خِلافة رياض سلامة... خلافاتٌ سياسية وقانونية

تعيينُ حاكم جديد لمصرف لبنان بدلاً من الحالي رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في يوليو المقبل، أصبح ملفاً أساسياً لا يقلّ أهميةً عن استحقاق رئاسة الجمهورية الذي تَحَرَّكَ على نار خافتة في المدة الأخيرة بفعل الحوارات الإقليمية.

حتى الأسابيع الأخيرة كان موضوع التمديد لسلامة ما زال مطروحاً في بعض الدوائر السياسية المحلية والخارجية. إلا أن التحقيق الأوروبي حول ملفاتٍ مالية يُشتبه بتورط حاكم المركزي فيها وَضَعَ سقفاً خارجياً، كان الاعتقاد حتى الأيام الأخيرة، انه لا يمكن لأي من دوائر القرار تخطيه، بالتمديد له، بفعل ما سيرتّبه ذلك من ردود فعل أوروبية ولبنانية.
لكن مصادر لبنانية نقلت عن سفراء أوروبيين في بيروت أن التمديد لسلامة ما زال وارداً لكن لمدة ستة أشهر فقط، نظراً إلى تَعَذُّر الإتفاق اللبناني على مرحلة ما بعده، علماً ان إيحاءاتٍ أميركيةً في بيروت تحدثت عن حتمية إنهاء سلامة لولايته من دون التمديد له.

وتستند المصادر نفسها إلى ان لا أفق قانونياً أو سياسياً يجعل من الممكن الإتفاق على مَخْرج يُنْهي ولاية سلامة بتعيينِ بديلٍ له، وهو الأمر الذي بدأ يصبح محور حوار حقيقي ولكن بخطوات أولية بين القيادات المسيحية. فموقع الحاكم مارونيّ، وتالياً كانت الحجة أن صلاحيات الحاكم تنتقل إلى نائبه الأول وهو منصب شيعي، يتولاه حالياً القانوني وسيم منصوري وهو شخصية تتمتع بمواصفات أخلاقية وكفاءات عالية.

لكن منصوري رفض أن تؤول إليه صلاحيات الحاكم كما ان رئيس البرلمان نبيه بري أعلن انه طلب منه عدم تولي المنصب، فانتفت بذلك ذريعة شغور موقع ماروني وتجييره لشخصية شيعية. علماً ان تعيين مدير عام للأمن العام بالإنابة هو العميد الياس البيسري (ماروني) بدلاً من (الشيعي) اللواء عباس ابراهيم فُسر خطأً حينها على أنه مقدمة ليحل شيعيّ محل مارونيّ في المصرف المركزي. إلا أن الثنائي الشيعي، حزب الله بري تَدارَكَ حمْل كرة النار المالية، في ظل وجود وزير للمال من حصة الثنائي أيضاً، وهو ما من ِشأنه أن يجعل الملف المالي المتفجّر في حضنه.

تشوب تعيين خلَف لسلامة عوائق قانونية وسياسية. في القانون ما زال الإجتهاد سيد مواقف القانونيين المنقسمين بين مؤيِّدٍ لتعيين حكومة تصريف الأعمال حاكماً جديداً ورافضين للمبدأ، في موازاة مَن يصرّون على ضرورة التعيين لموجبات الطوارىء، في ظل كلامٍ عن إحتمال وضع حارس قضائي إذا تَعَذَّرَ حل الخلاف قانونياً حول دستورية التعيين.

لكن في لبنان دائماً ما يتم تجاوز القوانين إذا حتّمت المصالحُ السياسية ذلك. فقد مهّد قرارُ الثنائي الشيعي والتحقيق الأوروبي الطريقَ أمام القوى السياسية للبحث عن حلّ لخلافة سلامة وسط أسوأ أزمة مالية يعيشها لبنان منذ نحو أربعة أعوام، والمرجّح ان تتفاقم مع قرب إنتهاء ولايته.

وقد ساد الإعتقاد لفترة وجيزة أن الصراعَ حول صلاحيات الحكومة لا سيما من جانب القوى المسيحية أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» سيمنع عقد جلسة حكومية لتعيين بَديل لحاكم المركزي. لكن رئيس حزب «القوات» سمير جعجع أعلن صراحة في مقابلة تلفزيونية انه يؤيّد إجتماع الحكومة لتعيين بديل من سلامة لأن ذلك من الضروريات الطارئة.

