حزب الله يُعانِد ضعفه وإسرائيل تعود إلى "أنيابها" وتلوّح بالأسوأ

لم يَعُد مبالغةً توصيفُ أن بيروت تعيش أياماً بالغة الحساسية في ظل وقوعها بين «فكّي كماشةِ» وضعٍ هشٍّ مرشّحٍ لتحديات إضافية على جبهة الجنوب خلال «الوقت الإضافي» للهدنة (ينتهي في 18 فبراير) وبعده، ومحاولةٍ من «حزب الله» لمنْع أي ترجمةٍ سياسية على مستوى الحكومة العتيدة لإفلات «بلاد الأرز» من شِباك المحور الإيراني الذي «تَقَطًّع» قوسُ نفوذُه في ضوء نتائج «حرب لبنان الثالثة» وسقوط نظام بشار الأسد في سورية.

ولم يكن عابراً أمس أن تُرَسِّخَ إسرائيل مساراً جديداً بدأتْه ليل الثلاثاء ووجّهتْ من خلاله رسالةً بأنها ستَستخدم «أنيابَها» أكثر خلال الأيام الـ 19 المقبلة من تمديد احتلالها لعدد من قرى الحافة الأمامية، مع حرصٍ على معاودة تظهير «اليد العليا» لها في تطبيق اتفاق وقْف النار «بالنار» حيث يلوح «تهديد وشيك أو في طور التشكُّل»، بالتوازي مع مؤشراتٍ من تل أبيب إلى أن ما بعد 18 فبراير قد يكون مفتوحاً على محاولةٍ للضغط، عبر واشنطن، في اتجاه صيغةٍ على حدودها الشمالية مع لبنان تكون بديلاً عن منطقةٍ عازلةٍ «صريحة» وتتيح لجيشها أن يأخذ على عاتقه «عدم إعادة حزب الله تأسيس بنيته التحتية مرّة أخرى».
«استعراض القوة»

وفي وقت بدا أن عودة إسرائيل إلى «استعراض القوة» جنوباً على غرار ما فعلتْ بالغارتين شمال نهر الليطاني في مدينة النبطية ومنطقة الشقيف (تسببتا بجرح 20 شخصاً) حيث أعلنت أنها استهدفت «شاحنة ومركبة (...) تابعتيْن لحزب الله كانتا تنقلان وسائل قتالية وذلك لإزالة تهديدٍ»، تشكّل إشارةً إلى أنها «استوعبتْ» الاندفاعةَ الأهلية لبيئة الحزب (منذ يوم الأحد أي تاريخ انتهاء هدنة الستين يوماً في وقتها الأصلي) للعودة إلى قرى كانت تل أبيب مازالت تصنّفها «محظورة» جنوب الليطاني وانتقلتْ مجدداً إلى «الهجوم»، فإنّ لبنان الذي لم يَخرج بَعد من عَيْنِ المَخاطر الكبيرة من البوابة الجنوبية بدأ يُظْهِر «عوارضَ» استنزافٍ يؤمل ألا تطولَ للدفع الكبير الذي شكّله انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل الحكومة في تطورين عبّرا عن تبدُّل مَوازين القوى السياسية ببُعدها الإقليمي.

وفيما كانت إسرائيل تمعن في خروقها لاتفاقِ وقف النار وتخطف مواطنين في قرية أو أخرى وتَمضي في تفجيراتٍ وحرق ومنازل في بلداتٍ لم تنسحب منها بعد (غالبيتها في القطاع الشرقي وبعضها في الغربي والأوسط) وتؤكد حكومتُها أن «دولة لبنان وجيشها لم يَحترما اتفاق التهدئة بعد 60 يوماً» (كان يقتضي خلالها أن ينسحب الجيش الإسرائيلي لِما وراء الخط الأزرق وينتشر الجيش اللبناني في كامل جنوب الليطاني بعد تفكيك البنية العسكرية لحزب الله)، لاحتْ بين سطور «الحركة الشعبية» لبيئة حزب الله جنوباً و«عرض العضلات» بالدراجات النارية في بيروت وضواحيها (جرت أمس محاولة لتكرارها على تخوم محلة عين الرمانة ذات الغالبية المسيحية) صورةُ «عربة يجرّها حصانان في اتجاهين متعاكسيْن» في إسقاطٍ على واقع مسار تأليف الحكومة العالق بين:

«لبنان الجديد»

- محاولة العهد الجديد، أي الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، أن تكون الحكومة العتيدة على صورةِ «لبنان الجديد» الذي خطا خطوتين كبيرتين على طريق الخروج من فلك المحور الإيراني «الجريح»، من خلال مآلات الانتخابات الرئاسية وتكليف رئيس الحكومة وهما الاستحقاقان اللذان عبّرا عن ضمور نفوذ «حزب الله» ربطاً بالمتغيرات الجيو - سياسية في الإقليم والتي كانت نتائج حرب لبنان أحد مداخلها الرئيسية.

