خسائر حزب الله في الحرب

هل يجب انتظار انتهاء فترة الستين يوماً التي حددها وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله لتحديد حجم الخسائر التي مُنِيَ بها حزب الله بعد اكثر من سنة من العمليات العسكرية المتصاعدة، والتي اظهرت منذ البداية مدى انكشاف الحزب عسكرياً وامنياً امام قدرات اسرائيل النارية والاستخباراتية.
الى جانب القدرات الجوية والبرية التي استعملتها اسرائيل لضرب البنى العسكرية الاساسية لحزب الله في الجنوب أو في البقاع وضاحية بيروت، وصولاً الى عمق الاراضي السورية، فقد نجحت قواتها البرية في تحقيق اختراقات محدودة على طول الخط الازرق ما يقارب سبعين بلدة وقرية لبنانية، ولا يمكن قياس الخسائر الميدانية، التي اصابت الجانب اللبناني بعدد القرى او عمق الاختراق بل باحتساب الخسائر بالارواح بين اللبنانيين، وبحجم الخسائر العمرانية التي اصيبت بها مناطق العمليات، بعد ان لجأت اسرائيل الى اعتماد التدمير الممنهج، وذلك من خلال اعتمادها سياسة الارض المحروقة بهدف الاختصاص من بيئة حزب الله، وتوسيع الفجوة ما بين الحزب وهذه البيئة، خصوصاً من خلال تضخيم ارقام وحجم التعويضات المطلوبة، بالاضافة الى حجم نفقات اعادة الاعمار، والتي باتت تقدر باربعة مليارات دولار على الاقل.
في رأينا لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن هذه الخسائر المباشرة للعمليات العسكرية، بل لا بد من تقييم الخسائر الاستراتيجية والسياسية التي تكبدها الحزب ومحورالممانعة، في هذه الحرب، وذلك على ضوء ما رمى اليه رئيس وزراء اسرائيل من خلال قوله بتغيير واقع الجيوبوليتيك في منطقة الشرق الاوسط، والذي اكدته العمليات التي قادتها اسرائيل على المستوى الاقليمي، وامتدادها لتبلغ العمق الاستراتيجي الايراني، بالاضافة الى الجبهة اليمنية والتي تبعد عن اسرائيل ما يزيد على 2000كلم.
تتحدث المصادر الاميركية القريبة من ادارة ترامب عن نتائج المواجهة بين اسرائيل وايران عن مدى تأثيرها على القدرات الاستراتيجية الايرانية، وذلك بعد ان فشلت مئات الصواريخ والمسيَّرات الايرانية في بلوغ اهدافها، وبالتالي فشلها في اصابة أيٍّ من الاهداف الحيوية داخل الاراضي الاسرائيلية. وتعتبر هذه المصادرالاميركية بأن اسرائيل في غاراتها الجوية داخل ايران قد دمّرت الدفاعات الجوية الايرانية، وبأن حجم الخسائر يقدّر بتسعين في المائة من هذه الدفاعات.
لكن يبقى الضرر الاستراتيجي الابرز بالنسبة لإيران متمثلاً بنجاح اسرائيل في تفكيك وحدة الجبهات التي سعت اليها ايران واذرعتها، والتي اعتبرت طهران بأنها كفيلة بتشتيت الدفاعات الاسرائيلية، وبإضعاف اسرائيل لدرجة تهديد كامل كيانها.
تضيف المصادر الاميركية نفسها، بأن العمليات الاسرائيلية الجوية قد نجحت في تدمير اجزاء كبرى من منشآت ايران الصاروخية، بالاضافة الى بعض منشآت الطاقة الاساسية، لكن يبقى من المؤكد بأن اسرائيل لم تستهدف المنشآت النووية الايرانية، والتي يبدو بأنها لا تملك منفردة القدرات اللازمة لتدميرها، انطلاقاً من انتشارها الواسع على كل الاراضي الايرانية، بالاضافة الى ان عددها يتعدى 50 منشأة نووية تستدعي مثل هذه المهمة الكبيرة والمعقدة ان تنجح اسرائيل في اقناع الولايات المتحدة للمشاركة بهذه العملية الكبرى. ومن المتوقع ان تضاعف حكومة اسرائيل جهودها لاقناع ادارة ترامب للمشاركة في مثل هذه العملية في المستقبل القريب.
في العودة الى تقييم نتائج الحرب على حزب الله، فإن ادعاء الشيخ نعيم قاسم الامين العام الجديد بأن الحزب قد حقق انتصاراً كبيراً لن يغيّر في حجم وقيمة الخسائر الفعلية، والتي لا يمكن تعويضها في المستقبل، بعد التطورات التي حدثت في سوريا وسقوط حكم بشار الاسد، والذي ادى الى خروج ايران من سوريا، والى غير رجعة.

من النتائج المباشرة لسقوط حكم الاسد وخروج ايران من سوريا، قطع طريق التموين بالسلاح وبالمساعدات المالية النقدية التي كانت تصل للحزب عن طريق الحدود العراقية - السورية.

لا يمكن تجاهل امتلاك اسرائيل لليد العليا في المواجهة مستقبلاً من خلال اشتراطها في اتفاقية وقف النار في الجنوب بالاحتفاظ بحرية العمل العسكري ضد الحزب في لبنان وبشكل استنسابي، ودون ضوابط يمكن ان تفرضها لجنة الرقابة الدولية التي انشئت حديثاً.

لا بد من التوسع في تقييم نتائج الحرب لتشمل المجالين الاستراتيجي والسياسي، على الصعيد الاستراتيجي فقد خسر الحزب شريكه الاساسي بشار الاسد، والذي كان يؤمن له الى جانب طرق التموين العمق الجغرافي اللازم لقاعدته اللوجستية والدعم العسكري والسياسي على المستوى الاقليمي، يضاف الى ذلك إضعاف المقاومة الفلسطينية من خلال تدمير حماس وقطاع غزة بالكامل، مع تحييد قوات الحشد الشعبي العراقية تحت ضغط التهديدات الاسرائيلية والاميركية، مما اجبر الحكومة العراقية الدعوة لوضع كل الفصائل المسلحة المقرَّبة من ايران تحت سلطة الحكومة.

اما على صعيد الخسائر السياسية فإنه ما زال من المبكّر احصاؤها وذلك بانتظار تشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام. والتي بات لزاماً عليها التقيّد بأولويات العهد والتي وردت بشكل صريح وواضح في خطاب القسم للرئيس جوزاف عون، وابرزها الوعد بحصرية السلاح في يد الدولة، والتي تعني البحث عن حل تنظيم الحزب العسكري، ليتحوّل الى حزب سياسي كبقية الاحزاب.

في النهاية لقد خسر الحزب موقعه المميز سواء كقوة سياسية ومكانته كدويلة، داخل الدولة، ليتحوّل الى فريق سياسي يمثل جزءاً من الطائفة الشيعية، بعد سقوط جميع تحالفاته السابقة.