المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الأربعاء 13 آذار 2024 08:07:42
غداة زيارة نائب مساعد وزير الخزانة الأميركية جيسي بيكر إلى لبنان تصاعدت وتيرة التساؤلات والإستفسارات حول المهمة والرسالة التي حملها إلى الدولة اللبنانية والقطاع المصرفي ومصرف لبنان، خصوصا في موضوع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عبر الأراضي والقنوات المصرفية اللبنانية.
وفي السياق، عاد التعميم الرقم 165 الى الواجهة، إذ أشيع أن بيكر استفسر عن امكان القيام بعمليات تبييض اموال من باب التعميم المشار اليه والذي سمح بموجبه مصرف لبنان للمصارف بفتح حسابات مصرفية جديدة "بالفريش" دولار، على ان توضع تلك الأموال في مصرف لبنان لا في المصارف المراسلة الأجنبية.
ضاهر: إشكاليتان في التعميم وطنية ودولية
بتاريخ 19 نيسان 2023 أصدر حاكم مصرف لبنان القرار الاساسي 13548 موضوع التعميم الاساسي رقم 165، الذي قضى بفتح حسابات جديدة لدى مصرف لبنان بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي تكون مخصصة حصراً لتسوية التحاويل الالكترونية ولتسوية مقاصة الشيكات والبطاقات بالأموال المسمّاة "الأموال النقدية"، والتي عرّفها مصرف لبنان بأنها الأموال التي تلقّتها وتتلقاها المصارف بعد تاريخ 17 تشرين الثاني 2019، إما عن طريق إيداعات نقدية، وإما عن طريق تحويلات من الخارج.
يشرح المحامي الدكتور في الحقوق باسكال فؤاد ضاهر أن الحسابات الجديدة وفقاً لهذا التعميم ستسري عليها قواعد مختلفة عن تلك التي سبقتها قبل التاريخ المحدد في متن التعميم، إذ سيتم إصدار دفاتر شيكات خاصة تُستخدم حصراً للسحب منها مضافاً اليها كلمة "Fresh" باللون الأخضر لتمييزها عن الشيكات الأخرى التي ستظل تُستخدم لتصفية الودائع القديمة، على ان يتعرض المصرف الذي لا يوفر المؤونة الكافية لاتمام عمليات التسوية والمقاصة لتطبيق أحكام القانون رقم 2/67 تاريخ 16/1/1967، اضافة الى الزامه بدفـع تعويض، بمثابة بند جزائي لا يقل عن مليار ليرة لبنانية.
وقد سمح المصرف المركزي بإجراء عمليات مقاصة يومية للشيكات الجديدة بالدولار الأميركي بشكل منفصل وبعيدا عن رقابة المصارف المراسلة، علماً ان مصرف لبنان برر في حينه بأنه يرمي الى وقف إقتصاد "الكاش" بغية وضع حد لجرائم تبييض الأموال لمنع إدراج لبنان على القائمة الرمادية لمنظمة MENAFATF، فما الذي حصل، ولماذا؟
قد تكون إشكالية هذا التعميم واقعة في شقين احدهما وطني والآخر دولي، وفق ضاهر الذي يعتبر أن "هذا التعميم قد يكون من اكثر التعاميم التي تثير اللبس، لا سيما انه يحوي العديد من المخالفات التي تتناقض مع احكام قانون النقد والتسليف، كما مع أسس التعامل الدولي السليمة في ما يتصل بمقاصة عملة الدولار الأميركي. فهو بالإضافة إلى كونه قد خلق على الصعيد الوطني تفرقة بين الحسابات المصرفية وحالة عدم مساواة في ما بينها، لا سيما انه قد اتجه بشكل مباشر إلى تحرير "الأموال النقدية الفريش" من أي قيد بخلاف ما يسمى حسابات قديمة، ورمى الى استقطاب تلك الاموال التي حوّلت من الخارج و/أو تم تلقّيها اوراقا Banknotes بالعملات الأجنبية في السوق المحلية بعد تاريخ 