خلاصة مشاورات صندوق النقد الدولي: لا برنامج الآن مع لبنان

أيام قليلة من المشاورات التي أجرتها بعثة صندوق النقد الدولي في بيروت مع المسؤولين لتبيان أن رزمة "الإنجازات" المتفاخر بتحقيقها لم تكن كافية لإقناع البعثة بأن الإجراءات المتخذة أو التي ستُتخذ ولا سيما في مشروعي موازنة 2026 وقانون الفجوة المالية كفيلة بتحقيق الشروط الدولية المطلوبة المؤدية إلى توقيع الاتفاق مع الصندوق. وكان بيان البعثة في ختام محادثاتها واضحاً في هذا الشأن ولم يترك مجالاً للتأويل أو الاستنساب، تماماً كما كان تصريح وزير المال ياسين جابر الذي كشف أن لبنان لم يصل بعد إلى مرحلة أن يكون هناك اتفاق نهائي على برنامج رغم التقدم المحقق، مشيراً في كلامه إلى النقاط العائقة لذلك وتكمن في قانون الفجوة المالية والملاحظات التي أوردها الصندوق على قانون إعادة تنظيم المصارف، وزيادة الإيرادات حيث كان للبعثة انتقاد لوقف العمل بالرسم على المحروقات الذي حرم الخزينة من مورد مهم كان يهدف إلى إعطاء منح للعسكريين.

 

ويكشف جابر أنه بخلاصة المشاورات، وعد لبنان بإعداد ملحق بقانون إعادة تنظيم المصارف وهو جزء من القانون الذي ينظم توزيع الخسائر وفق تراتبية تبدأ بالمصارف وتنتهي بالمودعين. ولم يغفل جابر تحديد موقفه من مسألة دين الدولة لدى المصرف المركزي، البالغ ١٦،٥ مليار دولار، وهو كان محوراً أساسياً أيضاً في المحادثات نظراً إلى التباين حوله بين المركزي والوزارة مدعومة في وجهة نظرها من الصندوق، إذ يتمسك جابر بمبدأ أن الدولة لا يمكن أن تستدين من دون قانون صادر عن المجلس النيابي، وقرن موقفه بإبداء الاستعداد للمساعدة في رسملة المركزي ولكن من دون الإعلان عن الآلية لتحقيق ذلك.

وما قاله جابر يشكل خلاصة لما قاله رئيس البعثة راميريز ريغو في بيان ختامي حرص على أن يكون علنياً لا عبر جلسة مع الإعلام كما كان مرتقباً. وهو لم يسقط من بيانه إشارته إلى "قدرة الاقتصاد اللبناني التي أظهرها على الصمود رغم التحديات الهائلة للصراع الاقليمي أو الانتعاشة الجزئية بفضل السياحة"، متوقفاً عند "تشدد السلطات في سياساتها النقدية والمالية ونجاحها في مراكمة الاحتياطات وتحقيق فائض مالي بسيط والتقدم في تعيين الهيئات الناظمة وتعزيز العمليات الرقمية في مجال الامتثال الضريبي"، إلا أنه لم يخفِ القول إن "استعادة النموّ تتطلب تنفيذ إصلاحات طموحة وشاملة للتصدّي لمواطن الضعف الهيكلية، المطلوبة للحصول على الدعم الدولي اللازم لمساعدة البلاد في إعادة بناء الاقتصاد وإعمار المناطق التي دمّرتها الحرب"، وهنا بيت القصيد من كل الكلام عن إيجابيات وتوقعات يُفترض أن ترافق عمل لبنان مع الصندوق في المرحلة المقبلة المشروطة في شكل واضح وصريح بأن لا دعم ولا برنامج قبل إنجاز الإصلاحات.

ولا يختلف هنا موقف الصندوق عن الموقف الدولي عموماً والأميركي خصوصاً حيال الدعم وأي مؤتمر مزمع عقده، ويحتاج إلى موافقة وحضور الصندوق الذي يعود إليه تنفيذ البرنامج مع لبنان لأنه بات واضحاً منذ البداية أن لا دعم مالياً دولياً من خارج إطار الصندوق.

لم يقف الصندوق فقط عند تأخر لبنان في إنجاز قانون الفجوة المالية بل عاد باعتراضات على قانون إصلاح المصارف وطالب بتعديلات، كما فعل إقرار التعديلات على قانون السرية المصرفية التي جاءت بقلم الصندوق. والمشهد يتكرر اليوم لأن الصندوق لا يرى أن القانون بصيغته المقرة يلاقي المعايير الدولية وفعالية إعادة هيكلة المصارف واعتبارات حماية صغار المودعين واستدامة القدرة على تحمّل الدين العام. وإن كان هذا ما قاله ريغو علناً فإن الملاحظات تذهب أبعد بالإعراب عن الامتعاض لعدم تبنّي الملاحظات الأساسية المتصلة بعمل الهيئة المصرفية العليا وصلاحياتها وصلاحيات لجنة الرقابة على المصارف. وكانت الملاحظات واضحة على مشروع موازنة ٢٠٢٦ التي توقع الصندوق أن يكون نهجها أكثر طموحاً ولا سيما على جانب الإيرادات والنفقات وإصلاح السياسة الضريبية والشفافية ولا سيما حيال العقود الممولة من الخارج. ويخلص ريغو إلى دعوة الحكومة إلى تطبيق إطار مالية عامة طموح متوسط الأجل كشرط ضروري لوضع استراتيجية ذات مصداقية لاستعادة الاستدامة المالية والقدرة على تحمّل الدين.

لا تبدو الأيام القليلة المقبلة الفاصلة عن موعد الاجتماعات السنوية للصندوق كافية أمام لبنان لاتخاذ أي خطوة كفيلة بدفع النقاشات والمشاورات المقبلة قدماً، إلا إذا نجحت الحكومة في إحالة التعديلات المطلوبة على قانون إصلاح المصارف ومشروع قانون الفجوة المالية إلى البرلمان، بالتزامن مع بدء لجنة المال درسها لمشروع قانون الموازنة، وإلا فإن لبنان سيسمع المزيد من الطلبات التي تُبقي أي إمكانية لتوقيع البرنامج رهينة الوضع السياسي والشروط السياسية لواشنطن!