المصدر: أساس ميديا
الكاتب: قاسم يوسف
الأربعاء 1 تشرين الأول 2025 08:04:47
ما كان ينقص مشهدية شطب رفيق الحريري في ذاك اليوم المشؤوم سوى أن يخرج القاتل في مقدمة جنازته. قيل إن السيّد حسن نصر الله زار قريطم عشية القتل العظيم. وقال للسيدة نازك إنه سيعود إلى القصر ومعه الملف الكامل. لكنه ذهب ولم يعد. عرفنا لاحقًا من المحكمة الدولية أنّ فريق الاغتيال أشرف على معاينة ميدانية لموكب الرئيس الشهيد في آخر زياراته إلى السيد في الضاحية. كان ذلك كله بمثابة فجيعة فوق فجيعة. وصدمة فوق صدمة. وغصة ستعيش أبد الدهر في القلوب وفي الحناجر. لكن يبدو أنّ للحكاية تتمة.
السيّد يتوسّط الرئيسين على صخرة الروشة. رفيق الحريري الذي وجدوا قطعًا من سيارته وقد وصلت إلى مشارف قبرص. ونجله الذي أخبره باراك أوباما وهو يجتمع معه داخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض أنه بات رئيسًا سابقًا للحكومة التي تم إسقاطها باستقالة الوزير الملك.
ما كان ينقص هذا المشهد البديع سوى صورة سليم عياش. أو أسد صبرا. أو مصطفى بدر الدين. أولئك الذين رفعهم الحزب إلى مراتب القداسة. وقد شاهدنا يومذاك بأم العين ما لا تستطيع أن تلتهمه كل ثقوب الذاكرة. لا حاجة هنا لاستحضار البقلاوة التي صارت رفيقة كل قتل وكل اغتيال. ولا لاستحضار خطابات التحريض والشماتة والتشفي. حتى شعر العاقل فينا أننا نعيش قطعًا في مزرعة. بل في غابة. بل في أوحش بقعة على وجه البسيطة.
كسر نواف وابتزازه
حتى السفاح بشار الأسد كان أكثر حياءً. ترك البلاد وهرب حين انكسر وانهزم. ثم دخل في حالة تشبه صمت القبور. هو يدرك تمامًا أنه مات. وأنّ الدفن مؤجل حتى تحين ساعته. لكنه لم يفعل فعلة الحزب. ولم يرفع صورة إبراهيم القاشوش ولا حمزة الخطيب ولا غيرهم. بل اكتفى بقتلهم بدم بارد.
رفع صورة رفيق الحريري لم تكن اعتذارًا عن قتله. ولا تعبيرًا عن ندم أو طلبًا للغفران. حتى في الحالات هذه لا يستوي رفع الصورة. لأنّ الأصول تقول بخلاف ذلك. وكذلك المنطق والعقل والعرف والحد الأدنى من الرصانة والحصافة واحترام الذات. فكيف تكون الحال حين يرفع القاتل صور قتلاه ليبتز بهم غيره. بل ليُسقط قتيلاً جديدًا على درب مشروعه الرابض فوق بحر من الدم والجثث؟
أراد حزب الله أن يكسر صلابة نواف سلام بصورة رفيق الحريري. وأن يبتزه بصورة نجله. وهذا فعل شائن لا يأتيه من هم على قدر من السوّية أو التماسك الأخلاقي والسياسي. حتى أن الواحد فينا حين سمع ما ارتكبه الحزب عند الصخرة لم يُصدّق. وصرنا نبحث عن تواتر الصور والأخبار. ثمة شيء عصيّ على الفهم. كأن يرفع القاتل صورة القتيل. لا لتكريمه. ولا لإنصافه. بل لإنجاز اغتيال سياسي جديد.
قضم الأصابع
عند هذه اللحظة تحديدًا قُتل رفيق الحريري مرتين. الأولى بطنين من المتفجرات. وبشبكة معقدة جدًا من أجهزة الاتصالات والمراقبة والتفجير. والثانية بصمت أولياء الدم على استهداف نواف سلام وصلابته ومكانته ودوره التاريخي في هذه اللحظات العصيبة من تاريخ لبنان.
كان يستحق رفيق الحريري أن يُرد على استحضاره الرخيص بالطريقة التي تليق به وبمكانته، وأن يُقال بالفم الملآن. ودون أي مراوغة أو مواربة: إن الثقة برئيس الحكومة ودوره وأدائه غير قابلة للأخذ والرد. وإن ما بقي من الحريرية الشخصية تقف صفًا واحدًا في ركابه وفي ركاب لبنان الجديد. أما القتلة. فلا يحق لهم لا أن يرفعوا صورته ولا أن يلفظوا اسمه. وأن أكثر ما يستطيعون فعله هو قضم الأصابع ندمًا في غياهب العتمة والظلام.