المصدر: اندبندنت عربية
الكاتب: طوني بولس
الخميس 14 آذار 2024 10:00:00
تطفئ ذكرى الـ14 من آذار شمعتها الـ19، وسط انفراط ما تبقى من قواها الحية سياسياً، ليبقى نبض تلك "الثورة" حياً لدى بعض القوى التي تسعى فرادة إلى رفع عناوين المواجهة المتمادية لهيمنة "حزب الله" وحلفائه على لبنان. ذكرى هجرها قادتها، وفتكت بها الاختلافات السياسية وآلة القتل والاغتيالات التي طاولت عشرات.
تلك الانتفاضة الشعبية كانت في عام 2005، وأتت بعد صدور القرار 1559 الداعي إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ولحل كل الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وأتت بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، في الـ14 من شباط من العام نفسه، ولكن السبب الأساس لتلك التظاهرة الضخمة كان ما حصل في الثامن من مارس من عام 2005 عندما نظم حلفاء سوريا في لبنان، وعلى رأسهم "حزب الله"، تظاهرة شكروا فيها النظام السوري وحضرها الأمين العام للحزب حسن نصرالله، فاعتبر كل هذا التحرك استفزازاً للقوى السيادية ليأتي الرد في "الـ14 من آذار عبر تظاهرة مليونية طالبت بانسحاب الجيش السوري، وبدولة قوية وحدها تحمل السلاح، وكان في عداد هؤلاء المتظاهرين أنصار رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي كان ما زال في فرنسا، وأنصار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي كان حينها معتقلاً".
في هذه الذكرى، التي لم تحي منذ أعوام بعدما كانت تشهد تحركات شعبية وخطابات عالية السقف لأقطابها الرئيسين، أجرت "اندبندنت عربية" مقابلة مع رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميّل، الذي اعتبر أن ذكرى "14 آذار" هي إثبات تاريخي على قدرة الشعب اللبناني على الاجتماع حول قضايا وطنية، إذ حضرت غالبية المكونات وعدد كبير من الأحزاب السياسية، كرسالة واضحة أن الجزء الأكبر من اللبنانيين متفق على سيادة الدولة ونهائية الكيان، معتبراً أن ما حصل حينها هو إنجاز تاريخي، إذ احتشد اللبنانيون في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد.
إلا أن الجميّل رأى أن سياسة تدوير الزوايا مع رموز "الاحتلال السوري" الذين بقوا متشبثين بإبقاء الجيش السوري في لبنان، وصولاً إلى التنازلات السياسية وتحييد رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود عن المواجهة، ومن "التحالف الرباعي" في الانتخابات الأولى التي تلت الانسحاب السوري في الـ26 من نيسان 2006، بين "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" مع "حزب الله" و"حركة أمل"، ولاحقاً انسحاب كتلة "الاشتراكي" من التحالف عقب انتخابات 2009 النيابية وانضمامه في ما بعد إلى حكومة "اللون الواحد" التي ألفها حينها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كل هذه التطورات أدت تدريجاً إلى إضعاف وتفكك تحالف "14 آذار" وإفراغه من جوهره، وصولاً إلى الضربة القاضية بالتسوية الرئاسية التي حصلت بين معظم القوى السياسية عام 2016 التي بموجبها انتخب ميشال عون رئيساً للبلاد.
المعارضة الشيعية
وتكمن "الخطيئة الكبرى" برأيه في التضحية بالمعارضة الشيعية عند إبرام "التحالف الرباعي"، إذ همش دورها بشكل كامل، ولفت رئيس "الكتائب" إلى أن "مجموعة المعارض حبيب صادق ورفاقه كانوا يشكلون وزناً كبيراً، إذ حصدوا حوالى 70 ألف صوت في مناطق الجنوب، وأنه لو احتضنوا لكانت اليوم معارضة واسعة وفعالة وكسرت هيمنة الثنائي على الطائفة الشيعية"، مشدداً على أنه لو حظيت تلك المعارضة بالاحتضان الصحيح لكانت اليوم تشكل نسبة من مقاعد الطائفة الشيعية في مجلس النواب وكسرت قدرة "الثنائي" على تعطيل العملية السياسية في البلاد.
أضاف الجميّل "صحيح أن هناك أخطاء عديدة ارتكبها أركان هذا التحالف، إلا أن العوامل المحيطة كانت قاسية ومكلفة إلى جانب الضغط النفسي والأمني"، قائلاً "في عام 2006 تسبب ’حزب الله‘ بحرب مدمرة مع إسرائيل، ثم انتقل إلى محاصرة السراي الحكومي في وسط بيروت لمواجهة الحكومة التي انسحب منها حينها، ولاحقاً احتل العاصمة في السابع من
أيار 2008"، تزامناً مع سلسلة اغتيالات سياسية طاولت قيادات وأركاناً أساسية من التحالف، في ظل تعطيل عمل المؤسسات الشرعية وعلى رأسها المجلس النيابي.
ثورة الـ17 من تشرين الأول
وحول ثورة الـ17 من تشرين الأول 2019، وفشلها أيضاً بإحداث التغيير المنشود، أشار الجميل إلى أن تلك الثورة التي خرجت من رحم معاناة الشعب ضد سلطة نهبت ثرواته وقوضت سيادة البلاد، كانت ثورة محقة وتحظى أيضاً بإجماع شعبي يضم جميع الفئات الاجتماعية، إلا أنها تعرضت للوحشية والاعتداءات من تحالف "المافيا والميليشيات"، الذين تصدوا بكل الأدوات المتاحة. وقال الجميّل "لو كنا في بلد طبيعي حصلت داخله ثورة مماثلة على الفساد والأداء السيء لكانت نجحت وحققت أهدافها"، لافتاً الى أن من يحمي "المنظومة" الحاكمة هو "حزب الله" الذي استخدم العنف والتظاهرات المضادة والاعتداء على المتظاهرين وتهديدهم باستعمال السلاح وافتعال مشكلات طائفية، معتبراً أن الحزب مستعد لضرب أية ثورة تهدد "المنظومة" لأنها واجهة سياسية يتحكم بها وتؤمن له الحماية والسيطرة على الدولة.
