ذعر رفع الدعم: هستيريا أسعار ولا سلطة‎!‎

كتبت صحيفة " النهار " تقول : ‎قد يكون الأهم والأخطر في مشهد "الذعر" العام الذي ساد البلاد في الأيام الثلاثة الأخيرة ‏انه وضع الأولويات السياسية نفسها جانباً في عز احتدام الازمة الحكومية وعودتها الى ‏سابق سجالاتها الحادة، وفي ذروة تفاعل مناخات واجواء الزيارة المثيرة للجدل لوزير ‏الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، بل ان هذا المشهد همّش الى حدود قصوى كل ما لا ‏يتصل مباشرة بازمات الناس. المقصود بذلك هو مشهد "الهستيريا" الفوضوية الناجمة عن ‏تفلت الأسواق والأسعار تحت عنوان ذعر استباقي غذّته وتغذّيه موجات محمومة من ‏الشائعات عن رفع واقعي للدعم قبل حصوله رسمياً وفعلياً فيما اشتعلت الأرض بكل ‏قطاعاتها ولا تزال على خلفية هذا الذعر، وما من سلطة تضبط وتهدئ وتراقب وتطمئن ولا ‏من يحزنون‎.‎
تفتّق الذعر العام عن تفلّت مباغت في أسعار عدد من السلع الغذائية الأساسية كاللحوم ‏والدجاج، كما في أسعار أصناف كثيرة من الادوية تحت وطأة تخفيف توزيع الأودية ‏وفقدان بعضها والترويج بان الدعم رفع فعلا عن استيراد الادوية والأجهزة الطبية. ولم يقف ‏الامر عند هذا الحد بل تمدد في افتعال ازمة محروقات في معظم المناطق فيما كانت ‏الأسواق تشتعل بفوضى الأسعار النارية المحلّقة، والحكومة المستقيلة تتفرج اثباتا منها ‏لقواعد غريبة عجيبة تستقي منها ذريعة التفرج ولا تضرب بيد من حديد ولا تحرك ساكنا ‏حيال مافيات الإفادة من شقاء اللبنانيين وفقرهم الزاحف الى ما بعد اكثر من نصف ‏الشعب بكثير وربما نحو نسبة خيالية من الفقراء‎.‎
وفي انتظار أن يرى مشروع البطاقة التمويلية النور والتي وعد رئيس حكومة تصريف ‏الأعمال حسان دياب بإصدارها قبل رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية، سادت وتسود ‏حال من الذعر والخوف أرباب العائلات اللبنانية على ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية من ‏انهيار في العملة الوطنية وارتفاع غير مسبوق للاسعار وتحديدا المواد الاستهلاكية. هذا ‏الهلع المبرر عند الناس يأتي على خلفية التأكيدات عن انتهاء "مصل" الدعم للمواد ‏الاستهلاكية والنفط والدواء، والاتجاه نحو تحرير الاسعار مع الابقاء على دعم الخبز وأدوية ‏الامراض المستعصية. وما عزز هذا الهلع، هو التقارير والارقام التي اجتاحت وسائل الاعلام ‏والتواصل الاجتماعي عن مستوى الاسعار المتوقعة بعد رفع الدعم، وكانت بمعظمها ارقاما ‏صادمة للمواطنين بما زاد هلعهم وخوفهم، ليتبين لاحقا أن القاعدة الخطأ التي اعتمدت ‏عليها هذه التقارير كانت عبر مضاعفة سعر السلع غير المدعومة 3 مرات، بما رفع الاسعار ‏الى حدود قياسية‎.‎
يشار في هذا السياق الى ان مصرف لبنان اتخذ قراره بوقف العمل بالآلية الموجودة الى ‏حين وضع آلية جديدة، فأرسل كتبا في هذا الاطار الى كل الوزارات المعنية بالسلع ‏المدعومة خصوصا وأن الدعم الذي بدأ في أيلول 2019 سيلامس الاحتياط الذي يرفض ‏المس به‎.‎
