رفع السريّة المصرفيّة...

رفع الشارع اللبناني صوته عالياً في وجه النظام السائد مع بداية الانتفاضة في «17 تشرين» الأول 2019، ووحّد مطلب «رفع السريّة المصرفية» الشعارات في الساحات.

تلقّفت حكومة دياب أمس الأوّل مطلب الشارع، وسارعت الى إصدار القرار القاضي «برفع السرية المصرفية عن كل من يتولى مسؤولية عامة بالانتخاب او بالتعيين، وعن كل من يتحمل مسؤولية تنفيذية او رقابية في المصارف والصناديق والمجالس على انواعها والجمعيات السياسية وغير السياسية ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية، وكل من تتعاقد معه الدولة لتنفيذ التعهدات».

خطوة جاءت كتنفيس لاحتقان الشارع وكامتحان أول للحكومة بوجه «طبقة الفاسدين» التي تختبىء خلف تلك السرية وتقوم بعمليات مشبوهة من دون اي حسيب او رقيب... وأمام هذه الاندفاعة الحكومية هل ستبادر الكتل النيابية الى تأمين الغطاء التشريعي وتلاقي الحكومة إلى منتصف الطريق، وتأخذ بيدها «كرة النار» المصرفية، وتصوّت على مشروع القانون الذي أعدّه النائب ميشال ضاهر والذي أدخلت عليه الحكومة بعض التعديلات؟

 من الناحية القانونية، فقد أوضح الخبير الدستوري رئيس مؤسسة «جوستيسيا» بول مرقص أنّ «قانون السريّة المصرفية يتضمن استثناء وهو «الإثراء غير المشروع»، الا أنّ هذا الإستثناء لم يطبّق».

أضف إلى ذلك، يقول مرقص، إنّ «القانون الجديد 44 / 2015 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، يعطي هيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال صلاحيات واسعة تمكّنها من الاطلاع على أي حساب تريد وتجميده ورفع السرية المصرفية عنه».

ورأى مرقص أننا «لسنا بحاجة الى مزيد من القوانين، إنّما نحن بحاجة الى تطبيق القوانين الموجودة وتطويرها، فالعقبة الاساسية ليست بعدم وجود قوانين إنّما بعدم تفعيلها خصوصاً تلك المتعلّقة بقضايا الإثراء غير المشروع، وسوء استعمال السلطة، والفساد، وصرف النفوذ»...

إنطلاقاً من هذا، يعتبر مرقص أنّ «مشروع القانون الذي أقّره مجلس الوزراء، جاء لزوم ما لا يلزم، ومن دون معايير، وجَعل كل من يؤدّي خدمة عامة أو خدمة إعلامية مكشوفاً تجاه الآخر، وتجاه «حشرية» الجمهور من دون معايير وبشكل مطلق، ويضع كل من يتعاطى الشأن العام أو الوظيفة العامة تحت الشبهة، وهذا أمر مرفوض».

وعن مساوئ هذا القانون أيضاً، لفت مرقص إلى أنّ «خسارة لبنان هذا الامتياز، بعد خسارته امتياز قطاعي التعليم والصحّة، لن يمكّنه من إعادة جذب الاستثمارات عندما يعود الوضع الاقتصادي الى طبيعته». ويذكّر في السياق بالقوانين والاتفاقات الدولية التي من شأنها ان تسمح للبنان بتعقّب الاموال المهرّبة الى الخارج.

وعمّا اذا كانت خطوة الحكومة مطلوبة دولياً، أكّد مرقص أنّ «المطلوب دولياً واضح: إصلاحات فعلية بنيوية وقطاعية، فالدول لا تتدخّل بقوانيننا، إنما تبقى العبرة في إجراء اصلاحات وفي وقف الفساد».

وفي الإطار، أبدى بعض المراقبين تساؤلات عدة عن سبب تحديد الفترة الزمنية لمشروع القانون من العام 1991 والشكوك المتعلقة بشموليته، خصوصاً أنّ هذا التاريخ يحمل دلالات سياسية قد تطرح علامات استفهام عدة حول صدقيته.