المصدر: المدن
الثلاثاء 29 آذار 2022 14:30:46
كتب علي نور الدين في المدن:
أعلنت وكالة التعاون القضائي الأوروبيّة (يوروجاست) أنّ الأجهزة القضائيّة في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا نسّقت في ما بينها لتجميد ملكيّات عقاريّة وأصول ماليّة مملوكة من خمسة أشخاص لبنانيين، في إطار التحقيقات التي تجريها هذه الدول لتتبّع عمليّات تبييض أموال واختلاس أموال عامّة. وحسب وكالة "يوروجاست"، شملت عمليّات تجميد الأصول خمسة عقارات في كل من فرنسا وألمانيا وبلجيكا، بالإضافة إلى العديد من الحسابات المصرفيّة في موناكو ولوكسيمبورغ، فيما قدّرت الوكالة قيمة الأصول المجمّدة نتيجة هذه الإجراءات بنحو 120 مليون يورو. مع الإشارة إلى أنّ الوكالة، التابعة للاتحاد الأوروبي، قدّمت في هذه العمليّة الدعم للأجهزة القضائيّة، عبر تنسيق المعلومات والمعطيات في ما بينها، بالإضافة إلى تنظيم ثلاث مؤتمرات قضائيّة لتبادل المعطيات المرتبطة بالملف.
رياض سلامة هو المعني!
بيان يوروجاست اتسم بالتحفّظ، والابتعاد عن تحديد هويّة الأشخاص المعنيين بهذه العمليّة، على قاعدة تفادي التشهير بهم قبل تأكيد الاتهامات الموجهة إليهم. لكنّ جميع المصادر الحقوقيّة الأوروبيّة المتابعة لهذا الملف أشارت إلى اتصال هذه الإجراءات بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقة رجا سلامة، بالإضافة إلى مساعدته ماريان حويّك وإبنة شقيقه وإبنه ندي، الذين تلاحقهم النيابات العامّة في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، بتهم اختلاس الأموال العامّة والكسب غير المشروع وتبييض هذه الأموال في المصارف والأسواق العقاريّة الأوروبيّة.
مع الإشارة إلى أنّ قضيّة سلامة هذه بالتحديد تمثّل الملف اللبناني الوحيد الذي عُقد لأجله عدّة مؤتمرات قضائيّة أوروبيّة جمعت قضاة من هذه الدول بالذات خلال الأشهر الماضية، وبتنسيق من وكالة "يوروجاست"، وهو ما يدل على أنّ المعنيين بإجراءات تجميد الأصول، حسب بيان "يوروجاست" اليوم، ليسوا سوى رياض سلامة وشركائه الأربعة. كما يؤكّد هذه المسألة تطابق خريطة الأموال والعقارات المجمّدة مع تلك التي تتبعتها المحاكم الفرنسية والألمانيّة في قضيّة سلامة، بالإضافة إلى تطابق عدد المتهمين ونوعيّة الاتهامات، وحجم الأموال المشتبه بتبييضها.
باختصار، لا يوجد أدنى شك بأن رياض سلامة وشركاءه هم من تم تجميد أصولهم اليوم، خصوصًا أن تحقيقات المحاكم الأوروبيّة لم تُقارب مؤخرًا أي ملف تبييض أموال أو إثراء غير مشروع لبناني بهذه الضخامة.
في كل الحالات، وحسب بيان "يوروجاست"، بلغ حجم الأموال المشتبه بتبييضها، والتي جاءت قرارات تجميد الأصول اليوم بسببها، نحو 330 مليون دولار، وخمسة ملايين يورو، بين عامي 2002 و2021. مع العلم أن هذه الأرقام والتواريخ، التي أشار إليها البيان اليوم من دون الإشارة إلى أسماء المتهمين، تتطابق تمامًا مع حجم الأموال التي جناها رياض سلامة من عمولات عقد شركة فوري، حسب طلب التعاون القضائي السويسري المُرسل إلى لبنان، وهي الأموال التي يُشتبه بأن شقيق الحاكم قام بتبييضها في أوروبا عبر حلقة من الشركات الوهميّة والوسيطة.
تفاصيل الأصول المجمّدة
قائمة الأصول الأوروبيّة المجمّدة شملت ثلاثة عقارات في ألمانيا، منها عقار في مدينة هامبورغ وعقاران في مدينة ميونيخ، بالإضافة إلى حصص في شركة عقاريّة مسجّلة في مدينة دوسيلدورف. وبالإضافة إلى هذه الأصول ذات الطابع العقاري، التي تتجاوز قيمتها 28 مليون يورو، قامت الأجهزة القضائيّة الألمانيّة بتجميد أصول ماليّة أخرى مرتبطة بالمشتبه بهم، بقيمة تقارب 7 مليون يورو. أما في فرنسا، فتم تجميد عقارين بقيمة 16 مليون يورو، بالإضافة إلى عدّة حسابات مصرفيّة بأرصدة إجماليّة تتجاوز 2.2 مليون يورو. كما تم تجميد حسابات مصرفيّة في موناكو بأرصدة قاربت 46 مليون يورو، وعقار في بروكسيل بقيمة تقارب 7 مليون يورو، بالإضافة إلى نحو 11 مليون يورو من الودائع الموجودة في لوكسبورغ. علمًا أن خريطة هذه الموجودات المجمّدة تتطابق مع استثمارات الحاكم التي لاحقتها تحقيقات الأجهزة القضائيّة الأوروبيّة خلال الأشهر الماضية، ما يؤكّد مجددًا ارتباط هذه الإجراءات بملف رياض سلامة.
في خلاصة الأمر، باتت أصول رياض سلامة وشركائه رهينة التحقيقات التي تجريها النيابات العامّة الأوروبيّة، بمواكبة من وكالة "يوروجاست"، التي تقدّم حاليًّا الدعم التقني المطلوب لتحليل المعطيات الماليّة وتتبع التحويلات بين الدول المعنيّة بالتحقيقات، بالإضافة إلى التنسيق المطلوب بين المحققين القضائيين في جميع هذه الدول.
وبعد أن قللت سابقًا المصادر المقرّبة من حاكم مصرف لبنان من شأن وكالة "يوروجاست"، عبر وسائل الإعلام اللبنانيّة، من خلال تسريب معلومات تشير إلى أن الوكالة مجرّد "مجموعة واتساب" تتبادل المقالات الصحافيّة المنشورة عن الحاكم، تبيّن أن الوكالة كيان قضائي رسمي ذو شأن على الساحة الأوروبيّة، بما يسمح بملاحقة مئات ملايين الدولارات التي جناها الحاكم من لبنان واستثمارها في أسواق المال والعقارات الأوروبيّة. لا بل تبيّن أن الوكالة، التي تمثّل أحد أجهزة الاتحاد الأوروبي الرسميّة، قادرة على تنسيق عمليّات الحجز على أصول الحاكم في أوروبا، ومنعه من التصرّف بها، بانتظار البت بالاتهامات الموجهة إليه.