المصدر: الجمهورية
الأربعاء 5 آب 2020 08:09:04
تحوّلت بيروت أمس مدينة منكوبة مُدمّرة، ولم يحمل أيّ مسؤول معلومة واحدة أو حقيقة ما حصل الى اللبنانيين، ولم يشعر أحد من الحُكّام بضرورة الإستقالة أمام هذا الموت والدمار والهلع والخوف والعتمة والرُكام. إنقضى ليل أمس من دون أن يتمكّن اللبنانيون من إستيعاب الذي حصل في مرفأ بيروت وفي أرجاء العاصمة كافةً، خصوصاً في غياب دولة مسؤولة، وفي ظلّ سُلطة غير قادرة، لا تعلم ماذا يوجد في مرفئها، من أين أتى، ولِمن، وكيف يُخزّن؟ أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون: ما سبب الإنفجار؟ ما الذي انفجر؟ من المسؤول عنه؟ من يتحمّل مسؤولية حصوله؟ من سيُحاسَب؟ وهل من يُحاسِب؟
على رغم أنّه من غير المُمكن حسم أسباب الإنفجار الذي حصل أمس في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، خصوصاً قبل إجراء التحقيقات اللازمة والتوصُّل الى نتائج تُظهر الحقيقة الفعلية لما حصل، إلّا أنّ الفيديوهات التي وثّقت لحظة حصول الإنفجار، فضلاً عن الصوت الذي دوّى وسمعه اللبنانيون في معظم مناطق الساحل اللبناني ساعدت في تحليل هذا الإنفجار.
بالنسبة الى النائب العميد وهبه قاطيشا، الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، إنّ الإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت هو «عمل إسرائيلي يستهدف أسلحة «حزب الله». ويرجّح في حديثٍ لـ«الجمهورية» فرضية أنّ «اسرائيل استهدفت بصاروخ ذكي مخازن أسلحة ثقيلة وصواريخ لـ»حزب الله»، موضحاً أنّ «قوة الإنفجار تشير الى أنّ الأسلحة المُستهدفة ليست قذائف مدفعية أو قذائف دبابات أو ذخيرة بل صواريخ ثقيلة».
ووفق تحليله، «قد تكون اسرائيل أطلقت هذا الصاروخ الذكي من طائرة في أجواء منطقة بحمدون مُستهدفة العنبر رقم 12 في بيروت»، مشيراً الى أنّ هناك شهود عيان ومنهم عسكريون «شاهدوا تحليق لطائرة فوق مناطق بقاعية»، ولافتاً الى أنّ «هذا الصاروخ الذكي ومهما كان نوعه، لا يُخطئ الهدف بل يتّجه مباشرةً الى الصورة المُوجّه اليها والموضوعة أمامه. وإنّ الصاروخ الذي استهدف مرفأ بيروت يحمل متفجرة، ورأسه محملاً بصورة العنبر - الهدف ولا ينفجر إلّا عند الوصول اليه. ويمرّ فوق مناطق عدة لكنه لا يسقط إلّا عند الوصول الى الهدف».
ويقول قاطيشا، إنّ «هذا الإنفجار عبارة عن نصف قنبلة نووية، وإنّ ما أحدثه مشابه لما يُحدثه الإنفجار النووي. فانفجرت شبه قنبلة نووية في بيروت». واستبعد فرضية أن يكون الإنفجار حصل بسبب نقل أسلحة أو صواريخ داخلياً، شارحاً أنّ «حزب الله يجلب الصواريخ في صناديق آمنة، وتُخزّن بطريقة تكون مُفكّكة ولا تنفجر بهذه الطريقة، إلّا إذا فجّرها سلاح أو صاروخ آخر».
أمّا بالنسبة الى حصول انفجارين متتاليين، فيشرح قاطيشا، أنّ «ليس هناك إنفجارين منفصلين، بل إنفجار الصاروخ بحد ذاته ثمّ إنفجار الصواريخ في المخزن. فالإنفجار الأوّل هو صوت الصاروخ عند انفجاره، وتأخذ المواد المُستهدفة ثواني لتنفجر بدورها، وهذا الإنفجار الثاني الذي أدّى الى الكوارث التي شاهدناها».
أمّا سبب الأضرار الهائلة التي خلّفها الإنفجار، فمردّه حسب قاطيشا «كمية الصواريخ الكبيرة المُستهدفة وأنّها ثقيلة وبعيدة المدى»، مشيراً الى أنّ «القنبلة الذرية عبارة عن 20 طناً أو 20 ألف كيلوغرام من المتفجرات. وقد تكون المواد الموجودة في المخزن في مرفأ بيروت عبارة عن 10 أو 15 ألف كيلوغرام من الأسلحة الثقيلة، ما يؤدي الى الضرر نفسه الذي تحدثه القنبلة الذرية بإستثناء الجراثيم. فقوة العصف لهذا الإنفجار توازي قوة نصف قنبلة ذرية حسب ما ظهر من أضرار حتى الآن، وهذا مفعول نصف قنبلة ذرية، لكنه مفعول عصفي وتدميري من دون أيّ مفعول جرثومي، لأنهّا ليست قنبلة نووية».
وبالنسبة الى توقيت الإنفجار والذي يتزامن مع صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، يقول قاطيشا، إنّ «العدو الإسرائيلي يوقّت استهدافاته في اللحظة المناسبة للنجاح في إصابة الهدف وتدميره، بصرف النظر عن متى وكيف»، مؤكّداً أنّ «هذا الإنفجار غير مُرتبط بقرار المحكمة الدولية».
ويرى قاطيشا أنّ «ردّ إسرائيل على «حزب الله» يأتي بهذا الإنفجار مثلما ردّت في سوريا، وجاء رداً على الأسلحة الذكية والصواريخ الثقيلة والبعيدة المدى التي يجلبونها. أتوا بها الى سوريا فضربها الإسرائيليون، فجلبوها الى مرفأ بيروت على أساس أنّه محايد ويستبعدون أن تضربه إسرائيل. لكن أمراً كهذا لا يمرّ لدى الإسرائيلي، فهو بالنسبة إليها قضية حياة أو موت».
وإذ يُشير قاطيشا الى أنّ «حزب الله» وحلفاءه ومؤيّديه يقولون إنّ «الحزب» يُشكّل توازن رعب مع إسرائيل»، يلفت الى أنّ «إسرائيل تملك 200 قنبلة ذرية، وكلّ واحدة منها تدمّر مدينة مثل بيروت»، ويسأل: «أيّ توازن مع إسرائيل؟». ويعتبر أنّ «حزب الله» يأتي بأسلحة ويدمّر بلدنا وعاصمتنا من دون أن يكون للبنان علاقة بكلّ ما يحصل، ويضعون مصير الشعب اللبناني والبلد تحت رحمة من يحملون السلاح ويتلقون الأوامر من إيران».
ورأى قاطيشا أنّ على «الدولة والسلطة التي سمحت بتخزين هذه الأسلحة في مرفأ بيروت، أو لا علم لها بها، الإستقالة برمّتها، بدءاً من رئيس الجمهورية، الذي عليه أن يقول لـ«حزب الله»: إمّا تُسلّم سلاحك وإمّا أستقيل وأرحل».