المصدر: Kataeb.org
الكاتب: إدمون رباط
الأحد 28 أيلول 2025 19:54:11
كتب أدمون رباط: رسالة إلى صديق من "حزب الله"
(مستوحاة من 'رسائل إلى صديق ألماني' لألبِر كامو، 1945)
« كل جيل يعتقد، بلا شك، أنه مكلَّف بإعادة بناء العالم. جِيلي، مع ذلك، يدرك أنه لن يفعل ذلك. ولكن مهمته قد تكون أعظم. إنها تكمن في منع العالم من الانهيار. »
ألبِر كامو
صديقي،
أكتب إليك في يوم يُحيي فيه حزبك ذكرى الرجل الذي ما زلتم تطلقون عليه لقب «السيّد». أنت حزين، وأنا أحترم حزنك. لكن لا يمكنني أن أشاركك تبجيلك. ما أرفض تكريمه ليس الشخص، بل العمل الذي تركه وراءه.
عرفتك متحمّساً، واثقاً بأتن «المقاومة» تمنح حياتك معنىً، وأنها تنقذ لبنان من الذل. كنت تقول لي: «لولا حزب الله، لكنا تحت رحمة أعدائنا.» كنت أستمع إليك باحترام، لأنك كنت تعتقد أن قتالك صادق. لكن في هذه النقطة بالتحديد افترقنا.
«لا،» كنت أقول لك، «لا أستطيع أن أؤمن بضرورة إخضاع كل شيء لقضية، خصوصاً البلد الذي تدّعون تحريره. أريد أن أكون قادراً على حب لبنان وفي الوقت نفسه حب العدالة. لا أريد له عظمة تُبنى بالدماء والخوف.»
فأجبتني: «إذن أنت مع أعدائنا.»
منذ ذلك الحين، لم نتوقف عن الاختلاف. ومع ذلك، لم أتوقف عن التفكير فيك، كل مرة يُسكَت فيها معارض، تسقط فيها حكومة تحت ضغط الشارع أو السلاح، عند اجتياحكم بيروت في 7 أيار 2008، عندما ذهبت للدفاع عن بشار الأسد في سوريا، وعندما انفجر مرفأ بيروت لأنكم خبّأتم فيه نيترات الأمونيوم، وأيضاً عندما اغتال رفاقك لُقمان. فكّرت فيك أيضاً كل مرة تُفرَغ فيها قرية جنوبية من أهلها، وكنت أقول لنفسي: صديقي ما زال يعتقد أن هذا يحصل من أجل العدالة.
اليوم، أكتب إليك لأقول إنني لم أعد أؤمن بذلك.
ثمن البطولة
انظر إلى العالم من حولنا. مغامرة يحيى السنوار في 7 تشرين الأول 2023 أدّت إلى نحو 70 ألف قتيل، وتدمير غزة كليًّا، وخطر ضم الضفة الغربية فعليًّا. بفضل الحسابات الماكرة لبنيامين نتنياهو، الذي كان يُضعِف السلطة الفلسطينية ويحمي المستوطنين المتطرفين، تمكّنت "حماس" من البقاء في غزة قبل أن تصبح الذريعة المثالية لمحو فلسطين.
بعد عامين، لم تعد هناك "حماس". لم تعد هناك سلطة فلسطينية. وقريباً ربما لن تكون هناك فلسطين. ما وعد «سَيّدك» بتحريره في دقائق معدودة لم يعد موجوداً.
وماذا جلبت للبنان «حرب الإسناد» التي أشعلتموها في 8 تشرين الأول؟
خمسة آلاف قتيل.
ستة عشر ألف جريح.
مئات المفقودين.
ثلاثمئة ألف نازح، مئة ألف منهم ما زالوا في بعيدين عن قراهم.
خسائر اقتصادية تقارب أربعة عشر مليار دولار.
مئة وثلاثون ألف منزل متضرر، عشرات الآلاف منها سُوّيَت تمامًا بالأرض.
وعلى الرغم من وقف النار، سُجّل 4,500 خرق إسرائيلي لأرضنا، وهذه الخروق مستمرة، تستهدف قادتكم وتدمّر مخازن أسلحتكم.
ناهيك بتلك الطائرة المسيّرة الصارخة التي تحوم يومياً تقريباً فوق رؤوسنا.
هذا هو ثمن بطولتكم. هذا هو لبنان الذي تتركونه وراءكم.
لكن لا تُسِئ فهمي: أنا لا أحمّل "حزب الله" وحده المسؤولية عن مأساتنا. النخب اللبنانية، الفاسدة والجبانة، سمحت لكم بملء الفراغ. وإيران استغلّتكم أداةً لإطالة أمد نفوذها. ونحن، المواطنين، قبلنا طويلاً بصفقة الصمت والخوف هذه.