وتُفَسِّر «القوات اللبنانية» موقفَها بأن الحالة المالية الطارئة تستدعي تعيين حاكم مصرف لبنان لوضع خطة إنقاذية، وان هذا التعيين مُلِحّ وضروري في سبيل ضبْط الإنهيار المالي. إلا أن «التيارَ الوطني الحر» ما زال متريّثاً في إعلان موقفه من إجتماع الحكومة، علماً أن للتيار حضوراً وزارياً بعكْس «القوات». إلا ان الإتفاق السياسي سيكون المعْبر لإختيار خليفة سلامة وسط آراء متضاربة تتعلق بتعيين حاكم للمركزي قبل إنتخاب رئيس الجمهورية ما سيعني فرْض حاكم على الرئيس المقبل، وفرْض خطة مالية عليه وعلى الحكومة المقبلة.

ولذا يُتوقع أن ينفجر الخلافُ السياسي حتماً بين القوى المسيحية - المارونية المعنية إفتراضاً بتعيين الحاكم، وقد بدأت مناقشات في ما بينها كما مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. ومع أن سلامه لم يأت من حصة المسيحيين في زمن الوجود السوري بل أتى بقرار من الرئيس رفيق الحريري، لكن التمديد له ولا سيما في عهد الرئيس ميشال عون تمّ باتفاقٍ سياسي رعاه عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.

وإذا كان الكلامُ عن أسماء المرشحين لخلافة سلامة بدأ قبل أشهر، إلا أن اللائحة ليست طويلة لأن زمن المسارعة إلى خلافة سلامة لم يَعُدْ جذّاباً بالقدر الذي كان عليه الأمر قبل الأزمة المالية، في ظل إستحقاقات كثيرة أمام الحاكم الجديد، تتعلق بالإتفاق مع صندوق النقد ومصير الودائع والعلاقة مع المصارف ووضع خطة مالية للإنقاذ ومنْع تفاقم إنهيار الليرة. وأي حاكم جديد سيكون «فدائياً» لتولّي هذا المنصب.

والأسماء التي سبق طرْحها كالوزير السابق منصور بطيش الذي كان «التيار الوطني» يؤيده قبل التمديد لسلامة لا يمكن ان يكون مطروحاً اليوم، ولا الإقتصادي ورجل الأعمال سمير عساف الذي كان مطروحاً من جانب الفرنسيين مع بداية الأزمة المالية.

تتردّد بضعة أسماء حالياً، منها أولاً الوزير السابق كميل ابو سليمان وهو رجل قانوني عُيِّن وزيراً عن «القوات اللبنانية»، لكن ثمة أجواء عن أن القوات حالياً لا تشجّع أن يَخلف سلامة، وإن كانت تقول إنها لا تمانع وصوله. وأبو سليمان رجل قانوني دولي عمل مع كبرى الشركات وعدد من الدول العربية والغربية وله حضور واسع فيها. بشوشٌ وحاسِم في قراراته، ويرفض التعامل مع أي أزمة على أنها مقفلة بل يترك دائماً الباب مفتوحاً أمام أي حلول. خبِر السياسةَ والقوى اللبنانية مباشرة أثناء عمله وزيراً، وقبْلها عن طريق والده رئيس الرابطة المارونية شاكر ابو سليمان الذي كان فاعلاً مع «الجبهة اللبنانية» التي تَشكلت من اليمين اللبناني إبان الحرب وأثناء حرب الإلغاء بين الجيش الموالي للعماد عون و«القوات اللبنانية» بزعامة جعجع، إذ قادَ في حينه وساطاتٍ متكررةً لوقف الحرب بينهما.

الاسم الثاني هو جهاد أزعور وزير المال السابق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي. وتحاول بعض القوى السياسية تسويق الرجل كـ «حاكم» لإبعاده عن لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، وهو من الصعب أن يقبل بهذه المهمة، ولو كان بناءً على إتفاق بين الأطراف السياسية كقوى المعارضة و«التيار الوطني الحر». فاسمه من بين الأكثر تَداوُلاً لرئاسة الجمهورية.

آلان بيفاني كان مديراً عاماً لوزراة المال لمدة عشرين عاماً وكان من أصغر المدراء العامين يومها، عمل مع عدد من وزراء المال قبل أن يقدم إستقالته عام 2020 إعتراضاً على تعطيل خطة الحكومة الإصلاحية. قريب من الدوائر المارونية ومن بكركي. واسمه عاد ليكون موجوداً على لائحة المرشحين.