- سعي «حزب الله» لجعل الملف الحكومي أحد علاماتِ «عدم هزيمته»، من باب إحباط أي ترجمة سياسية للانتكاسة العسكرية التي تعرض لها كما لتقلٌّص النفوذ الإقليمي لإيران، وصولاً إلى رفْعِ شعار ضمني «انظروا إليّ لم أحترق»، ومعياره أن يحصد في التشكيلة العتيدة نفس «النقاط» التي كان يحققها قبل الحرب، أي خمسة على خمسة (مع الرئيس نبيه بري) من الوزراء الشيعة في حكومة من 24 والاحتفاظ بوزارة المال على أن يتولاها اسمٌ «وحيد» يريده حتى الساعة واختاره هو (النائب السابق ياسين جابر)، تارِكاً للآخَرين الغرق في مَعايير أخرى لا يمكن أن يُسلِّموا بها، لأنها ستعني:

أولاً «صيفاً وشتاء» تحت سقف واحد وهو ما بدأت قوى سياسية تجاهر به تحت عنوان «المعاملة بالمثل» والتحذير من العودة إلى محاصصة من «زمن تحول»، وسط توقف أوساط متابعة عند تحرك شعبي أمام منزل الرئيس المكلف أمس تحت عنوان رفض الانزلاق مجدداً إلى منطق «تقاسُم كعكة» السلطة.

وثانياً لأنها ستجعل المجتمعان العربي والدوليان اللذان يضعان كل مسار التأليف، في شكله وطبيعة الحكومة وتوازناتها وبيانها الوزاري، تحت المجهر باعتباره «مفتاح» اكتمال حلقة التغيير وتالياً ترجمة الاحتضان الكبير لـ«لبنان الجديد» بدعم ملموس ومشروط بإصلاحات تبدأ من الملف الحكومي لتنسحب على أداء الوزارات والتعهدات بتطبيق القرار 1701 ومندرجات اتفاق وقف النار في ما خص احتكار الدولة للسلاح على كل الأراضي اللبنانية.

عون وسلام

وفي حين زار سلام عصر أمس رئيس الجهورية واستكمل معه محاولة حياكة التشكيلة الحكومية الجديدة من ضمن عمليةٍ أشبه بلعبة «مكعّب روبيك» التي تتطلّب أن تكتمل وتتكامل كل جوانب التأليف بأبعادها الداخلية والخارجية، برز موقف لعون أكد فيه أنّه سيعمل على تنفيذ خطاب القسم «لأن ما يحتاجه اللبنانيون هو أن يعيشوا بكرامتهم»، مشدداً على ضرورة الابتعاد عن «المناكفات وسياسة الزواريب الضيقة وتناتش الحصص»، ومعتبراً ان «كل الوزارات هي للبنان كما هو مجلس الوزراء»، ولافتاً إلى «ضرورة أن تتمثل الطوائف فيه من خلال النخب التي لديها استقلالية القرار». وقال سلام من جانبه، إنه يضع «معايير لتشكيل حكومة تعتمد على فصل النيابة عن مجلس الوزراء واختيار وزراء كفوئين من دون تمثيل للأحزاب».

وتابع ان «الحكومة الجديدة ستكون من 24 وزيراً ولا نريد مجلس نواب مصغراً بل نريد حكومة فاعلة ومتجانسة».

وأعلن أن «المعايير نفسها ستطبق على الجميع وأنا من أنصار المرونة في التعامل مع الجميع وواثق من أننا سنتجاوز الصعوبات».

وأكد سلام أن «التأخير والعقبات ليسا منّي وسأعمل بأسرع ما ممكن لاصدار الحكومة».

وفي موازاة ذلك، حملت مواقف وتقارير واردة من إسرائيل إشارات سلبية حيال ما ينتظر لبنان وجبهة الجنوب، حيث أشار قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أوردي غوردين إلى أنّه «إذا حاول حزب الله العودة للقتال فسيتعرض لضربة أكبر وسنقضي عليه وعلى قيادته»، معتبراً أنّه «تمت إزالة التهديد للشمال في المستقبل القريب، ونحن بحاجة إلى التأكد من ذلك لسنوات مقبلة»، ومعلناً «الواقع في الشمال تغيّر كثيراً والوضع آمن الآن ومختلف تماماً».

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلت عن مسؤول عسكري أن تل أبيب لن توصي بنقل السيطرة في الجنوب للجيش اللبناني «حتى يفي بمهامه ويُظْهِر سيطرة جيّدة وكافية».

وقال: «سنواصل العمل وإزالة أيّ بنية تحتية في لبنان تهدّد أو قد تشكّل تهديداً في المستقبل».

وأضاف: «مسؤولية ضمان عدم إعادة حزب الله تأسيس بنيته التحتية مرّة أخرى تقع على عاتق الجيش الإسرائيلي».

ونقلت الصحيفة عن مصدر أن الجيش الإسرائيلي يخطط لاستهداف مجمعات لحزب الله قريبة من بلدات الجليل.

«عماد 4»

وفي هذا الوقت، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لعناصر من الجيش اللبناني داخل نفق في جنوب لبنان، قيل إنه منشأة عسكرية تابعة لـ «حزب الله» تحت الأرض جنوب الليطاني.

وفيما تحدث البعض أن هذه المنشأة قد تكون «عماد 4» التي سبق للحزب أن كشف عنها خلال الحرب، استبعدت مصادر هذا الأمر لافتة في الوقت نفسه إلى أن هذا النفق الكبير تم تَسَلُّمه بتعاوُن من الحزب.

ولم يحجب هذا الفيديو الأنظار عن مستجدات الميدان الذي انطبع بمشهدٍ «سوريالي» لدبابة ميركافا تلاحق سيارة مدنية ودراجة نارية في بلدة مروحين في القطاع الغربي، في حين استمرت أعمال جرف وهدْم المنازل في العديد من البلدات المحتلة الأخرى، وصولاً إلى خطف أربعة مواطنين كانوا يتفقدون منزلهم عند أطراف بلدة مارون الراس (أطلقوا لاحقاً) وإطلاق النار على آخَريْن أصيبا بجراج أثناء محاولتهم التقدم في البلدة واحتجاز سيارة إسعاف في البلدة كانت تحاول نقل الجرحى.