خطاب نصرالله تحت السقف... المساندة أبعد من غزة ولبنان في "عين العاصفة"

ليس من المبالغة القول ان السيد حسن نصرالله اطل امس على جماهيره والمحور الذي يؤيده وكل من يهمه الامر في الداخل والخارج، بدءا من اسرائيل، في مشهدية تقول ان "حزب الله" يخوض اصعب حرب له واخطرها منذ تأسيسه عام 1982 الى اليوم، على وقع كل هذا الكم من الجنون الذي يعبر عنه بنيامين نتنياهو والشريحة الكبرى من الاسرائيليين الذين لم يعرفوا هذا النوع من اخطار مناوئيهم منذ نشأة كيانهم عام 1948.

ويطلق نصرالله مواقفه وتهديداته مع اعترافه بخسارة ركن عسكري اساسي يمثله فؤاد شكر، المقاتل العتيق، في لحظة لم تعد فيها مساحة الاشتباك المفتوح بين اسرائيل ومحور الممانعة على مساحة حدود الاقليم فحسب، بل امتد شعاعها الى طهران بعد اغتيال الرقم واحد في حركة "حماس" اسماعيل هنية واستهداف الطيران الاسرائيلي ارض اليمن وموانئها البحرية.



وفي خضم كل هذه التطورات وخطابات الاستنفار المتبادلة بين طرفي الصراع، بات من المؤكد ان بنيامين نتنياهو عاد من واشنطن اكثر قوة وصلابة بعد القاء كلمته في الكونغرس، حيث حصل بحسب مرجع لبناني على تواصل مفتوح مع جهات ديبلوماسية غربية رفيعة ، على " ضوء أخضر" من الادارة الاميركية التي لم تمانع في تنفيذ جيشه واجهزة استخباراته عمليات دقيقة و"مؤلمة" رغم طلب الرئيس جو بايدن منه عدم فتح حرب شاملة ضد خصومه، ولكن من دون الحصول على اي ضمانات من رئيس الحكومة الاسرائيلية التي تعمل على وقع جملة من الضغوط من شعبها ولا سيما من طرف المستوطنين الذين غادروا الشمال.


وفي موازة كل ذلك لم يكن مستغربا ان يكون خطاب نصرالله محل متابعة عند من يلتقي معه من اللبنانيين ومن يخالفه الرأي، وفي عداد الفئة الثانية النائب السابق فارس سعيد الذي يقول ان السيد نصرالله يتعاطى برصانة حيال ما حصل في الضاحية الجنوبية وصولا الى طهران، "ولم نسمع منه كما يقال بالعامية اي بهورة، بل سمعنا انه سيرد . وان هذا الرد سينقل مرتبة المعركة من مكان الى مكان اخر حيث لم تعد مسألة مساندة انما اصبحت حربا منسقة على كل الجبهات، وبالتالي ان اغتيال فؤاد شكر واسماعيل هنية نقل المعركة الى وجهة اخرى وفتح الابواب على كل الاحتمالات في المنطقة. وانا كلبناني عندما اسمع هذا الكلام فهو يرعبني ويضع لبنان مرة جديدة في عين العاصفة. فمن خلال موقع حزب الله الاقليمي في هذه المعركة اصبح كل لبنان مساحة للاخطار والتهديدات الاسرائيلية. وليس هناك في كلام نصرالله قوى سياسة اخرى خارج حزب الله، وقد مر عيد الجيش مرور الكرام . الدولة في حالة انحلال والقوى السياسية الاخرى تتنافس وتتخبط في محلياتها، والسيد نصرالله نبه الجميع الى ان لبنان في عين العاصفة".



ماذا كنت تتوقع منه غير هذا الموقف المنسجم مع أدبياته؟
يرد سعيد: "هذا هو موقفه طبعا، واضاف الى سرديته الكلاسيكية موقف ايران ودخولها اكثر في البعد الاقليم، وهذا أمر خطير جدا. وعندما يقول نصرالله ان ايران اهينت بشرفها وليس بهيبتها وسترد على هذا التحدي والاعتداء، فنحن في مرحلة جديدة تخطت معركة المساندة، الى مرتبة الحرب".


في مقابل كلام سعيد يعتبر الباحث السياسي الدكتور طلال عتريسي ان المعركة باتت تتجاوز غزة "واصبحت المواجهة على مستوى الاقليم".
ماذا يرتب هذا التطور على الحزب؟ يقول:" لم يعد الرد اسنادا لغزة واصبحت مساحته أوسع على احتمالات مفتوحة. ولا نرى اننا اقتربنا من الحرب الكبرى مع ملاحظة قول السيد نصرالله ان الحزب يدرس كيف سيكون الرد مؤلما ومدروسا ، اي انه لن يضرب بطريقة غير منظمة. وتلميحه الى ان الاسرائيلي استهدف مدنيين وقتل اطفالا ونساء في الضاحية الجنوبية لبيروت هو تبرير لرد مماثل ومتناسب".



ويبقى من لا يلتقي مع سياسة الحزب ومساندته للفلسطينيين في غزة وحتى في صفوف الذين يقفون في الوسط بين الجبهتين المنقسمتين في لبنان على المستوى الشعبي، وقد اخذوا يقولون ان الشارع اللبناني يزداد انقساما حيال الخيارات التي يسلكها الحزب في مشهد لا يشبه مناخات عدوان اسرائيل في تموز 2006. واخذت بالفعل اصوات تصدر وتعبر من دون قفازات عن ان جبهة الاسناد التي فتحها الحزب لم تحقق المطلوب. لا بل يزيد هذا الفريق ويقول ان " عبء التحرير" وتقديم كل هذا الدعم للفلسطينيين يأتي على حساب اللبنانيين الذين لم يقصروا ولم يبخلوا في دعم قضيتهم منذ عقود عدة. وان هؤلاء يقولون للحزب "لماذا ندخل في هذه الورطة" على اساس ان جبهة الاسناد لن تتخطى حدود مساحات من اسرائيل في وقت وصلت فيه ردود الاخيرة الى طهران والحديدة في اليمن فضلا عن سوريا والعراق.

ولا يؤيد بالطبع هذه الخلاصة الاخيرة جمهور الحزب من الشيعة وغيرهم جراء وجهات النظر المتناقضة في الاصل بين اللبنانيين.
كذلك لا ينكر من ينتقد "حزب الله" حتى من ضفة "الموضوعيين" ان الاخير يقلق اسرائيل من جبهة اسناده واحداثه كل هذه البلبلة من التهديدات في مجتمعها ومؤسساتها الامنية والعسكرية، مع فارق ان الاخيرة تخوض اليوم " معركة وجود" وان كلاما من هذا النوع ليس تبريرا لجرائمها واخطارها في الاراضي الفلسطينية والمنطقة.
ويبقى ان خطاب نصرالله ظل تحت السقف من دون ان يتخلى عن ثوابته.