المصدر: الأخبار
الخميس 7 تموز 2022 07:20:53
كتبت رلى ابراهيم في الاخبار:
ما إن انتهت الانتخابات النيابية، حتى أصدر وزير الداخلية بسام مولوي قرارات بصرف مكافآت لبعض المستشارين والقضاة والموظفين من مدنيين وعسكريين. القرارات شملت، استنسابياً، الدائرة الضيقة المحيطة بالوزير، والتي خصّها بمبالغ مالية كبيرة أدرجها في قراراته تحت مسمّى «بدل أتعاب» عن الجهود التي بذلوها في الانتخابات، علماً بأن أكثر من 100 ألف موظف وعسكري شاركوا في العملية الانتخابية، في ظروف اقتصادية ومالية صعبة، ولم يحصل أيّ منهم على مكافآت وبدلات أتعاب إضافية، باستثناء التعويضات المالية المخصصة لهم بقرار من مجلس الوزراء.
ووفق المعلومات، فقد لامست «مكافآت الوزير» المليار ليرة، منها 140 مليوناً لمديرة إحدى الدوائر في الداخلية، و120 مليوناً لمدير مكتب الوزير، و90 مليوناً لأحد المستشارين، إضافة إلى مبالغ تتراوح بين 20 مليون ليرة و30 مليوناً ذهبت إلى «محظيين» في قوى الأمن الداخلي وقضاة في لجان القيد والفرز وغيرهم.
هذه الاستنسابية في التعامل مع الموظفين الذين شاركوا في إنجاح الانتخابات، أثارت استياء بعض العاملين في القطاع العام والأساتذة، ولا سيما أن وزير الداخلية لم يبرّر قراره، مكتفياً بالردّ عبر مصادر الداخلية بأنه لم ينفق كل الاعتمادات المخصصة للانتخابات، ونجح في توفير مبالغ مالية على الدولة مقارنة بالانتخابات السابقة، ما دفعه الى مكافأة فريق عمل الوزارة الذي قام بهذا العمل، مسقطاً من حساباته أن قيمة مكافأة واحدة تبلغ 70 ضعف راتب موظف رسمي أو ما يوازي راتبه على مدى أكثر من 3 سنوات.
ديوان المحاسبة وجّه مذكرة الى وزير الداخلية، في 9 حزيران الماضي، موضوعها «تقاضي موظفين وضباط في وزارة الداخلية بدلات أتعاب من أصل الاعتمادات المخصصة للانتخابات». وطلب الديوان من الوزير إيداعه، في مهلة أقصاها أسبوع، القرارات الصادرة عنه بدفع مبالغ للأشخاص المذكورين، بالإضافة الى مصدر أخذ النفقة والسند القانوني. خمسة أيام مرّت قبل أن يتلقى الديوان كتاباً من مولوي يطلب فيه رأي الديوان الاستشاري حول هذا الموضوع، مبرّراً استنسابيته وتوزيعه ما تبقى من اعتمادات على بعض العاملين في فريقه بأن الأمر نفسه حصل في انتخابات 2018، وهو يكرر ما فعله سلفه، لا بل يفترض شكره على تقليص المبالغ مقارنة بسعر صرف الدولار على عهد الوزير السابق الذي كان يساوي 1500 ليرة، في حين أن المبلغ نفسه لم يعد يساوي اليوم القيمة نفسها بسعر صرف يوازي 28 ألف ليرة. وأورد مولوي في كتابه أن «جهوداً بذلت لإنجاح العملية الانتخابية رغم محدودية الموارد، فاتخذ قرارات حددت بدلات أتعاب المشاركين في العملية على غرار ما حصل في عام 2018، مع العلم بأن القيم المدفوعة حالياً تقلّ أضعافاً عن سابقاتها إذا ما قيست على ضوء تدهور قيمة العملة الوطنية». كما أن البدلات المدفوعة حددت «استناداً الى الجهود المبذولة والكفاءة والإنتاجية»، وجرى توفير «مبالغ ضخمة». وأوضح الكتاب أن الوزير أرسل قرارات دفع الأتعاب الى وزارة المالية لاحتساب الضريبة المتوجبة عليها ودفعها للمستحقين، ولا يزال ينتظر ورود جداول من وزارة المالية، ليختم بسؤاله الديوان حول «قانونية صرف المبالغ وكيفية احتساب سقوفها في حال وجدت، مع العلم بأنه لم يتم دفع أي مبلغ منها حتى الآن».
ومن الواضح أن كتاب وزير الداخلية يظهر تناقضاً ولا سيما أنه لجأ الى الديوان بعد اتخاذه القرار وتحديده سقوف بدلات الأتعاب. إلا أن موجة الانتقادات التي رافقت هذه القرارات دفعته الى إعادة النظر فيها، ولا سيما أن القطاع العام يئنّ وينفّذ إضراباً منذ شهر مطالباً برفع الرواتب، فيما يوزع مولوي الملايين على بضعة موظفين.
