المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ديزي حوّاط
السبت 19 تموز 2025 07:41:31
لا تكاد دولة من دول الشرق الأوسط تخلو من أقلية عرقية أو طائفية أو لغوية، تشعُرُ بأن حقوقها مغيّبة أو مهمّشة، سواء كان هذا الشعور واقعيًا أو متخيّلًا.
في بعض الحالات، لجأت هذه الأقليات إلى السلاح لمواجهة ما تعتبره ظلمًا أو إقصاءً، كما حدث مع المجموعات الكردية في تركيا والعراق وسوريا وإيران، حيث شكّلت هذه القضية ملفًا دائم التفاعل استخدمته بعض الدول الإقليمية لتحقيق مصالحها، كحال شاه إيران الذي دعم أكراد العراق سياسيًا في مرحلة معينة للضغط على النظام العراقي، بينما أبقى على تهميش الأكراد داخل إيران.
وكذلك الطائفة الشيعية في العراق ولبنان، التي شعرت بالغبن، وشجّعتها إيران على تجاوز حدود الدولة والانخراط في صراعات إقليمية، استنادًا إلى شعورٍ بالاضطهاد.
لكن التحوّل اللافت جاء من قلب هذا الصراع نفسه. ففي 11 تموز الجاري، وتحت شعار "تركيا خالية من الإرهاب"، أحرق 30 عنصرًا من حزب العمال الكردستاني أسلحتهم أمام كهف كاسينا في مدينة السليمانية العراقية، في خطوة رمزية نقلتها وسائل الإعلام، وسلّمت خلالها المجموعة أسلحة متوسطة وخفيفة، في حضور أجهزة أمنية عراقية وتركية، كجزء من مسار تفاوضي أعلن عنه الحزب بقيادة عبد الله أوجلان.
وأكّد الحزب أنه ألقى سلاحه بمحض إرادته، في محاولة للانتقال إلى العمل السياسي عبر الوسائل السلمية والديمقراطية.
وهكذا، انتهى حلم الانفصال الذي طارد الحزب لعقود، أمام صورة رمزية لحاويات تحترق بداخلها بنادق وقنّاصات.
هذه الخطوة تحمل دلالات عميقة لا تقف عند حدود تركيا، بل تطال عموم المنطقة، وتطرح تساؤلات جدّية حول القوى المسلحة غير الشرعية في دول الشرق الأوسط، وتحديدًا في لبنان، مع استمرار وجود سلاح خارج إطار الدولة، بيد "حزب الله".
وإذا كان حزب العمال الكردستاني قد اختار طوعًا التخلّي عن العمل العسكري والانخراط في العمل السياسي، فهل يسلك "حزب الله" طريقًا مشابهًا؟
في الواقع، باتت الخيارات أمام "حزب الله" محدودة، خاصة في ظل امتناعه عن أي تصعيد عسكري، ما يفتح الباب أمام سيناريوات محتملة لنزع السلاح، أبرزها:
تسليم طوعي وضمني: قد يختار "الحزب" تسليم سلاحه ضمنيًا، تَجنُّبًا لأي مسّ بمعنوياته أمام جمهوره، أو رغبةً في أن تتولّى الدولة بنفسها هذه المهمّة. وهو ما يفسّر أيضًا أسلوب تعاطي رئيس الجمهورية جوزاف عون مع الملف، من منطلق حذر مفرط خشية الانزلاق إلى صدام داخلي؛ علمًا أن سحب السلاح يبقى خطوة أساسية لبسط سلطة الدولة، وأبسط ما قد يُطلب للبدء في بنائها.
تسليم طوعي وعلني: على غرار حزب العمال الكردستاني، وذلك من خلال إعلان رسمي في وسائل الإعلام، نتيجة قرار داخلي بالحفاظ على موقع "الحزب" كفاعل سياسي ضمن الدولة، وليس كقوة عسكرية خارجها.
تسليم بالقوّة: إذا قرّرت الدولة فرض سلطتها الكاملة. تمامًا كما جرى في جنوب الليطاني، يمكن أن تمتدّ يد الدولة شمالًا، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن المبعوث الأميركي توم برّاك قوله إن نزع سلاح "حزب الله" يحتاج إلى "الترغيب والترهيب"، بما يشمل تفتيش الجيش اللبناني المنازل بحثًا عن الأسلحة.
كما أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة تخلق ظرفًا إضافيًا، حيث قد تُستغل فترة توقف القصف لتكون مدخلًا لنفاد السلاح، أي أن يتم "سحب السلاح بالصمت"، مع انتهاء الذخائر بقصفها وعدم تجديدها.
وحدها التجربة تعلّم. فإذا كان حزب العمال الكردستاني قد ودّع العمل المسلح بعد خمسة عقود، فإن انتقال "حزب الله" إلى العمل السياسي المحض قد يمنحه شرعيّة فعلية طالما افتقدها في نظر جزء واسع من اللبنانيين، بدل أن يبقى معلّقًا بين لاشرعية السلاح ومشروعية الدولة.
قد يكون قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي الطوعي عن السلاح بداية لنضج سياسي في التعامل مع قضايا الأقليات والصراعات؛ غير أن في لبنان، ما إن يُفتح نقاش حول نزع سلاح جهة، حتى يطلّ سلاح آخَر. وآخِر فصول هذا المشهد إعلان رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهّاب انطلاق "جيش التوحيد" ودعوته إلى تشكيل مقاومة مستقلّة.
السؤال الحقيقي لا يكمن فقط في متى وكيف يُسلَّم السلاح، بل في كيف نرسّخ ثقافة الدولة في نفوس أبناء هذا الوطن؟