دماء في خدمة لحرب الآخرين!

مرة جديدة يُفترض أن تدفعنا مجزرة بنت جبيل التي أودت بحياة عائلة بكاملها بينهم سيدة وثلاثة أطفال إلى التفكير مليّاً في ما طالب به "حزب الله" الحكومة لمواجهة هذه الحالة المتمادية من القتل والتدمير. فقد طالبها بمواجهة عسكرية مع إسرائيل! ونسأل الحزب المذكور وجمهوره وماكينته الدعائية التي تواظب صبحاً ومساءً على شتم رئيس الحكومة نواف سلام، وتحميله مسؤولية الهجمات الإسرائيلية اليومية في الجنوب وأجزاء من البقاع، ماذا يفعل الحزب المذكور من أجل تفادي هذه الهجمات الدموية التي أودت منذ وقف إطلاق النار بحياة أكثر من ٢٤٠ عنصراً من الحزب، وأبقت الجنوب، ولا سيما الحافة الأمامية، في حالة توتر دائم وأدامت تهجير السكان إلى سنة كاملة حتى اليوم؟ ولماذا يواصل "حزب الله" ترميم هيكليته العسكرية والأمنية وتفعليها في كل أنحاء لبنان، وخاصة في منطقة جنوبي الليطاني؟ في هذه المنطقة بالذات لا يزال يراوغ الدولة وقوات "اليونيفيل" من أجل إخفاء مخازن سلاح وذخيرة وبنى تحتية عسكرية موزعة في كل المنطقة في البلدات والمدن داخل الأحياء السكنية يحرسها ما يسمّى "كتيبة الأهالي" التي تعمل بإمرة القيادة العسكرية والأمنية للحزب. والبنى التحتية التي تحتوي على وسائل عسكرية متنوّعة موزعة في مخابئ في الأراضي الوعرة وفي الجبال والأودية. ونذكّر بأن الجيش اللبناني سبق أن أعلن قبل فترة من الزمن أنه وضع يده وفكك ما يقارب ٨٠ في المئة من مواقع "حزب الله" ومواقعه وبناه التحتية العسكرية، ما يعني أنه لا تزال على الأقل حوالي ٢٠ في المئة من هيكليته اللوجستية خارج سيطرة الجيش اللبناني. فلماذا التأخير في تسليم كل المواقع والبنى التحتية والأسلحة والذخائر والمعدات القتالية أو ذات الطبيعة العسكرية؟ فإن كانت إسرائيل تنتهك بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع بتاريخ ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤، فهل يعني هذا أن نغضّ النظرعن أنشطة الحزب المذكور العسكرية التي لم تتوقف حتى في منطقة عمليات قوات "اليونيفيل"؟ إن الطرفين أي "حزب الله" وإسرائيل يلتقيان على انتهاك بنود الاتفاق، وكأنهما متحالفان من أجل إبقاء جنوب لبنان واستتباعاً بقية أنحاء لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل. وعندما نقول إيران فإننا نعني أن "حزب الله" ذراع عسكرية وأمنية للنظام الإيراني ويتخذ من لبنان منصّة لتأدية وظيفته بخدمة المشروع التوسعي الإيراني في الشرق الأوسط.

كلامنا لا يهدف للتقليل من شأن آلام أبناء الجنوب اللبناني. لكن الهدف هو لفت نظر الحكومة اللبنانية إلى واقع مقلق جداً، ولا يبشر بالخير للمرحلة المقبلة. فإن كان هذا هو سلوك "حزب الله" جنوبي نهر الليطاني، فكيف سيكون سلوكه في المناطق الأخرى بدءاً من الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وصولاً إلى محافظة البقاع وسائر المناطق التي تتوزع فيها البنى التحتية العسكرية من كل الأنواع الخاصة بـ"حزب الله"؟

ختاماً، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوزعربية" قال المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك: "إن حزب الله عدوّنا وإيران عدوتنا ونحن بحاجة لقطع رؤوس هذه الأفاعي ومنع تمويلها". ومن ناحيتها نقلت قناة "الحدث" يوم أمس عن مصدر أمني إسرائيلي ما يلي: "إن إمكان القيام بعملية برّية أوسع في لبنان قائم إذا تطلّب الأمر". ونترك الحكم لأهل الجنوب وبيئة "حزب الله" الشعبية: هل طموحكم هو أن تبقوا وقوداً لحروب الآخرين؟