المصدر: النهار
الاثنين 17 شباط 2025 07:21:36
تأرجحت الوقائع اللبنانية، أمنياً وديبلوماسياً، على صفيح ساخن في الساعات الأخيرة في ظل اقتراب العد العكسي للانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب من نهايته غداً الثلاثاء. ذلك أن الحكومة الجديدة التي دهمتها أحداث طريق مطار رفيق الحريري الدولي قبل مرور أسبوع على ولادتها، وقبيل اقرار بيانها الوزاري المتوقع اليوم، خاضت مع العهد الجديد أيضاً كباشاً مبكراً مع "حزب الله" الذي على رغم مشاركته في الحكومة وكل ما أثارته هذه المشاركة من ضجة داخلية وخارجية، بدا في الأيام الثلاثة من المواجهات التي رعاها مباشرة أو مداورة مع الجيش اللبناني واليونيفيل كأنه استعاد نمط إطلاق الرسائل الساخنة للدولة ومؤسساتها الدستورية والعسكرية والأمنية. ولعل المفارقة التي أرغمت "الدولة" على اختبارها أنه في الوقت الذي كان رئيس الجمهورية جوزف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، كما رئيس مجلس النواب نبيه بري، ينشطون في استنفار ديبلوماسي كثيف لتأمين الضمانات الأميركية والفرنسية خصوصاً، والدولية عموماً، لإلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجنوب وعدم البقاء في النقاط الخمس الحدودية التي تزمع إبقاء قواتها فيها، جاء افتعال أعمال الشغب والاحتجاجات وقطع طريق المطار لثلاثة أيام متعاقبة بمثابة إضعاف لموقف الدولة وتعريضه للتشويش، وهو الأمر الذي برز على نحو سلبي شديد مع موجة غير مسبوقة من الإدانات الخارجية لحادث اعتداء أنصار "حزب الله" على قافلة اليونيفيل بعدما أصيب فيه نائب قائد اليونيفيل المنتهية ولايته مع عنصرين من القوة الدولية، كما أن توقيف الجيش لاكثر من 25 شخصاً شكل تطوراً لافتاً حيال الحزم الذي فرضته هذه الأحداث. وبدا من الكلمة التي القاها الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم مساء أمس أنه تعمّد توجيه الانتقادات إلى رئاسة الحكومة قائلاً إن عليها إعادة النظر في قرار منع هبوط الطائرات الإيرانية في المطار الذي هو قرار إسرائيلي، بعدما تحدث عن تلقيها تهديداً بقصف اسرائيل للمطار وأنها يجب أن ترفض التهديد وتتخذ قراراً سيادياً. كما أن قاسم قال إن على الدولة أن تتخذ قراراً حاسماً شجاعاً يرفض أي بقاء للإسرائيليين في الجنوب غداً وإلا تحوّل بقاء القوات الإسرائيلية احتلالاً تجب مقاومته.
وتصاعدت أمس حرارة الاستحقاق الجنوبي مع الغموض الذي ظل يكتنف المؤشرات الميدانية والديبلوماسية حيال الانسحاب الإسرائيلي لدى انتهاء المهلة الممدّدة للانسحاب غداً الثلاثاء. وحتى البارحة لم يكن المسؤولون اللبنانيون، وفق معلومات "النهار"، قد تبلغوا معطيات حاسمة من الجانب الأميركي أو اليونيفيل من شأنها أن توفر تأكيدات حيال انسحاب ناجز وكامل للقوات الإسرائيلية من البلدات والقرى والنقاط الخمس الحدودية التي لا تزال تتمركز فيها، فيما مضت هذه القوات في ممارسات التفجير والقتل بما أبقى الشكوك الثقيلة عالقة حيال موعد 18 شباط.
غير أن صحيفة "إسرائيل هيوم"، ووسائل إعلام إسرائيلية أخرى أفادت أنّ الجيش الإسرائيلي يستعدّ للانسحاب الكامل من جنوب لبنان خلال يومين. وقالت مصادر أمنيّة للصحيفة الإسرائيليّة: "لم نتلق تعليمات من القيادة السياسية بشأن البقاء في أي نقطة في جنوب لبنان. وأضافت: "ننتظر توجيهات القيادة السياسية بشأن الانسحاب من لبنان أو تمديد البقاء". وأشارت إلى أنّ "قوات الجيش الإسرائيليّ ستنتشر قرب الحدود مع لبنان بثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب".
وفي السياق أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أمس أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تتوقعان أن تعمل الدولة اللبنانية على نزع سلاح حزب الله" المدعوم من إيران. وأضاف روبيو في مؤتمر صحافي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس: "في ما يتعلق بلبنان، أهدافنا متوافقة، دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة حزب الله ونزع سلاحه".
وقال نتنياهو، "إننا ملتزمون بوقف إطلاق النار في لبنان، ونتوقع من الحكومة اللبنانية أن تلتزم بدورها بذلك". وأضاف أنّه "يجب نزع سلاح حزب الله بالكامل، ويُفضل أن يتم ذلك بواسطة الجيش اللبناني". وأشار إلى أنّ "إسرائيل لديها الوسائل لتطبيق وقف النار في لبنان".
وقبل يومين من موعد الانسحاب، لوحظ أن قيادة الجيش اللبناني عاودت "التشديد على ضرورة عدم توجُّه المواطنين إلى المناطق الجنوبية التي لم يستكمَل الانتشار فيها، والالتزام بتوجيهات الوحدات العسكرية المنتشرة، وذلك حفاظاً على سلامتهم وتفاديًا لسقوط أبرياء، نظرًا لخطر الذخائر غير المنفجرة من مخلفات العدو الإسرائيلي، إلى جانب احتمال وجود قوات تابعة للعدو في تلك المناطق".
وغداة اغتيال مسيرة إسرائيلية مسؤولاً ميدانياً في "حزب الله"، أطلق الجيش الإسرائيلي أمس النار على أهالي حولا الحدودية بالتزامن مع دخولهم البلدة للمرة الأولى حيث عملوا على انتشال جثامين عدد من أبنائهم الذين ما زالوا تحت ركام المباني. وقضت الطفلة خديجة عطوي، كما أن مجموعة من النساء والأولاد والشبان حوصروا داخل البلدة فيما كانت تتعرض لقصف مدفعي وإطلاق النار.
ومساء أمس شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين على السفح الشرقي للسلسلة الغربية استهدفتا أطراف بلدة حربتا ووادي الزينة بوداي في البقاع الشمالي.