المصدر: النهار
الكاتب: د. رمزي أبو إسماعيل
الخميس 27 شباط 2025 11:38:31
لطالما كانت المقاومة قضية جوهرية في صراعات الأمم الباحثة عن الحرية والسيادة، لكن الدفاع عنها يجب ألا يتحوّل إلى تبرير لإلغاء التعددية أو رفض أي نقاش داخلي.
ما يقلقني في بعض الذين يدعمون "حزب الله" دون أن يكونوا جزءاً منه، تحت شعار مقاومة الاستعمار والتصدي للفوقية الغربية، هو أنهم لا يدركون أن ما يبقينا في حالة ضعف مستمر ليس القوى الخارجية وحسب، بل أيضاً غياب الحوار والتنوّع في الداخل.
يرى البعض أن الالتفاف حول أيّ قوة تتصدى للمشاريع الاستعمارية هو فعل بديهي لا يحتاج إلى نقاش، لكن هذه المقاربة تتجاهل أن المقاومة ليست مجرد سلاح موجّه ضد العدو، بل يجب أن تكون أيضاً مشروعاً مفتوحاً على النقاش والتطوير.
عندما تهيمن رؤية واحدة على المشهد، وتُختزل كل القضايا في خطاب أحادي، تفقد المجتمعات قدرتها على التطور وإنتاج حلول سياسية مستدامة. دعم أي فصيل سياسي أو عسكري يجب أن يكون موقفاً واعياً نابعاً من رؤية استراتيجية، وليس مجرد استجابة عاطفية لحالة غضب آنية. فمن دون مساحة للنقاش، تصبح الخيارات محدودة، وتتحول المواقف السياسية إلى ردود فعل مؤقتة بدلاً من أن تكون خطوات مدروسة نحو التغيير الحقيقي.
اللافت أن هذا النمط من التفكير لا يقتصر على "حزب الله" وحده، بل نجده متجذراً في مختلف التيارات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الشعوب، لكنه في الواقع يُعيد إنتاج نموذج الوصاية الفكرية.
حين يُطلب منك أن تصفق بلا مساءلة، وأن تؤمن برواية واحدة وكأنها حقيقة مطلقة، فأنت لا تسهم في التحرر، بل تكرّس نموذجاً سلطوياً آخر، حتى لو جاء مغلفاً بشعارات نبيلة. ما يدعو للتأمل أن كثيراً من الذين يصفقون لهذا النموذج قد يرفضون هذا الطرح بشدة، لا لأنهم وجدوا فيه خللاً، بل لأن التفاعل العاطفي بات جزءاً من طريقة اتخاذهم للقرارات.
وهكذا، بدلاً من تقييم الأفكار بعقلانية، يتحول النقاش إلى معركة إثبات ولاء لا أكثر. ربما يكون من المفيد لنا جميعاً أن نعيد التفكير في مواقفنا، ليس بهدف تبني وجهة نظر معينة، بل لضمان أن خياراتنا، مهما كانت، تصبّ في مصلحة بناء مجتمع أكثر توازناً واستقلالية.