المصدر: نداء الوطن
الكاتب: سامر زريق
الجمعة 18 نيسان 2025 06:49:36
فتح رئيس الجمهورية جوزاف عون الباب أمام دخول الدولة اللبنانية عصر ما بعد "حزب الله" وسلاحه كناظم سلبي للحياة السياسية. فمن خلال الطرح الذي قدمه في حواره مع صحيفة "العربي الجديد"، استطاع الرئيس عون نقل النقاش من إشكالية نزع السلاح إلى كيفية استيعاب مقاتلي "الحزب" الإلهي ضمن القوات المسلحة الشرعية، بعد خضوعهم لعملية "غسل أدمغة" تخرج الأدران "الولائية" و"المهداوية" وتسهّل دمجهم ضمن عجلة الدولة.
وبذلك، أكد رئيس الجمهورية التزامه الجدّي أمام المجتمعين العربي والدولي والشعب اللبناني بعملية إصلاح بنيان الدولة ووجدانها ضمن جدول زمني مضبوط على مواقيت التحولات السياسية، بدءاً من احتكارها السلاح والإمرة عليه على كافة الجغرافيا اللبنانية. بيد أنه في الوقت نفسه وجه سهماً جارحاً إلى الخطاب "العنتري" لـ "حزب الله"، بكشفه أن النقاش صار في مكان آخر يتجاوز مواقف نوابه وقادته التي تسعى إلى العبث بالوجدان الشيعي الجماهيري عبر حبكات وجدليات لغوية إزاء السلاح.
تداعيات هذا السهم أصابت الرواية الإيرانية، حيث أسهم تذكير الرئيس عون بتخلّي طهران عن أذرعها بلغة دبلوماسية راقية قوامها "الموقف الإيراني المتطوّر من الحوثيين والحشد الشعبي"، بتعرية الوهم الذي يحاول الملالي حقن أوردة "وحدة الساحات" به للإيحاء ببقائها على قيد الحياة، من خلال ترويج فرضية أن الملالي يعملون على إنقاذ رأس هذه المنظومة ضمن مفاوضاتهم مع أميركا، فيما هي خارج إطار المباحثات تماماً لأنها ببساطة ماتت، واعترفت طهران بموتها، إلا أن حِقن الوهم هذه تشكل جزءاً من عملية تنظيم مراسم الدفن بطريقة تحفظ ما تبقى من ماء وجه ونفوذ كل فرع.
هذا السهم المحكم أصاب "المورفين" الذي لطالما حُقنت به الأمتين العربية والإسلامية، بسنّتها وشيعتها، عبر خطاب يقدم السلاح بكل تنميقاته اللغوية وإرهصاته التمردية والفوضوية على حساب العقل ضمن ثنائية قديمة قدم التاريخ والوجود "العقل واليد"، حيث منهجية التفكير والآليات المنبثقة منه هي التي يجب أن تقود عملية توظيف السلاح نحو الكيانية وتحصيل الحقوق الطبيعية للشعوب والأفراد، وليس أن تصبح مهمة العقل اجتراح توريات فكرية لتبرير مقاتل السلاح والفتن والدماء الناجمتين عن استخدامه المتهور.
وهذا بالضبط ما استفزّ الملالي ودفعهم لاستنهاض بؤرة نفوذهم الأمضى في العراق من أجل افتعال أزمة دبلوماسية مع لبنان تحرف الأنظار عن مصاب السهم الرئاسي، حيث سارعت حكومة بغداد إلى استدعاء السفير اللبناني وإبلاغه احتجاجها على تصريحات الرئيس جوزاف عون بشأن "الحشد الشعبي"، رغم العلاقات المميزة التي تجمع البلدين والتي تطورت ضمن منظومة "وحدة الساحات" الإيرانية.
أعقبتها تصريحات رسمية تروم طمأنة قادة ومقاتلي التنظيمات المنضوية ضمن التشكيل الولائي الهوى العراقي الهوية، من خلال التذكير بأنه "مؤسسة حكومية وجزء من منظومة الدولة العراقية"، بالتزامن مع النقاش الدائر في بغداد حول الطريقة المُثلى لاحتواء الضغوط الأميركية الهائلة، والذي أفضى إلى انطلاق عملية تسليم سلاح بعض فصائل "الحشد" عبر تفاهمات تجرى توسعتها لإقناع باقي الزمر بسلوك الطريق عينه، من أجل ضمان الحفاظ على نفوذ إيران والقادة المقربين منها داخل أروقة الدولة العراقية.
لم يذكر الرئيس جوزاف عون "الحشد الشعبي" سوى في موضعين. الأول، حينما أشار إلى الموقف الإيراني المتطوّر منه، حيث المخاطب الرئيسي طهران نفسها. والثاني حينما سأله المحاور حول إمكانية استنساخ تجربة "الحشد" لقوننة "حزب الله" كفصيل ضمن منظومة الأمن الوطني اللبناني مع احتفاظه بهامش واسع من الاستقلالية في القرار والحركة، فكان جواب عون حاسماً وجازماً "لا حشد شعبي ولا وحدة مستقلة داخل الجيش".
وفي هذا الإطار، من المفيد العودة إلى تصريح لافت لقيس الخزعلي، الأمين العام لـ "عصائب أهل الحق"، أحد أبرز تشكيلات "الحشد الشعبي"، منذ أيام قليلة فقط، والذي كشف فيه عن وجود "ميليشيات منضوية ضمن الحشد قوامها آلاف المقاتلين الذين يتم تدريبهم وتمويلهم وإدارتهم بالكامل من قبل تركيا".
على قاعدة "وشهد شاهد من أهله"، فإن كلام الخزعلي يشكل توطئة لدمج هذه التشكيلات ضمن منظومة الأمن الوطني وفق الطريقة التي تناسب الخصوصيات العراقية، وفي الوقت نفسه يعزز من صوابية موقف الرئيس اللبناني لكي لا تفرز عملية نزع السلاح غير الشرعي في لبنان جيوباً داخل الدولة قابلة للاستثمار من أطراف خارجية. وهنا بالضبط تتجسد فلسفة "اتفاق الطائف" كناظم للحياة السياسية وضامن لانتهاء آخر فصول الحرب الأهلية وإرهاصاتها.