المصدر: الوكالة المركزية
الكاتب: نجوى ابي حيدر
الأربعاء 18 كانون الاول 2024 12:01:58
في مجال التحولات العسكرية والامنية والسياسية التي فرضت نفسها على لبنان والمنطقة وتتدحرج في اتجاه كل دولة مددت الجمهورية الاسلامية الايرانية نفوذها اليها من سوريا الى العراق فاليمن وفق المؤشرات الميدانية، كثير من المفاهيم والممارسات انقلبت رأساً على عقب. ليس فقط على مستوى انقلاب الحكم في سوريا مثلاً، وانتقال حزب الله من موقع القوة وفائضها الى الرضوخ لاتفاقات أجبِر على الاعتراف بها وهي تناقض كل ما كان يرفضه قبل ايلول 2024، لا بل كانت من الممنوعات والمحظور، انما ايضا لناحية طريقة التعاطي مع الواقع القائم المستجد وتحول "لا" الامس الى "نعم" اليوم والابيض الى أسود.
مناسبة الحديث، ان من يستمع الى نواب حزب الله في معرض دفاعهم عن الاعلاميات والمُغرِدات المناصرات للمحور في قضية طلب قاض حذف تغريدات تحرض على قناة "أم.تي.في" التلفزيونية وتتهم اعلامييها بالعمالة، يظنهم من نواب المعارضة والسياديين الحريصين على الدولة والقضاء وحرية التعبير، وقد تناسوا او محوا من ذاكرتهم، لكنهم لم يحموا من ذاكرة اللبنانيين كل ممارسات حزبهم ازاء القضاء طوال عقود من سيطرة دويلتهم على الدولة، بما تخللها من ترهيب وتهديد للقضاة الى درجة حملت بعضهم على التنحي او الاستقالة.
النائب حسن فضل الله، قال في تصريح امس، أن "محاولة كم الأفواه ومنع التعبير عن الرأي الحر جريمة موصوفة أقدم عليها أحد القضاة ظنًا منه أن قراره المرتهن لأصحاب النفوذ والمصالح الشخصية يمكن أن يمر مرور الكرام أو يدفع الإعلاميين الوطنيين إلى الرضوخ أو الخضوع".أضاف: "إن هذا السلوك المشين وصمة عار على جبين كل القضاء اللبناني وعلى من أقدم على قرار توقيف الاعلاميات اللواتي يمثلن عنوانا لحرية الرأي المصونة بالدستور والقانون وسنتصدى لمثل هذا السلوك الوقح الخارج عن كل الأصول بكل قوة ضمن الأطر القانونية لمنع تجيير القضاء لمصالح بعض الجهات المعروفة في انتمائها وارتباطاتها"،وطالب وزير العدل، والتفتيش القضائي، ومجلس القضاء الأعلى، بالتحرك الفوري لوضع حد لمثل هذه القرارات المخالفة للنصوص الدستورية والقانونية وإحالة من ارتكبها للمحاسبة. صونا للقضاء وحماية للقانون ولمنع تفاقم الأمور"...
يحتار المرء ايضحك ام يبكي حينما يستمع الى كلام من هذا النوع من نائب عن هذا الحزب بالذات. الحزب الذي إن بدأ تعداد انتهاكاته للقضاء لا تكفي كل الصفحات لها. هو الحزب نفسه الذي دانت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري عناصر منه، فرفض تسليمهم واعتبرهم بمصاف القديسين. هو الحزب الذي ارسل وفيق صفا الى مكتب قاضي التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار مهددا ومتوعداً. هو الحزب الذي حينما قتل الضابط في الجيش اللبناني سامر حنا فرض سطوته فاطلق المسؤول عن قتله بعد اشهر قليلة على توقيفه. هو نفسه الحزب الذي هرّب المتهم بمحاولة اغتيال الوزير السابق بطرس حرب،المدعو محمود الحايك، بتفخيخ مصعد المبنى الذي يضم مكتب حرب ، وقد قضى لاحقا في سوريا.
قادة ومسؤولو الحزب نفسه يتحدثون اليوم عن رفض كمّ افواه ومنع تعبير وسلوك مُشين ووصمة عار على جبين القضاء، ولكن لا عجب، فهم لا يكمّون افواها ولا يمنعون تعبيرا باللجوء الى القضاء وما اعتادوا عليه، بل ينفذون فورا ومصير من يهاجمهم كمصير لقمان سليم والياس الحصروني وقبلهم شهداء ثورة الارز من جبران باسيل الى سمير قصير وبيار الجميّل وقبلهم ايضا رفيق الحريري وسلسلة لا تنتهي. وطوال الحقبة تلك وحتى الساعة، لم يتجرأ قاضٍ في لبنان على القول أن حزب الله غير شرعي وغير مسجل لدى وزارة الداخلية ولا يحق له أن يتقدم بدعاوى قضائية، او ان يرفض طلبا للحزب.
واقع القضاء لا يختلف عن الواقع السياسي، هو جزء من مشهد دويلة ما فوق الدولة ، لكنّ التحوّل قاب قوسين والدولة على طريق التحرر ومثلها القضاء الذي سيجبر الحزب على احترامه ومنع ممارساته الترهيبية في حقه...والفرج آتٍ.