لكن التطور المفاجئ الذي اخترق مجمل هذا المشهد فتمثل في البيان الذي أصدره مصرف ‏لبنان مساء امس معلنا فيه اطلاق ألية جديدة مع المصارف لتسديد تدريجي للودائع يتم ‏بموجبها دفع مبالغ مقسطة تصل الى 25 الف دولار أميركي بدءا من اخر حزيران. كما اعلن ‏المصرف انه لا يزال يؤمن بيع الدولار للمصارف على السعر الرسمي للمواد الأولية التي ‏قررت الحكومة دعمها . . وقال المصرف ان مبادرته تهدف الى "إراحة ‏اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان، وتقضي المبادرة على ‏مفاوضة مصرف لبنان حالياً المصارف اللبنانية بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف ‏بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 ‏آذار 2021، وذلك بالعملات كافة". وتأتي هذه المبادرة وفق البيان الذي أصدرته دائرة ‏الاعلام والعلاقات العامة في المصرف مساء، على خلفية نجاح التعميم 154 والتزام ‏المصارف بمندرجاته، و"رغم الأزمة الخانقة التي يعمّقها غياب حكومة فاعلة تقوم ‏بالإصلاحات المطلوبة وتستعيد علاقات لبنان العربية والدولية والثقة الداخلية والخارجية‎".‎
ووفق البيان، فقد طلب مصرف لبنان لهذه الغاية من المصارف تزويده المعطيات ليبني ‏عليها خطة يتم بموجبها دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار، وبالدولار الأميركي أو أي عملة ‏أجنبية، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانية. وسيتم تقسيط هذه المبالغ على فترة زمنية ‏يُحدّدها مصرف لبنان قريباً. ومن المتوقّع أن يبدأ الدفع اعتباراً من 30 حزيران 2021 شرط ‏الحصول على التغطية القانونية‎.‎
‎.. ‎التأزم السياسي
اما المفارقة الأسوأ على الصعيد السياسي فتمثلت في عودة الاحتدامات السياسية ‏واشتعال السجالات الكلامية والإعلامية مجددا فور انتهاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ‏ايف لودريان لبيروت قبل ظهر الجمعة الماضي كما لو ان تداعيات الزيارة ومناخاتها ‏ساهمت في اذكاء الازمة ولم تخففها. وستتجه الأنظار مجددا اليوم الى اجتماع وزراء خارجية ‏دول الاتحاد الأوروبي في بروكسيل حيث تطرح فرنسا مجددا اطار آلية العقوبات التي ‏أعلنت انها شرعت في وضعها لفرض قيود على شخصيات لبنانية بمنعها من دخول ‏الأراضي الفرنسية وتجميد أرصدتها في المصارف الفرنسية بتهمتي إعاقة تشكيل ‏الحكومة والتورط في الفساد‎.‎

في غضون ذلك تجدد التراشق الإعلامي الحاد على خلفية ازمة تشكيل الحكومة بين "التيار ‏الوطني الحر" و"تيار المستقبل". ودعت الهيئة السياسية في "التيار الوطني الحر" برئاسة ‏النائب جبران باسيل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري "الى إعادة لبننة ‏عملية التشكيل باعتبارها إستحقاقاً لبنانياً صرفاً بالدرجة الأولى، وأن نبقي تشكيل الحكومة ‏مسؤولية اللبنانيين لو مهما بلغ مستوى المساعدة من أصدقائهم. ويدعو التيار مجدداً الى ‏عدم إضاعة الوقت أكثر من ذلك وتقديم تشكيلة حكومية متكاملة وفق المنهجيّة المعروفة ‏والمعتمدة لكي تتمكن من الحصول على ثقة المجلس النيابي وثقة اللبنانيين‎".‎
ورد "المستقبل" معتبرا انه "الأجدر بـالتيار الوطني الحر أن يتوجه الى رئيسه جبران باسيل ‏ورئيس الجمهورية ميشال عون بدلاً من الرئيس المكلف، وأن يطالبهما بالافراج عن ‏التشكيلة الحكومية الموجودة في القصر الجمهوري منذ اكثر من ستة أشهر لتخضع لامتحان ‏الثقة في المجلس النيابي". وجدد دعوة "التيار الوطني الحر" إلى احترام المعايير الدستورية ‏لتسهيل الولادة الحكومية، بعيدًا عن "المعايير الباسيلية" التي وضعت رئيسهم ورئيس ‏الجمهورية في موقع الانقلاب على المبادرة الفرنسية، وفي خانة المعطلين الذين يأخذون ‏البلاد إلى جهنم نتيجة حسابات شخصية لا تقيم أي وزن لمصالح اللبنانيين ولمعاناتهم جراء ‏سياسات هذا العهد الذي يعطل نفسه بنفسه‎".‎