ساعات قتالية بين حزب الله وإسرائيل... تَعادُل سلبي

... حزب الله «نَفَذَ» بردٍّ اضطراري مدروسٍ ومحسوبٍ على اغتيال قائده الكبير فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإسرائيل نفّذتْ ضربةً واسعة، «استباقيةً» كانت أم «استيعابية»، لكنها نفّستْ عملياً وقْعَ «الثأر الأوّلي» من الحزب، بحيث أحْدَث الدخانُ المتصاعد على مقلبيْ الحدود وضمن نطاق «مسرح الاشتباك التقليدي»، ما بدا تَوازناً سلبياً سجّل معه الطرفان «أهدافاً» كلٌّ في مرمى الآخَر ومن دون الانجرارِ إلى التصعيدِ الشامل الذي يبقى «خطاً أحمر»... أقله حتى الساعة.

هكذا أمكن اختصارُ نحو 4 ساعات من أعتى موجة عنفٍ على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية منذ 8 أكتوبر الماضي، بدأت قرابة الرابعة والنصف فجراً وانطبعتْ بعشرات الغارات على نحو 40 بلدة في جنوب لبنان بـ 100 طائرة حربية، زعمت إسرائيل أنها دمّرتْ آلاف منصات الصواريخ لـ «حزب الله» كانت غالبيتها تتهيّأ لقصفِ أهداف وصولاً إلى تل أبيب، وبشنّ الحزب «رداً أولياً» على اغتيال شكر مُطْلقاً مئات صواريخ «الكاتيوشا» والمسيَّرات على شمال إسرائيل استهدفت 11 قاعدة (بينها في الجولان المحتل) وزورقاً في بحر نهاريا.
وبمعزل عن التراشق الإعلامي حيال مَن بدأ «الطلقة الأولى» وسط تَمَسُّك إسرائيل بأنها قامت بـ «ضربة استباقية» أطلقتْ عليها عملية «سلام تل أبيب»، في مقابل نفي الحزب «ادّعاءات العدو الفارغة حول العمل الاستباقي الذي قام به والاستهدافات التي حققها وتعطيله لهجوم ‏المقاومة»، كشْف مصدر قريب منه أن «الأهداف التي تتحدث عنها إسرائيل (كانت) استجابة لهجوم تضليلي جرى تنفيذه من خلال إطلاق عدد كبير من الصواريخ»، فإنّ وقائعَ اليوم الأعنف على جبهة الجنوب ظهّرتْ مجموعة ضوابط مازالت تَحْكُمُها وتُبْقيها على بُعد ولو خطوة من الانفجار الكبير، ونجاح الطرفين في تحقيق نقاطٍ من شأنها تمديد الإقامة فوق «برميل البارود» بانتظار انقشاع الرؤية حيال مفاوضات هدنة غزة وتوفير «سلّم طوارئ» لتبريد مَسرح العمليات جنوباً وعودته إلى استقرارٍ صعب على حمّالة القرار 1701.

وفي هذا السياق توقفت أوساط واسعة الاطلاع عند النقاط الآتية:

- أن بنيامين نتنياهو بوضْعه غارات الفجر في سياقٍ استباقي، إنما كرّس واقعياً «احتفاظه بحقّ الردّ الاستباقي» أيضاً على إيران في اللحظة التي يستشعر بأنها اقتربت من الضغط على زرّ الردّ على اغتيال اسماعيل هنية في قلب عاصمتها، وهو بهذا المعنى أرسى معادلةَ ردعٍ سبّاقة مع طهران.

ولم يكن عابراً حرص نتنياهو على قول «قبل 3 أسابيع قتلنا رئيس أركان حزب الله واليوم أحبطنا خطته الهجومية»، معلناً «ليعلم (الأمين العام للحزب السيد حسن) نصرالله و(المرشد الأعلى السيد علي) خامنئي، أن هذه خطوة على طريق تغيير الوضع في الشمال»، ومؤكداً «الجيش اعترض جميع المسيرات التي أطلقها الحزب على هدف استراتيحي وسط البلاد وإسرائيل لم تقل كلمتها الأخيرة بعد ضرباتها على لبنان»، وذلك بعدما كان أكّد في ختام اجتماع «الكابينيت» الاستثنائي في حفرة «الكيرياه» المحصنة «رصدنا استعدادات حزب الله لشن هجمات وأصدرنا التعليمات للجيش بتحقيق ضربة استباقية وأحبطنا آلاف المنصات التي كانت موجهة لإسرائيل».

- إعطاء إسرائيل إشاراتٍ إلى أنها اكتفتْ بما قامت به أمس، وذِكْر وسائل إعلام عبرية أنها «بعثت رسائل لأطراف عدة مفادها بأن العملية العسكرية في هذه المرحلة انتهت ما لم تحدث مفاجآت وأن الحدَث انتهى، في نظرها، وليس هناك نية لتوسيع العملية».

وقال دبلوماسيان لـ «رويترز»، إن إسرائيل و«حزب الله» تبادلا رسائل عبر وسطاء، أمس، من أجل منع المزيد من التصعيد.