17/11/2019، مسببا بذلك إختلافا وتفرقة غير قانونية بين ما يسمى دولار جديد فريش ومحرر وآخر قديم، علما ان المشرع اللبناني كان قد رفض التمييز بين الحسابات المصرفية لما يشكل ذلك من خرق لحرمة الملكية الخاصة ومبدأ المساواة المنصوص عليهما في الدستور اللبناني، بيد أن خطورة هذا التعميم تكمن في مكانه الدولي لأنه اوجد غرفة مقاصة داخلية في مصرف لبنان بغير العملة اللبنانية وتحديدا بالدولار الأميركي، خالقا نوعا من المنطقة المصرفية الحرة، مما يشكل مخالفة لأحكام المادة 80 من قانون النقد والتسليف التي لا تتحدث عن اي تكليف لمصرف لبنان بالمقاصة بغير الليرة اللبنانية". عدا عن ذلك، فإن الأمر برأي ضاهر "يشكل مخالفة أيضا لأحكام الإمتياز الممنوح لمصرف لبنان بموجب المادة 10 والمتصل حصرا بالنقد الوطني، اي بالليرة اللبنانية، ولا يتعدى ذلك إلى الدولار الأميركي الذي لا يطبعه المصرف المركزي". والإشكالية هنا برأيه، "أن هذه المقاصة الداخلية وفق ما اقرها التعميم تكون قد خرجت عن رقابة المصارف المراسلة التي يعود لها ان تدقق بأن التعامل الحاصل يقع ضمن الأصول التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية، وهذا كان موضوع دراسة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نُشرت بتاريخ 22 حزيران من العام 2023 تحت عنوان "عصابات الكاش". وقد وصفت الدراسة التعميم بأنه يشكل "جهدا مشبوها من مصرف لبنان للتحكم بالإقتصاد النقدي"، وأضافت أنه "سيسهل واقع تبييض الاموال لا سيما انه فتح مجالا للمقاصة الداخلية بعيدة عن اعين المصارف المراسلة ومن دون رقابتها، ومن خلال مقاصة محلية من دون المرور بالنظام الاميركي عبر المصارف المراسلة، اي من دون رقابة خارجية على حركة الاموال بالعملات الاجنبية وشرعيتها، ما من شأنه تسهيل حركة تبييض اموال الفساد وعائدات الجريمة المنظمة وغيرها. وتاليا بات من الممكن وفق هذه الدراسة إخفاء تبييض الاموال والمعاملات المشبوهة بسهولة اكبر عن طريق هذه التسوية المحلية".
وأشار ضاهر الى انه وفقاً للتعامل الدولي، "كان لا بد للمصرف المركزي في حال اراد إنشاء غرفة مقاصة بعملة الدولار الأميركي من أن يجري اتفاقا مكتوبا مع الفيديرالي الأميركي يسمح بموجبه له بذلك، علما ان هذا الإجراء لا يتم بالعادة إلا في حال كانت هناك عمليات تجارية ومالية ضخمة بين البلدين، الأمر غير الحاصل".
التعميم 165 حبل نجاة للبنان من العقوبات؟
لكن مصادر مصرف لبنان استغربت الحديث عن امتعاض الوفد الاميركي من التعميم 165 وما يحكى عن "المقاصة". وأكدت أن التعميم 165 الذي أصدره مصرف لبنان والمتعلق بمقاصة وتسوية الشيكات والتحاويل النقدية بالليرة اللبنانية والدولار الاميركي عبر مصرف لبنان، ساهم بشكل كبير في تأمين الحماية للبنان، خصوصا حيال التعامل بالشيكات الفريش والتحاويل الفريش بالعملة اللبنانية الذي شهد ارتفاعا كبيرا، بعكس الدولار الاميركي الذي لا تزال التحاويل والشيكات بالفريش دولار في غالبيتها العظمى تمر عبر المصارف المراسلة. فهذا التعميم الذي كان مدار شكوك وهجوم عليه من عدد كبير من المحللين والمشككين، شكّل حبل نجاة للبنان من العقوبات المحتملة من MENAFATF.
