لم تتمكن الجهات الضامنة من حماية المرضى عموماً ومرضى غسيل الكلى خصوصاً من استغلال المستشفيات، فالأخيرة تفرض زيادات مالية على تعرفات استشفائية معدلة ومدولرة. ولعل تكلفة جلسات غسيل الكلى خير مثال على جشع المستشفيات. فغالبيتها لا تزال تتقاضى فوارق مالية على الرغم من تغطية الجهات الضامنة قيمة تكاليف الجلسات كاملة.
تعم الفوضى المستشفيات الخاصة لجهة تسعير خدماتها الطبية والاستشفاىية. وحسب الأطباء، فإن مسألة تحديد تكلفة العمليات الجراحية تتفاوت بين مستشفى وآخر، وتبلغ بمجملها أضعاف ما كانت عليه التكاليف قبل أزمة العام 2019.
مرضى غسيل الكلى
لطالما اتخذت المستشفيات مرضى غسيل الكلى كأداة ضغط على الجهات الضامنة، لفرض شروطها التعاقدية ورفع قيمة بدلات الخدمات التي تقدمها، مستغلة حاجتهم الماسة للإلتزام بمواعيد الجلسات. فالتأخير يعرّض المريض لخطر الوفاة.
التجاذبات بين المستشفيات والجهات الضامنة استمرت طيلة الفترة التي شهد فيها سعر الدولار تغيرات مستمرة. لكن تلك الظروف لا تنطبق اليوم على واقع الخدمات الاستشفائية. فسعر الدولار مستقر والجهات الحكومية الضامنة تسدد حالياً تكلفة جلسات غسيل الكلى كاملة، وتغطي بنسبة 100 في المئة بالليرة اللبنانية على سعر صرف الدولار الرائج.
وقد حوّل الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في الأيام القليلة الماضية مبلغاً قدره 50 مليار ليرة على حساب المستشفيات، كمستحقات بدل علاج مرضى غسيل الكلى، ليصبح مجموع ما تمّ تحويله خلال العام 2023 حوالى 249 مليار ليرة لمعالجة مرضى غسيل الكلى. من جهتها تقوم الجهات الضامنة ومنها صندوق الضمان بزيادة تعرفة بدل علاج غسيل الكلى كلما اقتضت الحاجة، كي تبقى التعرفة مساوية لكلفة العلاج الفعلية وتغطيته بالكامل بنسبة 100 في المئة. وعليه، لا يجدر بالمستشفيات تحميل المريض المضمون أيّ فروقات مالية.
التعرفة "الجديدة"
حتى وزارة الصحة العامة تقوم كذلك بالإلتزام بتغطية كاملة لمرضى غسيل الكلى الأمر الذي دفع بالوزارة مؤخراً الى تعليق تعاقدها مع مستشفى رحال، لعدم مراعاة القوانين المرعية الإجراء ومخالفة شروط التعاقد، والتسبب بمشاكل عدة مع المرضى في مركز غسل الكلى.
وعلى الرغم من تشدد الجهات الضامنة، خصوصاً الوزارة، بعدم المس بحقوق المرضى وضرورة الإلتزام بالشروط القانونية المحددة، وعدم طلب المؤسسات الصحية أي فروقات مالية.. غير أن الأخيرة لا تزال حتى اللحظة تحمّل المرضى فروقات مالية بقيمة 6 دولارات بالحد الأدنى للمستشفى عن كل جلسة غسيل كلى، وقيمة متفاوتة بين مستشفى وآخر لصالح الطبيب.
وتبلغ قيمة تعرفة المستشفيات الرسمية عن جلسة غسيل الكلى 62 دولاراً ونحو 12 دولاراً للطبيب. ويؤكد مصدر طبي في حديث لـ"المدن" تقاضي عدد كبير من المستشفيات حالياً ما يقارب 85 دولاراً بدل تكلفة جلسات الغسيل منها 68 دولاراً للمستشفى.
وإذ ينفي نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون تقاضي المستشفيات زيادات على الجلسات، يرى أن التعرفة الحالية لم تعد متناسبة مع تكلفة الجلسات، بسبب ارتفاع ثمن المستلزمات الطبية بعد رفع الدعم عنها. ويؤكد في حديثه الى "المدن" أن مفاوضات تجري حالياً بين المستشفيات والجهات الضامنة لرفع تكلفة جلسات غسيل الكلى بقيمة 6 دولارات للمستشفيات.
من هنا تتضح الصورة فالمستشفيات باشرت تقاضي التعرفة الجديدة قبل التصديق عليها من قبل الجهات الضامنة وعليه تقوم بتحميل المريض فارق التعرفة مهما كانت الجهة الضامنة له باستثناء مرضى الجيش، وهذا ما أكده المصدر الطبي مشدّداً على أن غالبية المستشفيات تقوم بتحميل مريض غسيل الكلى اعباء إضافية لحساب المستشفيات والطبيب.
وبحسب الأرقام يبلغ عدد مرضى الكلى الذين يجرون جلسات غسيل بشكل دوري نحو 4500 مريض، ويبلغ متوسط عدد الجلسات التي يحتاجها المرضى نحو 13 جلسة شهرياً، في حين يشكّل تأخر المريض عن إجراء الجلسة لأكثر من بضعة أيام خطراً على حياته.
استغلال المستشفيات
ولا يقتصر استغلال المستشفيات على مرضى غسيل الكلى. فثمة فوضى في تسعير الخدمات كافة حتى الجراحية منها. ويؤكد المصدر الطبي أن عدداً كبيراً من المستشفيات يتقاضون بدلات إجراء عمليات جراحية مبالغ مضاعفة عما كانت عليه قبل الأزمة 2019، ومنها على سبيل المثال تكلفة الولادة الطبيعية التي كانت تبلغ قبل العام 2019 نحو 600 إلى 700 دولار في حال أجرتها المريضة على عاتقها، وليس عاتق جهة ضامنة. أما اليوم فلا تقل تكلفة الولادة الطبيعية عن 2000 دولار إلى 3000 دولار، وسط تفاوت هائل بين المستشفيات.
وعن سكوت وزارة الصحة العامة عن محاسبة المستشفيات التي تستغل المرضى، يؤكد مسؤول في وزارة الصحة في حديث إلى "المدن" متابعة الوزارة للمستشفى المتهم بالمخالفة في حال وصلت شكوى رسمية إلى مكاتب الوزارة. ومن دون ذلك لا يمكن للوزارة التدقيق بكافة معاملات وفواتير المرضى.
ويدعو المصدر المرضى المتضررين من معاملة المستشفيات أو ذويهم إلى التقدم بشكوى رسمية لدى وزارة الصحة، لتسهيل ملاحقتها المستشفيات المخالفة. هذا يعني أن لا ضابط لعمل المستشفيات ولا رادع لاستغلالها المرضى والاستفراد بهم وتحميلهم تكاليف عشوائية.