المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الاثنين 16 أيلول 2024 08:08:04
قبل يومين، احتفلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بمرور ٣ أعوام على تشكيلها. غابت المظاهر الاحتفالية لأكثر من سبب، منها ما هو معنوي ومنها ما هو شكلي. فالحكومة التي فشلت في الانعقاد تحت ضغط اعتصام العسكريين المتقاعدين، هرّبت جلستها من تحت أعينهم في انعكاس واضح لحجم العجز الذي تعاني وطأته وافتقادها لشرعية شعبية، بعدما فقدت شرعيتها الدستورية بسبب تحولها إلى تصريف الأعمال بعد الانتخابات النيابية في أيار ٢٠٢٢.
لم تسنح لحكومة ميقاتي التي تشكلت في أيلول ٢٠٢١ الفرصة الكافية للحكم بسبب عمرها القصير وهو لم يتجاوز الأشهر الثمانية، علماً بأن عمر الحكومات في لبنان على مر التاريخ لم يكن يتجاوز هذه الفترة. لعل السبب الأبرز تمثل في كون الحكومة وُلدت من رحم انهيار اقتصادي ومالي على يد حكومة حسان دياب التي جاءت على وقع انتفاضة ١٧ تشرين، واستقالت تحت وطأة انفجار مرفأ بيروت، وبقيت في مرحلة تصريف الأعمال لمدة ١٣ شهراً كانت تشكل رقماً قياسياً غير مسبوق إلى أن تجاوزتها حكومة ميقاتي بفترة تصريف أعمال بلغت ٢٨ شهراً.
لم يأت البيان الوزاري لحكومة ميقاتي الذي حمل شعار "معاً للإنقاذ"، بجديد لجهة مقاربة الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية المنهارة، التي كانت تحتاج إلى حكومة طوارئ لإدارة أزمة إفلاس البلد. وكما بيانها الوزاري كذلك أداؤها كان أبعد ما يكون عن الإنقاذ، إذ غرقت البلاد في أزمة انهيار العملة الوطنية التي بلغت ذروتها بوصول الدولار إلى ١٥٠ ألف ليرة، واستمرت الفجوة المالية محل تجاذب وتقاذف مسؤوليات حيال من يتحمل مسؤوليتها، الدولة أم المصرف المركزي أم المصارف والمودعون، علماً بأن خطة التعافي الحكومية كانت ترمي إلى شطب الودائع وتحميل المصارف المسؤولية.
على هذه الحال، بقيت البلاد في نزاع حيال القوانين المطلوب إقرارها، والتي التزمت بها الحكومة في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي مثل الكابيتال كونترول أو إعادة هيكلة القطاع المصرفي أو إطار التوازن المالي، كما بقيت على نزاع مع القطاع العام الذي عجزت عن إدخال الإصلاح إليه، فبقيت القوانين من دون تطوير أو تحديث وبقيت رائحة الدواليب الملوّثة لبيئة ملوثة أساساً تفوح في دائرة السرايا، مذكرة بالعجز عن إرساء إصلاح يتصل بسلاسل الرتب والرواتب.
وفي الوقت الذي تفجرت فيه أزمة الدعاوى في وجه حاكم المصرف المركزي، واجهت حكومة ميقاتي الضعف في التعامل مع الملف الذي أبرز هشاشة القضاء اللبناني وخضوعه للطبقة السياسية.
ظلت خطة التعافي حبراً على ورق، تخضع للمراجعات والتعديلات من دون أن تعالج أزمة الودائع التي صبغت عهد الحكومة الميقاتية مع دخولها عامها الرابع.
في المقابل، وإن كانت الحكومة تفخر بإنجازها الاتفاق مع صندوق النقد فهي لم تتمكن من تنفيذه. وإن تفاخرت بإنجاز ثلاث موازنات، وهي في صدد درس مشروع السنة المقبلة، فإنها لم تدخل أي بعد إنمائي أو استثماري أو اجتماعي يؤمن شبكة أمان وحماية اجتماعية للفئات الأكثر هشاشة، وقد أعلن تقرير للبنك الدولي أن نسبة الفقر بلغت ٨٠ في المئة من اللبنانيين. بل لجأت إلى الطريق الأسهل لتغطية حاجاتها الإنفاقية عبر سلة من الرسوم والضرائب التي تفتقر لأي عدالة في التوزيع وترهق كاهل المكلف العاجز عن السداد وأمواله محتجزة في المصارف. وإن كانت تفاخرت بإنجاز قانون السرية المصرفية، فإن تطبيقه خضع لاستنسابية مفرطة عطلت مفاعيله ليطال الطبقة الفاسدة.
في الأمن، واجهت حكومة ميقاتي اندلاع حرب غزة وجبهة الإسناد التي فتحها "حزب الله" على الحدود الجنوبية، ما وضعها في موقع التشكيك حيال امتلاكها فعلاً قرار السلم والحرب.
وفي الأمن أيضاً، ظلّ ملف النزوح السوري عبئاً ثقيلاً في وجه الحكومة الميقاتية، لم تتمكن من مواجهته وتحمّل تبعاته على المجتمع اللبناني وعلى اقتصاده.
إن كانت نجحت في إجراء الانتخابات النيابية، فهي فشلت في إنجاز البلدية والاختيارية على مدى عامين، بحيث كان التمديد خيار الهروب من مواجهة الاستحقاق.
لا يمكن تحميل الحكومة المستقيلة وزر شغور موقع الرئاسة الأولى، لكنها حملت ارتدادات ذلك الشغور تعطيلاً من قبل وزراء التيار الوطني الحر الذين رفضوا إضفاء شرعية على عملها في تصريف الأعمال، فواجهت ملفات واستحقاقات عدة وربما أبرزها التعيينات الإدارية والعسكرية.
وقبيل ولوجها العام الرابع في وضع تصريف الأعمال، جاء توقيف الحاكم السابق رياض سلامة ليمد الحكومة بنفس ولو ضئيلاً على قاعدة تحرّك القضاء لحسم هذا الملف الذي أثقل على اللبنانيين.
في السنة الرابعة، تبدو الاستحقاقات والمخاطر عينها جاثمة على الحكومة، المدركة أنها ربما تستمر في مهامها المنقوصة والمفتقرة إلى الصلاحية التنفيذية الشرعية، حتى الانتخابات النيابية المقبلة، ما دام الاستحقاق الرئاسي على رفّ انتظار التسويات الخارجية.