وأوضحت أن "المركزي ومنذ بداية التسعينات، اي منذ اكثر من 30 عاما، انشأ غرفة مقاصة للتداول والتسوية محليا بشيكات الدولار الاميركي والجنيه الاسترليني وغيره من العملات الاوروبية. ولاحقا تم استبدال العملات الاوروبية باليورو لتصبح المقاصة المحلية بالدولار الاميركي واليورو والجنيه الاسترليني اضافة، طبعا، الى الليرة اللبنانية. والى المقاصة، كانت تجري التحاويل بالدولار الاميركي واليورو بين المصارف اللبنانية من خلال مصرف لبنان من دون المرور بالمصارف المراسلة، وكذلك كانت تتم تسوية عمليات بطاقات الدفع بالدولار الاميركي لدى مصرف لبنان بالاتفاق مع شركتي "فيزا" و"ماستركارد"، وحصل مصرف لبنان على دعم البنك الدولي الذي اشاد بتطور وسائل الدفع والمقاصة والتسوية لدى مصرف لبنان وفقا للمعايير الدولية، لا سيما معايير بنك التسويات الدولية. والمقاصة المحلية بالدولار الاميركي التي انشئت منذ بداية التسعينات كانت بموافقة من السلطات الاميركية المعنية، ولم يكن يوجد اي اعتراض عليها، ولو حصل ذلك لتم ايقافها. أما التعميم 165 فلم يغير شيئا بل جاء استمرارا لما كان يجري سابقا.
وقد وصلت القيمة السنوية للشيكات بالدولار الاميركي التي تمت تسويتها محليا من خلال مصرف لبنان قبل الازمة، الى اكثر من 6 ملايين شيك في العام 2019 وبقيمة تصل الى نحو 35 مليار دولار خلال العام 2019 فقط. لذا تعتبر المصادر ان "التعميم 165 جاء لاعادة تفعيل المقاصة بالدولار الاميركي الفريش التي توقفت نتيجة الازمة، حيث نشأ ما يُعرف بالدولار المحلي "اللولار" واصبحت الشيكات بالدولار الاميركي المتداولة في المقاصة في مصرف لبنان منذ العام 2020 شيكات بالدولار المحلي. فالتعميم 165 اعاد العمل بشيكات الدولار الاميركي الفريش". وبلغة الارقام أضاءت المصادر على الآتي: "يبلغ معدل عدد الشيكات المتداولة بالدولار الاميركي الفريش بعد اصدار التعميم 165 ما دون الالف شيك شهريا بقيمة لا تتعدى الـ 9 ملايين دولار اميركي فريش شهريا، بينما كان المعدل الشهري للشيكات بالدولار الاميركي التي تم عرضها وتسويتها محليا في المقاصة في مصرف لبنان في العام 2019 اكثر من 500 الف شيك شهريا وبقيمة تفوق الـ 3 مليارات دولار شهريا. وفي الاعوام ما قبل الازمة كان يجري تسوية ما يفوق الـ 6.5 ملايين شيك سنويا، وبقيمة عشرات مليارات الدولارات، ولم يكن يوجد اي ملاحظة من السلطات الاميركية ووزارة الخزانة الاميركية، وكانت المصارف ومصرف لبنان ملتزمين بكل المعايير الخاصة بالامتثال والتدقيق بالشيكات، وتاليا حين كان عدد الشيكات 500 الف شيك وقيمتها اكثر من 3 مليارات دولار شهريا، لم يكن من اعتراض من قِبل السلطات الاميركية. فهل سيتم الاعتراض على تسوية الف شيك شهريا مجموع قيمتها 9 ملايين دولار؟ وهل السلطات الاميركية تفضل التعامل النقدي بالدولار الاميركي أم المرور عبر القطاع المصرفي؟