ومع ذلك، تغيّر العالم. نظام بشار الأسد سقط، وحلّ محله قائد سابق في تنظيم "القاعدة" يصفه دونالد ترامب الآن بأنه «رجل طيب». طريق طهران-بيروت مقطوع. إيران أضعف من أي وقت مضى: قادتها العسكريون قُتلوا، منشآتها النووية دُمِّرت، اقتصادها يعاني الخنق، وشعبها مُثقَل بالجفاف وانقطاع الكهرباء. أما الدول العربية، فلم تعد تريد حروبكم. بل تريد حماية أبراجها الزجاجية، وصناديقها السيادية، ومشاريعها المستقبلية الخالية من الماضي.
وفي غضون ذلك، يهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بضم الضفة الغربية، ويفعل ذلك من دون أن يواجه عقبات. دمّر غزة ويحلم الآن بإسرائيل الكبرى التوراتية. هل تعتقد أن «سيّدك»، من خلال خياراته، لم يخدم هذا المشروع؟ هل تعتقد أن عنادكم لم يحوّلكم أغبياء نافعين لإسرائيل؟
أكتب إليك لأحذّرك أيصًا: خطر حرب جديدة قائم. وتهديدات نتنياهو يجب ألا تؤخذ باستخفاف، خصوصاً بعد تصريحات توم برّاك التي تؤكد أن إسرائيل تستعد للمضي قدماً، خصوصاً بعد تصعيدكم في الروشة.
لكن لبنان اليوم ليس لبنان عام 2006. إنه قشرة فارغة، أرض منهكة. حرب جديدة لن تكون مجرد تكرار للماضي: قد تكون النهاية.
هل أنت مستعد لتحمل مسؤولية حرب جديدة؟
مستعد لرؤية المزيد من الموت، المزيد من الدمار، المزيد من النازحين؟
وماذا عن اللبنانيين؟ هل تعتقد أنهم سيكونون مستعدين لاستقبالكم مرة أخرى في قراهم ومنازلهم المدمّرة، لأنكم رفضتم تسليم أسلحتكم؟
الانتصار الداخلي
صديقي، لا أتحدث إليك لأحكم عليك. بل لأذكّرك بأن العدالة لا تُقاس بعدد الشهداء. التضحيات التي تمجّدها لم تُعظِم لبنان: لقد شوّهته. لم تُطهِّر البلد: بل غطّته بالخراب.
أنتم اخترتم البطولة التي لا تنتهي؛ ونحن نريد السعادة المستعادة.
أنتم تمجّدون الموت؛ ونحن نريد الحياة.
أنتم جعلتم من الخوف لغة البلاد؛ ونحن نريد الكلمة.
أبناؤنا يغادرون إلى أوروبا وأميركا، أبنائي مثل أبنائك. هذا البلد يفرغ من شبابه. وهل ما زلنا نريد القتال من أجل الأنقاض؟
لا تعتقد أنني أكتب إليك بكراهية. أنا لا أكره. لكن غضبي يريد أن يبقى يقظاً. إذا كان لا بد لنا أن نتواجه مرة أخرى، أريد أن يكون ذلك كرجال يحترم بعضهم البعض، وليس كأعداء ينكرون وجود بعضهم.
نحن بحاجة اليوم إلى انتصار أصعب: ذاك الذي يُحرز على ذواتنا، ذاك الذي يكسر حلقة الخوف ويعيد لهذا البلد صوته، تنوعه، وكرامته. نحن بحاجة إلى لبنان لم يعد بحاجة إلى ميليشيات، ولا حماة أجانب، ولا منقذين مُعلنين ذاتياً.
لا أطلب منك أن تتنكر لأمواتك، بل أن تسأل: من أجل ماذا ماتوا؟ ليس لتسليم لبنان لإيران، ولا لفرض الحرب الأبدية عليه، ولا لخدمة المشروع المسيحاني لنتنياهو. لقد ماتوا، إذا أردنا أن نمنحهم معنى، لكي نصبح قادرين على أن نقول: كفى.
هذا ما أسمّيه الانتصار الداخلي: تلك اللحظة التي يبقى فيها الإنسان، حتى وهو مهزوم، وفياً لفكرة العدالة ويرفض أن يزيد بؤس العالم. نريد أن ندمّركم في قوتكم، ولكن دون أن نشوّه أرواحكم. هذا هو الانتصار الوحيد الذي يستحق. إذا خسرناه، فسنكون موتى مثلكم.
أكتب لأمدّ إليك يداً عبر هذه الرسالة. إنها لا تلغي خلافاتنا، ولكنها تدعوك للتفكير معي بأن لبنان يستحق أفضل من الاحتضار المتكرر، أفضل من هجرة أبنائه، أفضل من ظل الطائرات المسيّرة في سمائه.
إذا عرفنا كيف نقول «كفى»، فسيأتي يوم يزدهر فيه لبنان من جديد. لكن هذا اليوم يعتمد علينا، على شجاعتنا في اختيار الحياة بدل الحرب، الكلمة بدل السلاح.
وداعاً للرجل الذي تبكيه؛ ولكن ليس وداعاً لك.