الديوان يسرد مخالفات الوزير
في 23 حزيران الماضي، أصدر رئيس الديوان محمد بدران رأياً استشارياً يتعلق بآلية احتساب تعويضات الموظفين والقضاة والعسكريين الذين تولوا مهام معيّنة في إطار الانتخابات النيابية لعام 2022، مستنداً الى نظام الموظفين الذي وضع القواعد العامة لهذه التعويضات. إذ تتحدث المادة 23 عن التعويض عن الأعمال الإضافية في 4 حالات: «1- التعويض عن ساعات العمل الإضافية التي تجاوز ساعات دوامهم الرسمي. 2- إذا كلفهم الوزير أو المدير العام خطياً بعمل إضافي، شرط أن يتم التكليف قبل المباشرة بالعمل وأن يكون هذا العمل الإضافي غير داخل في المهام المركونة إليهم بحكم وظيفتهم، على أن تبلغ إدارة التفتيش المركزي بهذا التكليف وأسبابه. وفي حالات استثنائية غير الشروط المنصوص عليها، يجوز التكليف بناءً على تقرير المفتش الخاص وبعد استطلاع رأي مجلس الخدمة المدنية. 3- يُحدّد بدل التعويض عن كل ساعة إضافية بقرار من الوزير ضمن الاعتمادات المرصودة في الموازنة بناءً على تعليمات رئاسة الوزارة واقتراح من مجلس الخدمة المدنية. 4- يمكن منح الموظفين تعويضاً شهرياً مقطوعاً عن أعمال إضافية شرط أن يقتضي تنفيذها مدة لا تقل عن 6 أشهر وألّا يزيد التعويض عن نصف الراتب». وبما أن الحالات الأربع لا تنطبق على قرارات مولوي «ولا تتناسب والموجبات المحددة في نظام الموظفين، فإن أي صرف خارج إطار التعويضات المالية المحددة يعدّ مخالفة للقانون».
واستند الديوان الى المادة 24 المخصصة لتعويض الانتقال، بحيث يمكن للموظفين المنتقلين الى خارج مركز عملهم بداعي الوظيفة تقاضي تعويض انتقال يومي تُحدّد قيمته وشروطه بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء. وهو يستحق أيضاً لرجال قوى الأمن ورجال الجمارك في ظروف استثنائية خاصة. فيما المادة 26 تسمح بمنح «الموظف الذي يقوم بعمل يستدعي التقدير مكافأة سنوية إذا كان هذا العمل يفوق بشكل واضح المتطلبات العادية للوظيفة أو يساهم في تطوير وتحسين إنتاجية الإدارة بما يحقّق وفراً مالياً على أن لا تتعدّى راتب أو تعويض شهر كحدّ أقصى». على أن مجموع التعويضات والأجور والمكافآت وغيرها خلال سنة مالية واحدة لا يجوز أن يزيد على «75% من مجموع رواتبه الشهرية في السنة نفسها». وفي قانون موازنة عام 2018، مواد تتطرق الى تعويضات أعمال اللجان والمكافآت السنوية وتنصّ المادة 45 بشكل واضح على ألّا تتعدى قيمة المكافأة السنوية راتب شهر للموظف أو تعويض شهر للمتقاعد أو الأجر الشهري للأجير تقديراً «لإنجازه المتميّز». وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تتجاوز قيمة المكافأة 8 ملايين و500 ألف ليرة. والأهم أنه لا يجوز وفقاً للمادة 46 «نقل الاعتمادات المخصصة لرواتب الموظفين الدائمين والمؤقتين ورواتب المتقاعدين وأجور الأجراء والمستشارين لزيادة الاعتمادات العائدة للمكافآت والتعويضات عن الأعمال الإضافية»، وهو العمل الذي كان ينوي مولوي القيام به ويشكل مخالفة واضحة للقوانين. يتابع تقرير الديوان سرد كل المواد التي يخالفها المولوي ومنها المادة 81 التي تُحدّد قيمة التعويض الخاص بالأعمال الانتخابية وتعويض النقل على الشكل الآتي: 3 ملايين و600 ألف ليرة لرئيس القلم، 3 ملايين و400 ألف ليرة للكاتب، مليون و500 ألف ليرة لرئيس قلم أو كاتب احتياط.
وأخيراً، يشير الديوان بعد سرد كل الموجبات القانونية التي يخالفها وزير الداخلية الى إبلاغ هذا الرأي إلى كلّ من الداخلية والنيابة العامة لدى الديوان. ويفترض أن يكون تقرير الديوان كافياً لثني مولوي عن المضيّ قدماً في مسألة توزيع «بدلات أتعاب» استنسابية من جيب الدولة.