وأضاف دبلوماسي ان الرسالة الرئيسية كانت أن الجانبين يعتبران أن تبادل القصف المكثف «انتهى» وأن أياً من الجانبين لا يريد حرباً شاملة.

وساد انطباعٌ بأنّ التزام إسرائيل بأن يقتصر «زنار النار»، على جنوب لبنان، وإن شملت غاراتها بلداتٍ للمرة الأولى، وعدم تَمَدُّد الضربات، لا بقاعاً ولا حتى بطبيعة الحال في اتجاه الضاحية الجنوبية لبيروت رغم أن «مضبطة الاتهام» اشتملت على أن الصواريخ كانت مصوّبة على تل ابيب، إلى جانب تكبيرها حَجَر ما زعمتْ أنها حققتْه بغاراتها، يمكن أن يُبْعِد شبح الحربِ الواسعة، التي كثرت الخشية من أن نتنياهو يريد جر الجميع اليها مستفيداً من الحضور العسكري الوازن في المتوسط، وذلك على قاعدة أن «العمليات الجِراحية» وإن الموسّعة كفيلة بتحقيق أهداف ثمينة، وجَعْل إسرائيل تسدّد «ضربات مُحْكَمة» بحيث تنفّذ اغتيالات نوعيةً يقرّ المحور الإيراني نفسه بأنها «إنجازات» وفي الوقت نفسه يعجز عن الردّ عليها بما يتناسب مع حجمها مكتفياً بانتقامٍ محسوب.

وما عزّز هذا المناخ إعلان وزير الدفاع يواف غالانت مساء «أن الحرب على حزب الله ستأتي في المستقبل البعيد وليس الآن».

- نجاح «حزب الله» في تنفيذ الردّ متحدّياً وجود الأساطيل الأميركية في المتوسط، وهو ما يتيح له فوزاً معنوياً، مع امتناعه في الوقت نفسه عن ترجمة معادلة «الضاحية مقابل تل أبيب»، رغم التقارير عن ضربه هدفاً شمالها وهو ما لن يكون ممكناً الجزم به في ظل عدم اعتراف إسرائيل به - أيضاً لعدم إلزام نفسها بالتصعيد الكبير في هذه المرحلة - وفي الوقت نفسه حرصه على استهداف قواعد وتجمعات عسكرية سبق أن ضربها متجنباً المدنيين، علماً أن أضراراً سُجّلت في أبنية في عكا التي انقطع فيها أيضاً التيار الكهربائي لساعات.

وكان بارزاً ما نُقل عن مسؤول في «حزب الله» لجهة أن الحزب «عمل على التأكد من أن الرد على اغتيال القائد فؤاد شكر لن يؤدي لاندلاع حرب شاملة»، موضحاً «أن رده تأخر لأسباب سياسية أهمها محادثات التهدئة في غزة»، وفق ما نقلت «رويترز».

- أن «حزب الله» باستخدامه مئات صواريخ «الكاتيوشا» لإغراق «القبة الحديدية» وإحداث ثغرة تتيح مرور المسيرات نحو «الهدف المركزي»، التزم بسيناريو قديم - جديد، امتنع معه مرة أخرى عن استخدام أسلحة نوعية يُبْقيها حتى الساعة «أوراقاً مستورة».

وما عزّز الاقتناعَ بأن «الساعاتِ العاصفةَ» كانت تطوراً خطيراً وتدافعاً خشناً على حافة الهاوية ولكن تحت سقف «انفجار مؤجَّل» ورغبة صامدة في احتواء التصعيد، إرسالُ إسرائيل وفدها الى القاهرة للمشاركة في المفاوضات المفصلية حول غزة، من دون أن يكون ممكناً حَسْمُ المسار الذي سيسلكه نتنياهو بحال انهارتْ محادثاتُ الهدنة وأي مسلك سيعتمده لجبهة الجنوب اللبناني التي بدت أمام أقسى «اختبار نار» وما يشبه «محاكاة مصغّرة» لِما قد تكون عليه أي حرب واسعة.

في موازاة ذلك، أفاد الجيش الإسرائيلي بأن جندياً من البحرية قتل وأصيب اثنان آخران.

وذكرت وسائل إعلام أن الحادث وقع على متن سفينة تابعة للبحرية قبالة الساحل عندما اعترض صاروخ من نظام الدفاع الجوي «القبة الحديدية» طائرة مسيرة لـ«حزب الله».

في المقابل، تركت الضرباتُ والغارات الإسرائيلية التي شنت على قرى جنوبية أضراراً جسيمة، لاسيما أنها كانت «الأعنف» منذ بدء الحرب على غزة.

وإذ تسببت الغارات بأضرار جسيمة للبنية التحتية المحلية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه، أفادت وزارة الصحة اللبنانية بسقوط 3 قتلى في استهداف إسرائيلي لبلدتي الطيري والخيام (تم استهداف سيارة في الخيام صباحاً) وقد نعى «حزب الله» إثنين من عناصره.