دخلنا مرحلة اهتزازات كبيرة

مع اغتيال رئيس أركان القوة العسكرية لـ"حزب الله" هيثم طبطبائي يوم الأحد الفائت في الضاحية الجنوبية، أطلقت إسرائيل المرحلة الثانية في المواجهة بعد الحرب مع الحزب المذكور. فالضربة في قلب الضاحية الجنوبية بغطاء كامل من الولايات المتحدة نقلت المواجهة ما بعد الحرب إلـى مستوى آخر كان المراقبون يعتقدون أنها قد تبدأ بعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر لبيروت.

ما حصل أن الهدف يُعدّ بحد ذاته الأكثر أهمية على المستوى العسكري، وإن كانت قيادة الحزب والمرجعية الإيرانية أي "فيلق القدس" سارعت إلى تعيين خلفه، ويرجّح أنه سيكون أحد ثلاثة من القادة المعروفين تنحصر بهم القيادة العسكرية الميدانية لمرحلة إعادة ترميم القدرات العسكرية بعد حرب الأيام الـ٦٦. لكن اللافت أن الاغتيال الكبير أتى بعد زهاء شهرين على بدء إسرائيل تسريب معلومات عن قرب انتقالها إلى تصعيد عملياتها العسكرية في لبنان، بعدما تولّد اقتناع مفادها أن الحكومة اللبنانية وأعلى المرجعيات السياسية الرسمية في لبنان لا تمتلك الإرادة لمواجهة استحقاق نزع سلاح "حزب الله" بالجدية المناسبة، إضافة إلى بروز عامل استجد في الأشهر القليلة الماضية، وهو أن "حزب الله" لم يكتف برفض تسليم سلاحه طوعاً للدولة اللبنانية، بل إنه بدأ فعلاً بإعادة بناء قدرات عسكرية جديدة أدّت إلى تسريع إطلاق مرحلة التصعيد النوعي في الاستهدافات تحت عين واشنطن الساهرة على عدم إشعال حرب جديدة بمستوى الحرب السابقة عام 2024. هذه القناعة لم تنحصر بالإسرائيليين بل إن الإدارة الأميركية نفسها بدت مقتنعة تماماً بأن الحزب لمذكور بتوجيه إيراني رصدته الأجهزة الاستخباراتية الأميركية تخطى الدولة اللبنانية وقفز فوق قراراتها في شهر آب الماضي القاضية بحصر السلاح، ووضع "فيتو" بوجه قرارات الحكومة، والتهديد بتحريك الشارع ضدها. ولعل العامل الأكثر خطورة الذي عجّل في التصعيد الراهن كان مشروع إعادة بناء القدرات العسكرية وتكثيف حركة تمويل إيران للحزب.

إذن يمكن القول إن لبنان دخل دائرة الاستهدافات المكثفة والنوعية في العمق الجغرافي الذي يشمل العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية وصولاً إلى البقاع والشمال.

لكن الاستنتاج ممّا حصل يوم الأحد أن الأحداث تجاوزت الحكومة والرئاسات من دون استثناء، إلى درجة تجاوز واشنطن وتل أبيب المبادرات المتكررة التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزف عون للتفاوض مع إسرائيل في إطار صيغة أكثر تقدماً من الماضي، وإعلانه بصراحة في كلمته الأخيرة بمناسبة ذكرى الاستقلال الـ٨٢ عن استعداد لبنان للاتجاه نحو مسارات السلام في المنطقة مع الدولة العبرية، أي إنه أعطى إشارة إلى أن لبنان مستعد مبدئياً لأن يكون في عداد الدول العربية الراغبة في المشاركة في عملية سلام إقليمية واسعة برعاية الولايات المتحدة! فهل فوّت لبنان على نفسه فرصة الإفلات من موجة عنف جديدة؟

كل ما يمكن قوله اليوم، هو أن رصيد الدولة اللبنانية منخفض جداً في المجتمع الدولي والعربي. وإسرائيل تمتلك هوامش أوسع لتحركات عسكرية مقبلة ضد "حزب الله" الذي يتلطى بالدولة ويحمّلها مسؤولية القتل المستمر فيما يواصل اجتياحها من خلال التمسك بسلاح غير شرعي، وإصراره على لعب دوره المعروف كذراع إيرانية على شاطئ شرقي المتوسط. لقد دخلنا مرحلة اهتزازات كبيرة!