المصدر: النهار
الاثنين 10 أيار 2021 06:57:41
كتبت صحيفة " النهار " تقول : قد يكون الأهم والأخطر في مشهد "الذعر" العام الذي ساد البلاد في الأيام الثلاثة الأخيرة انه وضع الأولويات السياسية نفسها جانباً في عز احتدام الازمة الحكومية وعودتها الى سابق سجالاتها الحادة، وفي ذروة تفاعل مناخات واجواء الزيارة المثيرة للجدل لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، بل ان هذا المشهد همّش الى حدود قصوى كل ما لا يتصل مباشرة بازمات الناس. المقصود بذلك هو مشهد "الهستيريا" الفوضوية الناجمة عن تفلت الأسواق والأسعار تحت عنوان ذعر استباقي غذّته وتغذّيه موجات محمومة من الشائعات عن رفع واقعي للدعم قبل حصوله رسمياً وفعلياً فيما اشتعلت الأرض بكل قطاعاتها ولا تزال على خلفية هذا الذعر، وما من سلطة تضبط وتهدئ وتراقب وتطمئن ولا من يحزنون.
تفتّق الذعر العام عن تفلّت مباغت في أسعار عدد من السلع الغذائية الأساسية كاللحوم والدجاج، كما في أسعار أصناف كثيرة من الادوية تحت وطأة تخفيف توزيع الأودية وفقدان بعضها والترويج بان الدعم رفع فعلا عن استيراد الادوية والأجهزة الطبية. ولم يقف الامر عند هذا الحد بل تمدد في افتعال ازمة محروقات في معظم المناطق فيما كانت الأسواق تشتعل بفوضى الأسعار النارية المحلّقة، والحكومة المستقيلة تتفرج اثباتا منها لقواعد غريبة عجيبة تستقي منها ذريعة التفرج ولا تضرب بيد من حديد ولا تحرك ساكنا حيال مافيات الإفادة من شقاء اللبنانيين وفقرهم الزاحف الى ما بعد اكثر من نصف الشعب بكثير وربما نحو نسبة خيالية من الفقراء.
وفي انتظار أن يرى مشروع البطاقة التمويلية النور والتي وعد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بإصدارها قبل رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية، سادت وتسود حال من الذعر والخوف أرباب العائلات اللبنانية على ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية من انهيار في العملة الوطنية وارتفاع غير مسبوق للاسعار وتحديدا المواد الاستهلاكية. هذا الهلع المبرر عند الناس يأتي على خلفية التأكيدات عن انتهاء "مصل" الدعم للمواد الاستهلاكية والنفط والدواء، والاتجاه نحو تحرير الاسعار مع الابقاء على دعم الخبز وأدوية الامراض المستعصية. وما عزز هذا الهلع، هو التقارير والارقام التي اجتاحت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي عن مستوى الاسعار المتوقعة بعد رفع الدعم، وكانت بمعظمها ارقاما صادمة للمواطنين بما زاد هلعهم وخوفهم، ليتبين لاحقا أن القاعدة الخطأ التي اعتمدت عليها هذه التقارير كانت عبر مضاعفة سعر السلع غير المدعومة 3 مرات، بما رفع الاسعار الى حدود قياسية.
يشار في هذا السياق الى ان مصرف لبنان اتخذ قراره بوقف العمل بالآلية الموجودة الى حين وضع آلية جديدة، فأرسل كتبا في هذا الاطار الى كل الوزارات المعنية بالسلع المدعومة خصوصا وأن الدعم الذي بدأ في أيلول 2019 سيلامس الاحتياط الذي يرفض المس به.
لكن التطور المفاجئ الذي اخترق مجمل هذا المشهد فتمثل في البيان الذي أصدره مصرف لبنان مساء امس معلنا فيه اطلاق ألية جديدة مع المصارف لتسديد تدريجي للودائع يتم بموجبها دفع مبالغ مقسطة تصل الى 25 الف دولار أميركي بدءا من اخر حزيران. كما اعلن المصرف انه لا يزال يؤمن بيع الدولار للمصارف على السعر الرسمي للمواد الأولية التي قررت الحكومة دعمها . . وقال المصرف ان مبادرته تهدف الى "إراحة اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان، وتقضي المبادرة على مفاوضة مصرف لبنان حالياً المصارف اللبنانية بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة". وتأتي هذه المبادرة وفق البيان الذي أصدرته دائرة الاعلام والعلاقات العامة في المصرف مساء، على خلفية نجاح التعميم 154 والتزام المصارف بمندرجاته، و"رغم الأزمة الخانقة التي يعمّقها غياب حكومة فاعلة تقوم بالإصلاحات المطلوبة وتستعيد علاقات لبنان العربية والدولية والثقة الداخلية والخارجية".
ووفق البيان، فقد طلب مصرف لبنان لهذه الغاية من المصارف تزويده المعطيات ليبني عليها خطة يتم بموجبها دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار، وبالدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانية. وسيتم تقسيط هذه المبالغ على فترة زمنية يُحدّدها مصرف لبنان قريباً. ومن المتوقّع أن يبدأ الدفع اعتباراً من 30 حزيران 2021 شرط الحصول على التغطية القانونية.
.. التأزم السياسي
اما المفارقة الأسوأ على الصعيد السياسي فتمثلت في عودة الاحتدامات السياسية واشتعال السجالات الكلامية والإعلامية مجددا فور انتهاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت قبل ظهر الجمعة الماضي كما لو ان تداعيات الزيارة ومناخاتها ساهمت في اذكاء الازمة ولم تخففها. وستتجه الأنظار مجددا اليوم الى اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسيل حيث تطرح فرنسا مجددا اطار آلية العقوبات التي أعلنت انها شرعت في وضعها لفرض قيود على شخصيات لبنانية بمنعها من دخول الأراضي الفرنسية وتجميد أرصدتها في المصارف الفرنسية بتهمتي إعاقة تشكيل الحكومة والتورط في الفساد.
في غضون ذلك تجدد التراشق الإعلامي الحاد على خلفية ازمة تشكيل الحكومة بين "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل". ودعت الهيئة السياسية في "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري "الى إعادة لبننة عملية التشكيل باعتبارها إستحقاقاً لبنانياً صرفاً بالدرجة الأولى، وأن نبقي تشكيل الحكومة مسؤولية اللبنانيين لو مهما بلغ مستوى المساعدة من أصدقائهم. ويدعو التيار مجدداً الى عدم إضاعة الوقت أكثر من ذلك وتقديم تشكيلة حكومية متكاملة وفق المنهجيّة المعروفة والمعتمدة لكي تتمكن من الحصول على ثقة المجلس النيابي وثقة اللبنانيين".
ورد "المستقبل" معتبرا انه "الأجدر بـالتيار الوطني الحر أن يتوجه الى رئيسه جبران باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون بدلاً من الرئيس المكلف، وأن يطالبهما بالافراج عن التشكيلة الحكومية الموجودة في القصر الجمهوري منذ اكثر من ستة أشهر لتخضع لامتحان الثقة في المجلس النيابي". وجدد دعوة "التيار الوطني الحر" إلى احترام المعايير الدستورية لتسهيل الولادة الحكومية، بعيدًا عن "المعايير الباسيلية" التي وضعت رئيسهم ورئيس الجمهورية في موقع الانقلاب على المبادرة الفرنسية، وفي خانة المعطلين الذين يأخذون البلاد إلى جهنم نتيجة حسابات شخصية لا تقيم أي وزن لمصالح اللبنانيين ولمعاناتهم جراء سياسات هذا العهد الذي يعطل نفسه بنفسه".