المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الخميس 27 شباط 2025 07:21:45
بين الفينة والأخرى يعيد سياسيون وإعلاميون نفض غبار النسيان والإهمال عن خطة "ماكينزي"، التي وافق مجلس الوزراء أواخر عام 2017 مع وزير الاقتصاد والتجارة يومها رائد خوري على إبرام عقد مع الشركة الاستشارية لـ"وضع إطار عملي لرؤية لبنان الإقتصادية لخمس سنوات".
حينها كانت غالبية المعطيات المالية والاقتصادية تشي بأن البلاد "مش بخير" وذاهبة نحو مأزق مالي واقتصادي، ما لم يسارع المسؤولون إلى فهم المأزق، ومباشرة المعالجة الجدية واستباق الانهيار الذي كانت بوادره تلوح في أفق الاقتصاد الوطني. أمام هذا الواقع، وضعت "ماكينزي" خطتها تحت مسمى "رؤية لبنان الاقتصادية" في دراسة من ثمانية فصول، في 383 صفحة، ضمت أبوابا متعددة لمعالجة معظم مشاكل القطاعات الاقتصادية والمالية.
رسمت الخطة خريطة علمية، يمكن الحكومة إذا اعتمدتها في السنوات الخمس التالية أن تبعد عن لبنان شر انهيار محتوم. بيد أن الحسابات السياسية والصراعات الحكومية تركت الخطة في خانة النسيان.
لم تسقط الخطة في مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي، لأنها لم تعرض على كليهما (علما أنها رفعت إلى مجلس الوزراء في نيسان/أبريل 2019)، بل أسقطت على يد من بيدهم قرار إصدار اللازم من المراسيم والقرارات التنفيذية والاشتراعية للسير بها.
أطلقت عليها النيران بالجملة والمفرق، بدءا من انتقاد كلفتها (1.5 مليون دولار) المتواضعة نسبيا أمام الهدر الذي كان يمارس، وصولا إلى اعتبارها أكاديمية بحتة، وكأن المطلوب الإتيان بخطة صناعة محلية مئة في المئة، تراعي مصالح الطبقة الحاكمة بشقيها السياسي والمالي.
شوّه النكد السياسي سمعة الخطة، وأتى الانهيار الشامل في تشرين الاول/ أكتوبر 2019 ليدفن محتواها ومسيرتها، وراح واضعوها يتحسرون على مصيرها، ويأسفون للإمعان في إهمال مارسته الحكومات المتعاقبة.
الخطة لا تزال صالحة؟
العودة إلى "رؤية لبنان الاقتصادية" أو "الاسم الحركي" "خطة ماكينزي" من وقت إلى آـخر، يستدعي سؤالا آخر: هل لا تزال خطة موضوعة منذ 8 أعوام، صالحة للتطبيق بعد التطورات المالية والاقتصادية، إضافة إلى تطورات الحرب الإسرائيلية على لبنان؟ وهل في أبوابها وبين طياتها الدواء الناجع لاقتصاد تهاوت قطاعاته بالجملة، وفقدت البلاد ثقة المستثمرين والمغتربين، وأصبح ما بين 70 إلى 75% من اللبنانيين تحت خط الفقر أو على تماس معه؟
لا ضرورة لخطط جديدة
رئيس لجنة الاقتصاد النائب فريد البستاني يؤكد لـ"النهار" أن الخطة بخطوطها العريضة لا تزال صالحة، "إلا أن التطورات التي حصلت بعد الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان بدّلت الكثير من الواقع الذي كان سائدا عند إعدادها. وتاليا، ثمة الكثير من التغيرات وخصوصا المالية منها يجب أن تؤخذ في الاعتبار. ولكن على الرغم من هذه التطورات، يصرّ البستاني على أن "لا ضرورة لإعداد خطط جديدة، وما نحتاج إليه فقط هو تحديث خطة ماكينزي".
وإذ يشير إلى اقتراح القانون لحماية الودائع والذي أعلن عنه الأسبوع الماضي، يلفت إلى أن استرداد الودائع وإعادة هيكلة المصارف والخطة المالية يجب أن تطرح في سياق واحد، وهو ما يجب أن تلحظه تعديلات خطة "ماكينزي". والمتغير الآخر الذي يركز عليه أيضا، يتعلق بقطاع الاتصالات الذي شهد تطورات كبيرة في الأعوام الأخيرة، وخصوصا ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تطورات إدراج لبنان على اللائحة الرمادية. عدا عن أن الخطة وُضعت قبل تعثر الدولة عن سداد ديونها (اليوربوندز)، وهو واقع أصبح مفروضا ويجب أن يؤخذ في الاعتبار. والأهم هو إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان وما خلفته من آثار مدمرة على القطاعات الاقتصادية في الجنوب وخصوصا القطاع الزراعي. هذه التطورات وفق البستاني يجب إدراجها في تعديلات الخطة، "وخصوصا أن التقديرات تشير إلى أن الكلفة تقدر بنحو 15 مليار دولار حدا أدنى، علما أن الخطة كانت تشير إلى ضرورة تكبير حجم الناتج المحلي من 20 إلى 50 مليار دولار".
أمام هذه التطورات السلبية، لا ينفي بستاني بروز إيجابيات خارجية، منها الانفتاح العربي على الأسواق اللبنانية، وتغيير الحكم في سوريا.
إلى ذلك، تعتبر مصادر اقتصادية أن "الخطة لم تعد تصلح كما هي، لكونها معدّة لفترة معينة، وقد انقضت الفترة قبل البدء بتنفيذها، وتاليا من الأفضل إعادة النظر فيها".
وتؤكد أن "من يعدّ الخطط هو الحكومة والوزارات بكادرها الوظيفي ومؤسساتها التي تمسك بمفاصل الدولة، وليس لجنة الاقتصاد التي تراقب تنفيذ الخطط الموضوعة".
هذا الأمر يؤكده أيضا البستاني، ولكن "عندما وجدت اللجنة أنه لم يتم الاتفاق على أي خطة، قررت في وقت سابق إعطاء أفكار وآفاق لرؤية اقتصادية والاستعانة بخطة ماكنزي التي تم وضعها عام 2017، وعقدنا في مرحلة أولى اجتماعات مع المصرف المركزي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وعدد من الخبراء الاقتصاديين. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة كان يفترض وضع مسودة لهذه الخطة، وصولا إلى المرحلة الثانية التي تكون لنا فيها شراكة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والسفارة الأميركية وكل الفاعليات الأجنبية التي لها تأثير على صندوق النقد الدولي. ولكن اللجنة توقفت عن الاجتماع بسبب الحرب وإقفال أبواب مجلس النواب قبل فترة انتخاب رئيس الجمهورية.
خطة للهيئات الاقتصادية
توازيا، يؤكد رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير أن على الحكومة الجديدة اختصار الوقت واعتماد خطة "ماكينزي" مع إضافة تعديلات جوهورية عليها وفقا للتطورات التي حصلت في لبنان، وخصوصا بالنسبة إلى القطاعات الاقتصادية. ويقول إن "الهيئات أعدت خطة إصلاحية اقتصادية سيتم نشرها قريبا، تتماهى مع خطة ماكينزي للنهوض بالبلاد ووضعها على السكة السليمة".