المصدر: النهار
الأربعاء 11 كانون الاول 2024 08:37:05
تبعاً للقاعدة المعروفة القائلة إن "لا دخان بلا نار" لم تتأخر جوانب جديدة من تداعيات الحدث السوري المذهل المتمثل بسقوط نظام بشار الأسد على لبنان بالصعود تباعاً. فلبنان الذي يرصد بدقة تطورات المرحلة التي أعقبت سقوط النظام السوري، تتشابك أولوياته على نحو غير مسبوق وفق مجموعة استحقاقات تتزاحم دفعة واحدة بدءاً باستعجال تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل بما يوجب نشر أكثر من ستة آلاف جندي في الجيش اللبناني بأقرب وقت. ومن ثم تشديد قبضة الجيش والأجهزة الأمنية على المعابر والحدود الشرقية والشمالية حيث تنامت حالة مثيرة للقلق أمام حركة "جحافل" النازحين السوريين في الاتجاهين المعاكسين، دخولاً وخروجاً، بما يربك على نحو واسع التدقيق ومنع الدخول غير الشرعي ومكافحة التسلل عبر المعابر غير الشرعية.
وجاء أمس انكشاف ملف دخول أو إدخال مسؤولين سابقين من النظام السوري المخلوع ليزيد الطين بلّة ويضع الحكومة والأجهزة في مواجهة تداعيات خطرة لهذا الاحتمال في حال التراخي حياله. وإلى هذه الاستحقاقات الأمنية والعسكرية الداهمة يقترب المشهد السياسي من صورة شديدة الدقة حيال موعد 9 كانون الثاني الانتخابي، إذ بدا واضحاً أن سقوط النظام السوري خلق واقعاً إضافياً على التوازنات السياسية الداخلية من شأنه أن يزيد التشويق والتعقيد والغموض في فترة العبور يوم الانتخاب.
اما أحدث تداعيات الحدث السوري على لبنان، فتمثلت في القنبلة التي فجرها أولاً الحزب التقدمي الاشتراكي منبهاً إلى "ورود أخبار عن هروب بعض قيادات النظام المخلوع في سوريا إلى لبنان عبر المعابر الشرعية أو عبورهم من لبنان إلى دول اخرى"، وحذّر من "خطورة تحويل لبنان إلى ملجأ آمن لهؤلاء المسؤولين عن الكثير من الجرائم بحق لبنانيين وسوريين"، ودعا الدولة بكل مؤسساتها الأمنية والقضائية "إلى تدارك هذا الامر ومنع حصوله كي لا يتحمل لبنان تداعيات قانونية وسياسية نتيجة لهذا الأمر".
كما أن المكتب السياسي لحزب الكتائب لفت لاحقاً إلى "التقارير الأمنية حول اختباء قيادات من النظام السوري السابق في لبنان وعلى رأسها علي المملوك المطلوب من القضاء اللبناني بتهمة تفجير مسجدي التقوى والسلام، وعدد آخر من مرتكبي الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، وطالب السلطة والقوى الأمنية التحقق من الأمر وإلقاء القبض عليهم في حال ثبوت تواجدهم في لبنان وتطبيق الأحكام الصادرة بحقهم".
"الخماسية " تتحرك
وسط هذه الأجواء بدأت سخونة المشهد السياسي تتصاعد مع العدّ العكسي لموعد الجلسة الانتخابية الرئاسية في 9 كانون الثاني المقبل. والبارز في هذا السياق أن سفراء "المجموعة الخماسية"، الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، سيقومون بتحرك جديد بدءاً بزيارة لرئيس مجلس النواب نبيه بري غداً الخميس.
وأفادت مراسلة "النهار" في باريس رندة تقي الدين أمس أن افتتاح اعادة تأهيل كاتدرائية نوتر دام في باريس الذي حضره الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب كان مناسبة للتطرق بين الرئيسين الأميركي والفرنسي إلى الملف اللبناني لجهة تثبيت وقف اطلاق النار فيه والدفع إلى انتخاب رئيس. وواكب ترامب خلال زيارته مستشاره للشرق الاوسط مسعد بولس الذي أجرى محادثات مع المسؤولة عن ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الرئاسة الفرنسية السفيرة آن كلير لوجاندر. وعلمت "النهار" أن بولس الذي كان أعرب عن تفضيله تأجيل انتخاب الرئيس في لبنان وافق في النهاية مع الرأي الفرنسي على ضرورة إنجاز الانتخاب في جلسة 9 كانون الثاني خصوصاً وأنه بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى السعودية خرج الجانب الفرنسي بانطباع أن السعودية لن تنخرط في مساعدة لبنان على صعيد مدّ الجيش بالمساعدات المالية والتجهيز قبل معرفة من سيكون رئيساً وكيف ستكون الحكومة المنوط بها تنفيذ الاصلاحات. ورأى الجانب الفرنسي أن هناك ضرورة للإسراع في الانتخاب نظراً لما يحدث من تغيير في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد وتراجع نفوذ "حزب الله". وقام بولس بزيارة إلى دول الخليج فور انتهاء زيارته مع ترامب إلى باريس.
وترى مصادر فرنسية أن سقوط بشار الاسد سيضعف "حزب الله" إذ أن كل طرق اعادة تزويده بالسلاح قطعت عليه.
إلى ذلك، من المتوقع أن يتحاور ممثلو الدول الخمس المتابعة للملف الرئاسي مع الرئيس بري حول انتخاب الرئيس والأسماء المتداولة هي نفسها قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق زياد بارود والنائب نعمة فرام والمصرفي سمير عساف والوزير السابق ناصيف حتي. غير أن احداً لا يجزم من هو المرشح الذي بإمكانه أن يظهر قدرته لدى توليه الرئاسة للقيام بالإصلاحات المطلوبة. وترى المصادر الفرنسية أن الجيش اللبناني يحتاج الآن إلى بقاء العماد جوزف عون على رأسه فهو شخصية ذات كفاءة كبرى وتحظى بثقة المجتمع الدولي لقيادة الجيش، أما الأسماء الاخرى، فهي موضوع نقاش داخلي وباريس ترى ضرورة ملحة في انتخاب رئيس في موعد 9 كانون الثاني المقبل.