المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الاثنين 3 آذار 2025 07:00:37
ليس تفصيلا أن يبدأ أي رئيس جديد للجمهورية اللبنانية أول الزيارات الخارجية لعهده من البوابة السعودية. فالمملكة شكّلت منذ تأسيسها حاضنة سياسية واقتصادية للدولة اللبنانية ولجمهور واسع من المواطنين. وكانت في الملمّات السياسية والاقتصادية خير داعم ومساعد في حفظ الأمان السياسي والاقتصادي في لبنان. وقد اضطلع اللبنانيون بأهمّ الأدوار في خدمة القطاع الخاص السعودي والمشاركة في إدارة كبرى المؤسسات المصرفية والتجارية والصناعية طوال العقود الماضية، وتحديدا بعد فورة النفط.
زيارة الرئيس عون التي تبدأ اليوم، ولقاؤه المتوقع مع ولي العهد محمد بن سلمان يحملان ميزة خاصة. فالمملكة، كما لبنان، في عهد جديد وانفتاح سياسي واجتماعي واقتصادي، وفي طور إقامة مشاريع ضخمة على غرار "نيوم" وغيره، ويحتاج لبنان إلى أن يكون شريكا ومتفاعلا اقتصاديا وسياسيا معها. يأتي ذلك توازيا مع الدعم الكامل الذي أبداه السعوديون لعهد الرئيس عون والوعود المسربة عن دعم مالي واقتصادي بمثابة هدية يتوقع إعلانها خلال الزيارة.
بين لبنان والمملكة نحو 22 اتفاقا، تنتظر عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي لتوقيعها ووضعها حيز التنفيذ بسرعة قصوى، أو إعادة درس الثُّغر في بعضها.
لبنان اليوم غيره بالأمس، وما عاد يملك قطاعا مصرفيا وماليا كما في السابق، وتعاني قطاعاته انعكاسات سلبية لا تؤهله لتلبية معظم شروط الاتفاقات المعقودة مع السعودية. أما المملكة، فمنذ بدء عهد بن سلمان، ولكونها في ورشة تطوير وتنظيم وانفتاح، تحتاج إلى تفعيل اتفاقاتها مع الخارج وتحديدا لبنان، والإفادة من توجهات العهد الجديد للعودة إلى الحضن العربي أكثر.
زيارة من دون اتفاقات؟
تعهّد عون في خطاب القسم بـ"بناء الشراكات الإستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا، وأن نمنع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها، ونمارس سياسة الحياد الإيجابي، وألا نصدّر لها سوى أفضل ما لدينا من منتجات وصناعات، وأن نستقطب السياح والتلامذة والمستثمرين العرب لنواكب تطورهم ونغنيهم بطاقاتنا البشرية ونبني اقتصادات متكاملة ومتعاونة". فهل تنجح الزيارة في ترجمة هذه التعهدات؟ وهل يمكن توقيع اتفاقات؟
المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر يؤكد أن أيا من الاتفاقات الـ 22 لن يوقع إبان زيارة عون للسعودية، في انتظار الانتهاء من الإجراءات التنفيذية كافة، كاشفا أن السفير السعودي وليد بخاري جهد خلال الفترة الماضية في متابعة هذه الاتفاقات بالتفاصيل. وإذ يلفت إلى أن ثمة اتفاقات وافق عليها الجانب اللبناني وأحالها على الجانب السعودي، فيما لا تزال أخرى في حاجة إلى متممات تقنية وقانونية، يقول: "صحيح أن الجانب السعودي اطلع على كل الاتفاقات، لكن هذا لا يعني عدم إمكان تعديلها إذا ارتأى ذلك".
أما رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية بين لبنان والخليج إيلي رزق فيشير إلى أن "الأهم هو الاتفاق الأمني الذي يرتكز على ألا يكون لبنان معبرا لتهريب الكبتاغون أو الاتجار بالبشر أو تهديد الأمن القومي العربي، ولا يكون منبرا للتهجم الإعلامي على قيادات المملكة أو على دول الخليج". ووفق رزق، فإن السعودية تهدف من هذه الاتفاقات إلى مأسسة العلاقة مع لبنان، "لأن أي مساعدات أو هبات أو استثمارات ستكون من الحكومة السعودية إلى الحكومة اللبنانية، شرط تطبيق الـ1701 بكل مندرجاته وتحقيق الإصلاح المنشود. هذه الاتفاقات تم توقيعها من الجانب اللبناني في انتظار توقيعها من الجانب السعودي، وهو ما كان يُفترض أن يحصل فور جهوزها، لولا الأزمة التي استجدت مع لبنان وحراك 2019".
ويؤكد أن "العلاقات بين البلدين يجب أن تعود إلى سابق عهدها، وثمة اهتمام بالاستثمار في قطاعات جاذبة، مع التوجه إلى المشاركة في صندوق إعادة الإعمار".
الكاتب والباحث في الشؤون الاقتصادية زياد ناصرالدين يعتبر أن "زيارة الرئيس عون لها أكثر من بعد، أولها استعادة الثقة الخارجية بلبنان وتحديدا الخليجية، بعد قطيعة استمرت أكثر من 15 عاما، ثانيها الخطوة التي قد تكون تأسيسية للواقع الداخلي والمرتبطة بعدد الاتفاقات التي يمكن توقيعها خلال هذه الفترة".
وفيما تقدّر القيمة المالية للاتفاقات مع السعودية بنحو 7 مليارات دولار، يعتبر ناصرالدين أنها "قادرة على تحريك العجلة الاقتصادية، وخصوصا إذا تمت ترجمة الإصلاحات الواردة في البيان الوزاري على نحو صحيح، وتتلخص باستقلالية القضاء، ورزمة القوانين المالية والإدارية، وإصلاحات تساعد على تسهيل الاستثمارات الخارجية وهيكلة المصارف وتطبيق قوانين النقد والتسليف".
ويختم بأنه "إذا نجحت الزيارة تكون السعودية قد فتحت باب الثقة بلبنان، خصوصا أن المملكة مدخل مهم جدا للصناديق العالمية، بما يشكل دافعا إلى مؤتمرات عالمية أو عربية لدعم لبنان وإعادة إعماره".
ما هي عناوين الاتفاقات الـ22؟
تشمل الاتفاقات التي تم تحضيرها وتنتظر التوقيع السعودي قطاعات عدة: التعاون التجاري، مجال المعارض، الملكية الفكرية، حماية المستهلك، الحبوب، الزراعة والمياه، اتفاقية مع وزارة الإعلام، وفي مجال التربية والتعليم العالي، وفي المجال الثقافي المرتبط بدار الفتوى، الإسكان، الاستثمار في مجال النقل البحري، الاعتراف المتبادل بشهادات الأهلية المرتبطة بموضوع الصادرات، نقل الركاب والبضائع عبر الحدود البرية، اتفاقية في مجال الدفاع المدني، وفي المجال القضائي، تعاون بين مصرف لبنان ومؤسسة النقد العربي السعودي، تعزيز التعاون الفني في مجال المواصفات والمختبرات وأنظمة الجودة، تعاون جمركي، الدفاع العسكري، مكافحة الإرهاب، تفادي الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي، تعاون بين المديرية العامة للطيران المدني في لبنان والسعودية.