المصدر: النهار
الكاتب: سميح صعب
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024 12:22:35
انتقلت الحرب الروسية-الأوكرانية، في اليوم الألف على اندلاعها، إلى مستوى عالٍ من التصعيد. فقد استخدمت أوكرانيا للمرّة الأولى صواريخ أميركية بعيدة المدى من طراز "أتاكمز" ضدّ أهداف في العمق الروسي، وذلك بعد يومين فقط من منح الرئيس الأميركي جو بايدن الإذن لكييف باستخدام هذه الصواريخ داخل روسيا.
برّر بايدن قراره، الذي جاء بعد تردّد، بأنّه بمثابة ردّ على قرار روسيا نشر قوات كورية شمالية على أراضيها، باعتباره خطوة تصعيدية غير مقبولة تستوجب رداً أميركياً وغربياً، قد يتخذ شكل سماح بريطانيا وفرنسا أيضاً لكييف باستخدام صواريخ "ستورم شادو" و"سكالب" على التوالي، ضدّ العمق الروسي. أما المستشار الألماني أولاف شولتس، فلا يزال يرفض حتى الساعة تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من طراز "توروس".
سريعاً، جاء الردّ الروسي على القرار الأميركي، إذ أعلن الرئيس فلاديمير بوتين تحديث شروط استخدام الأسلحة النووية، بحيث تشمل استخدامها للردّ على هجوم جوي "كثيف" تشنّه دولة لا تملك أسلحة نووية لكن تدعمها قوة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة.
لم تأخذ واشنطن الإجراء الروسي على محمل الجدّ، واعتبرته مماثلاً لتهديدات سابقة طوال عامين باستخدام الأسلحة النووية، وقالت إنّها لم تلحظ تغييراً في الواقع النووي الروسي يستوجب الردّ من الولايات المتحدة.
خطورة التطورات الجارية في أوكرانيا، نابعة بالدرجة الأولى من كونها تأتي في المرحلة الانتقالية بين رئاسة بايدن وخَلَفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب. يستدعي ذلك سؤالاً مهمّاً حول ما إذا كان بايدن يعتزم بقراره التصعيدي توريث الرئيس الجمهوري حرباً مستعرة، قد لا يقوى على إطفائها كما تعهّد أكثر من مرّة في حملته الانتخابية، وحتى قبل ذلك.
وإلى قرار السماح باستخدام الصواريخ الأميركية البعيدة المدى، يعتزم بايدن إنفاق 7 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، خوفاً من إقدام ترامب على حجب ما تبقّى من مساعدة الـ60 مليار دولار عن أوكرانيا، لإجبار رئيسها فولوديمير زيلينسكي على التفاوض مع بوتين على إنهاء الحرب بتنازلات عن جزء من الأراضي الأوكرانية.
في المحصلة، الولايات المتحدة الآن على تماس أكبر مع الحرب، وعندما تضرب الصواريخ الأميركية الصنع أو الأطلسية عموماً في العمق الروسي كتفجير مستودع للذخائر في بريانسك الثلاثاء، تعتبر موسكو ذلك تجاوزاً آخر للخطوط الحمر الروسية. والردّ قد يتخذ أشكالاً مختلفة تتجاوز الساحة الأوروبية، كمثل زيادة التعاون العسكري مع كوريا الشمالية وإيران. وأخيراً، أرسلت موسكو غواصة تعمل بالوقود النووي قادرة على حمل صواريخ "كاليبر" الفرط صوتية وفرقاطة إلى كوبا على مسافة مئة ميل عن شواطئ ولاية فلوريدا الأميركية. وزيلينسكي يخشى رفع عدد الجنود الكوريين الشماليين في روسيا من 10 آلاف إلى 100 ألف.
وسبق لبوتين أن قال في أيلول (سبتمبر) الماضي، إنّ أوكرانيا لا يمكنها وحدها إطلاق صواريخ "أتاكمز"، وإنّه لا بدّ من الاستعانة بالأقمار الإصطناعية الأميركية وكذلك بالمدربين.
وعلى رغم التحذيرات الروسية، يرى الباحث البارز في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح بافل بودفيغ، أنّ موسكو تحاول فقط "خلق أجواء من عدم اليقين حول السيناريوات المحتملة" التي يمكن أن تُقدم عليها.
بعد شهرين من الآن، يعود ترامب إلى البيت الأبيض. وهي عودة تؤرق زيلينسكي وحلفاء أميركا الأوروبيين، حول ما ينويه من قرارات لتنفيذ تعهده وقف الحرب التي يرى أنّ استمرارها يعني أنّ العالم يسير إلى الحرب العالمية الثالثة وهو نائم.
حتى الآن، لا يكشف ترامب الذي يحمل لواء انكفاء الولايات المتحدة عن الساحات الساخنة في العالم "كي تعود إلى عظمتها مرّة أخرى"، عن خطة تفصيلية لوقف أخطر نزاع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وأوروبا والعالم في الانتظار.