خشية من اللفلفة: حكم مُسبق صدر ليلة الإنفجار يتحدّث عن الإهمال ونقطة على السطر!

فيما ينهمك البعض بالتنعّم بانتصارات مُضحِكَة، تتعلّق بما سُمّي إسقاط "المؤامرات"، بدلاً من التفكير في ما سيكون عليه حاله في ما لو تجوّل بين الناس في إحدى المناطق المنكوبة بعد انفجار مرفأ بيروت، نؤكّد وجوب الإستماع الى هدير الأساطيل القادمة الى المنطقة، ودخول مكتب التحقيقات الفيديرالي (FBI) على خط المشاركة في التحقيقات التي يُجريها القضاء اللّبناني في انفجار المرفأ، الى جانب محقّقين دوليّين آخرين.

فالأمور لم تَعُد تقتصر على صراعات أميركية - إيرانية تقليدية. واعتبار تركيا أن هناك "أهدافاً إستعمارية" لفرنسا في لبنان، ليس عادياً، خصوصاً أن مطالبة الشارع اللّبناني بعودة الإنتداب جعلت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يضحك، ويدعو الى العمل على دولة لبنانية مستقلّة، فيما أي مطالبة لبنانية بعودة الإحتلال العثماني كانت ستدفع أنقرة - أردوغان الى إرسال جيشها الى لبنان، بحجّة أن هذا هو مطلب الشّعب اللّبناني.

لبنان الجديد يُرسَم بملفات محلية، ذات أبعاد إقليمية - دولية كبيرة، وتحديداً التحقيق في أسباب انفجار المرفأ، وترسيم الحدود، ومستقبل صواريخ "حزب الله"، ومصير المناطق الإقتصادية الخالصة.

 

قمّة صراع

شدّد مصدر مُطَّلِع على أن "لبنان دخل رسمياً قمّة صراع الاستراتيجيات السياسية والإقتصادية والعسكرية والإستخباراتية الكبيرة في المنطقة، التي لم تَعُد تقتصر على الصّراع الأميركي - الإيراني، بل تعدّته الى صراع فرنسي - أوروبي مع تركيا، وهو ما يعني أن أمن إسرائيل في الشرق الأوسط، وموقف واشنطن وطهران منه، لم يَعُد يتحكّم بالمنطقة لوحده".

وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى "تحرّكات ذات طابع استراتيجي كبير جدّاً تبدأ من الخليج، وتمرّ باليمن صعوداً الى الشواطىء الشرقية للبحر المتوسّط، وتصل الى شمال أفريقيا، وليبيا والمغرب العربي، وهي (تحرّكات) بوجه سياسي، ولكنّها ترتبط بمصادر الطاقة، وهو ما يزيد البُعد الاستراتيجي للصّراع".

ولفت الى أن "ترتيب الوضع اللّبناني، وإعادة الإعمار بعد انفجار مرفأ بيروت، ترتبط كلّها بالإتّفاقات والصّراعات حول السيطرة على منابع الطاقة الموجودة في المنطقة، وباستثمار المناطق الإقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، وتوزيع ثروات الغاز التي تربط الشرق الأوسط بأوروبا. ولبنان يشكّل جزءاً أساسياً في هذا الصراع الكبير، وهو ما يتسبّب بالزيارات الدولية الكثيرة في الآونة الأخيرة".

 

اتّفاق جديد

وتمنى المصدر أن "تُسفِر الحركة الدولية عن إيجابيات تضع لبنان في إطار اتّفاق سياسي جديد ترعاه الدول الكبيرة أو الأمم المتحدة. وهنا لا نتحدّث عن تدويل، بل عن اتّفاقات تخلّص لبنان، وتلبّي تطلّعات شعبه في محاربة الفساد، وتصحيح وضع المؤسّسات والإدارات والمصارف اللّبنانية، ومصرف لبنان، ومتابعة التدقيق الجنائي المالي الذي قرّرته الحكومة".

وختم:"التلاقي والتنافُر الدولي، على أكثر من صعيد، وفي أكثر من ملف، يمنع تحييد لبنان انطلاقاً من ارتباطه بالعالم العربي، وبالصّراع مع إسرائيل. ولذلك، لا بدّ من توفّر إرادة لبنانية واحدة تتّفق على العمل على الملفات الإقتصادية والمالية والإجتماعية، وتترك الملفات السياسية للتسويات أو الإتفاقات الكبرى".

 

الحوت

من جهته، رأى النائب السابق عماد الحوت "أننا ندفع ثمن ربط لبنان بكل النزاعات الإقليمية والدولية، وأصبحنا حالياً في قمة فضاء التفاوُض الأميركي - الإيراني، على مقرُبة من الإنتخابات الرئاسية الأميركية، الذي سيمتدّ الى المدّة التي تليها".

وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "من هذا المنطلق، حجم الضغوط من قِبَل كلّ الأطراف في لبنان ستكون مرتفعة جدّاً لتحسين شروط تفاوضهم، على المستوى اللّبناني. وستحمل الأيام القادمة مزيداً من الضّغوط المُتبادَلَة، وصولاً الى تحسين شروط التفاوُض النهائي الذي سيحصل بعد الإنتخابات الأميركية".

 

مرفأ بيروت

وعن رأيه بإمكانية أن يتسبّب التحقيق في أسباب انفجار مرفأ بيروت الى أزمة إقليمية، نظراً الى التجاذُب الكبير حول هذا الملفّ، أجاب الحوت:"أكثر ما يُخشى هو أن ندخل في مرحلة لفْلَفَة القضية وحرفها عن مسارها الصحيح، لا سيّما أن حكماً مُسبقاً صدر منذ ليلة وقوع الإنفجار، يتحدّث عن الإهمال حصراً، ونقطة على السطر، مع أنه يُفتَرَض بأي تحقيق أن يأخذ كل الإحتمالات في الاعتبار، بما فيها الإهمال".

وختم:"هذا يعني أنه توجد نيّة مبيّتة للَمْلَمَة هذا التحقيق، والوصول به الى نتيجة عامة ومُبهَمَة، تجهّل السبب والمسبّب الحقيقي لحصوله".