وعن الملف الاقتصادي، أوضح رئيس "الكتائب" أنه لا يمكن معالجة الأمور الاقتصادية والقضاء على الفساد في ظل سيطرة "حزب الله" وسلاحه على القرار في البلاد، مشدداً على وجود تحالف وثيق بين "المافيا والميليشيات"، إذ تحمي الميليشيات بسلاحها المافيا، التي تغطي بدورها الميليشيات، متخوفاً من أن تصبح لاحقاً الدولة وأجهزتها أدوات للحزب يستخدمها لتقمع اللبنانيين كما كانت في سنوات وجود الجيش السوري في لبنان.
جبهة معارضة
وبرأي الجميّل، تغيير الواقع يبدأ بوضع خريطة طريق لتحالف معارض عريض يتجاوز المعارضة البرلمانية، ويضم شخصيات سياسية وقادة رأي وناشطين وصحافيين يتوافقون على رؤية مشتركة لمستقبل البلاد، معتبراً أن الهدف الأساس من تلك الجبهة خلق التوازن بوجه "حزب الله" لتغيير هذا الواقع، وذلك عبر إعادة علاقات لبنان مع المجتمع الدولي واستعادة الدولة، مشدداً على أن قيام هذه الجبهة يتطلب من جميع الفرقاء التخلي عن الأنانيات والمصالح السلطوية. وأشار إلى أن قيام هذا التحالف والاستفادة من الأخطاء السابقة يسهمان في تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة، ويوجهان رسالة للمجتمع الدولي أننا موجودون ولدينا برنامج إصلاحي وسياسي متكامل لبناء دولة عصرية ومزدهرة، ويعزز ثقة الرأي العام اللبناني الذي يتململ من الشرذمة الحاصلة بين الأطراف التي تؤمن بسيادة لبنان.
الرئيس المقبل
وعن إمكان تغيير الواقع عبر انتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بمواصفات صلاحية وسيادة بدل إنشاء جبهة سياسية، أشار الجميّل إلى أن "حزب الله" يجهض كل المحاولات منذ عام ونصف عام، ولا سيما أنه متحكم بورقة التعطيل من خلال الثلث المعطل في البرلمان، وقال "في منطق الحزب هو من يختار الرئيس للبنانيين أو يمنع الانتخاب"، واعتبر أن المعارضة قامت بجهد كبير لمنع الحزب من إيصال مرشحه إلى الرئاسة، مؤكداً أنه حتى الآن لا تزال القوى السياسية نفسها التي تقاطعت على انتخاب المرشح جهاد أزعور على موقفها، موضحاً أن المعارضة أبدت مرونة بانسحاب مرشحها النائب ميشال معوض لصالح مرشح يحظى بتأييد أوسع، في حين لا يزال "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) متمسكاً بالخيار الأول سليمان فرنجية ولا يبدي أي انفتاح تجاه الآخرين.
انقلاب على الدولة
ووصف الجميّل تعطيل انتخاب رئيس للبلاد والإصرار على تسيير شؤون الدولة عبر حكومة تصريف أعمال تخطياً فاضحاً للدستور والقوانين وتهميشاً لدور المسيحيين واختصاراً للطائفة السنية، وبالـ"انقلاب الموصوف" على الدولة، إذ تم تعطيل العملية الديمقراطية والدستور ومنع إعادة انبثاق السلطة. وأكد ضرورة مواجهة الانقلاب الذي يقوم به الحزب، بتوحيد الجهود وخلق جبهة عريضة تواجهه وتخلق معادلة جديدة تضعه أمام خيار القبول بالشراكة الوطنية أو الانفصال، مشيراً إلى أن الديمقراطية كانت تقتضي أن يذهب كل فريق بمرشحه إلى المجلس النيابي ويفوز من يأخذ أكثرية الأصوات، إلا أن ما وصلنا إليه محاولة ديكتاتورية من الحزب لفرض رئيس على بقية اللبنانيين، "لهذا السبب لسنا بصدد انتخابات، إنما بصدد مواجهة سياسية كبيرة لتحديد هوية لبنان".
مساندة عربية
وناشد الجميّل الدول العربية الوقوف إلى جانب لبنان وتأمين مظلة حماية عربية ودولية، معتبراً أن لبنان دولة مخطوفة يجب تحريرها، وقال "صحيح أن الجهد الأكبر على عاتق اللبنانيين لكن هناك غياباً للتوازن في ظل حضور إيران عبر الحزب"، مشيراً إلى أن واقعية الأمور تستوجب أن يكون هناك دور للمجتمع الدولي والعربي بمساعدة الشعب اللبناني لتحريره عبر الضغط على إيران.
ولفت إلى أن طهران تبعث مختلف أنواع الأسلحة والأموال والدعم الإقليمي لمساعدة "حزب الله" بالسيطرة على البلاد، فيما اللبنانيون وحدهم لا يستطيعون مواجهة الحزب المرتبط بإيران، الذي جعل من المسألة اللبنانية مسألة دولية وإقليمية، والقضية لم تعد شأناً إقليمياً داخلياً، ولا سيما أن "حزب الله" أسهم في تقويض استقرار الدول العربية.