آخر الرجال المحترمين

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
ينتهي الفيلم برجل واحد هو المدرّس، أصرّ على العثور على البنت الصغيرة وأعادها إلى أهلها. هذا الفيلم اسمه “آخر الرجال المحترمين” وهو الوصف الذي يليق بالقاضي طارق البيطار.

رجل واحد يصارع وحيداً، أخطبوطاً متعدّد الأذرع والقوة والبأس، بسلاحٍ بدائي ولكن فولاذي. إنّه سلاح العدالة في وجه الجريمة، إنّها دمعة من بكوا ولا يزالون على أهلٍ وأحبّة سقطوا ضحية الغدر، عندما كانوا يعتقدون أنهم في منازلهم وشوارعهم آمنين، فإذا بإعصار النيترات، يسقطهم شهداء وجرحى، وإذا بالمستشفيات تصبح بحاجة للاستشفاء، وإذا بالمباني والمحال والأرصفة تتحول إلى كومةٍ من خراب.
رجل واحد يصارع كأنّ عائلته سقطت في تفجير المرفأ. كأنّه عاش رعب من يفتّش مجنوناً عن ابنه على الرصيف، فإذا عثر عليه بكى.
رجل واحد صامت صمت رهبة الارتقاء إلى محراب العدالة، وسكون المؤمن لأن على عاتقه مهمة مقدسة، لا يمكن العودة عنها، إلا إذا منعه المجرمون بالإلغاء الجسدي.
رجل واحد ارتضى أن لا يكلف في البداية بمهمة التحقيق، لكن فور تنحية زميله الخلوق، اختير للمهمّة على أملٍ ممّن اختاروه، أن يضعها في درج الانتظار، فقبلها مؤمناً بأنه اختير كي يقود التحقيق إلى الحقيقة، ويترجم الحقيقة إلى عدالة، ويبلسم جراح من ينتظرون العدالة.
رجل واحد، تجرّأ على القيام بتحقيق جدّيّ في قضية مصيرية. لم تكن هذه سابقته الأولى. لقد أصدر في تاريخ عمله قرارات قضائية تسجّل على سجلّ من ذهب. هو نفسه القاضي الذي غرّم طبيباً أخطأ بحق الطفلة إيلا طنوس، على الرغم من أنّه كان في مواجهة نقابة عريقة، لكنه أقفل كل الخطوط والضغوط واستمع إلى صوت الضمير والعدالة وأصدر الحكم.
لم تكن هذه سابقته الأولى، ففي سجلّه يصعب العثور على هفوة يمكن استغلالها للضغط عليه، وفي سلوكه عناد وصلابة وصوت خفيض، ينمّ عن تصميمٍ لا يمكن كسره.
رجل واحد كُبّلت يداه عندما اقترب التحقيق من الرؤوس الكبيرة، فإذا به يفاجئها، بخطواتٍ ثورية مستنداً إلى القانون وروح العدالة، وإلى صلاحيته كمحقّقٍ عدليّ، يفترض به بأسرع وقت أن يحضّر قراره الاتهامي لإحالته إلى المجلس العدلي، حتى تكشف الحقيقة ويجرّم المجرمون بما اقترفت أيديهم.
رجل واحد، إذا نجح بعبور نفق الذئاب، يكون قد نجح بالعبور مع وطن بكامله إلى مرحلة مختلفة، أما إذا نجحوا في افتراسه، فيكون الوطن قد استمرّ في مأساة انتظار شروق الشمس.
رجل واحد تنطبق عليه صفة بطل فيلم عربي. البطل يعمل مدرّساً، وتدور القصة حول فقدان تلميذة طفلة في رحلة مدرسية كان هو المسؤول عنها. يقلب المدرّس الدنيا ويتصل بوزير الداخلية، ويعتبره المسؤولون مجنوناً ويسخرون منه ويحبطونه، لأنه أقام الدنيا ولم يقعدها، لأنّ فتاةً ضاعت في حين يضيع أو يختطف يومياً عشرات الأطفال.
ينتهي الفيلم برجل واحد هو المدرّس، أصرّ على العثور على البنت الصغيرة وأعادها إلى أهلها. هذا الفيلم اسمه “آخر الرجال المحترمين” وهو الوصف الذي يليق بالقاضي طارق البيطار.