه الثقيل والمتوسط، أو إعطاء الدليل العملي على "جدوى" هذا السلاح، وفق ما يرفعه من شعارات.