المصدر: اساس ميديا
السبت 26 كانون الاول 2020 14:50:25
سدّ العزونية، في محيط بلدية عين داره هو كناية عن وعد انتخابي فتح شهيّة مافيا المرامل والكسارات، وكلّف الدولة، بحسب متابعين عن كثب للملف، أكثر من 50 مليون دولار:
- 20 مليوناً منها تهرّب ضريبي ورسوم غير مدفوعة.
- و30 مليوناً كلفة الدمار البيئي نتيجة تدمير 250 ألف متر مربّع من غابات الصنوبر المعمّرة.
مشروع سدّ العزونية، الواقع في سهل المارغة الزراعي في بلدة عين داره، والوارد في "الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه" في نطاق بيروت وجبل لبنان بكلفة 65 مليون دولار، يروي حكايته لـ"أساس" منسّق هيئة المبادرة المدنية – عين داره، عبدالله حداد.
فماذا في التفاصيل؟
بدأت الحكاية في العام 2009 عندما تمّ عرض المشروع على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، من ضمن مسوّدة الخطّة الاستراتيجية للسدود. وترافق ذلك مع فترة الانتخابات النيابية حين روّج لهذا المشروع مستشار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حينها، والنائب حالياً، سيزار أبي خليل، تماشياً مع مشاريع السدود التي جعلها التيار استراتيجيته الأكبر شعبياً.
ولأنّ موقع السدّ هو أراضٍ متجزّأة كثيراً وتضمّ عددا كبيراً من المالكين (أكثر من 500 مالك) بحسب حداد، وبالتالي لأنّ عدداً هائلاً من الأصوات الانتخابية ستنتج عن آمال الاستملاكات؟ آمالٌ بأن تشتري الدولة الأراضي بأسعار مجزية. لذا كان طرح الفكرة سيفتح الشهية على استخراج الرمول وتدمير الطبيعة، حتّى من دون أن يبصر هذا السدّ النور بالضرورة.
في العام 2011 ورد السدّ في "الخطة الوطنية الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية"، وبشكل واضح وصريح أكّدت الخطة أنّ الشروط التقنية لهذا السدّ غير متوفرة، لأسباب متعلقة بالطبيعة الرملية والطينية لقاعدة السدّ هناك، ما يؤكّد وجود مخاطر لانزلاق التربة، كما حصل في سدّ بقعاتة كنعان. وأيضاً بسبب عدم كفاية مصادر المياه لملء السد. وبالرغم من المانع التقني الواضح أُدرج السدّ في الخطة الاستراتيجية بنسختها النهائية في العام 2012.
وبالفعل، فإنّ ورود فكرة السدّ، بالتلازم مع تحديد مواقع استخراج رمول وصخور من محيطه، فتح شهية مستثمري الرمول غير الشرعيين. وأخذ مسار التدمير البيئي بالتصاعد حتّى بلغ مساحة 250 ألف متر مربع من غابات الصنوبر المعمّر المواجهة للبلدة والواقعة ضمن حرم محمية أرز الشوف. ونجح الناشطون البيئيون في أواخر العام 2014 بوضع حدّ لتلك الأعمال عبر الاحتجاج الشديد لدى المراجع السياسية.
وبالإضافة إلى التعدّي البيئي والعمل من دون رخص قانونية صادرة عن المجلس الوطني ووزير البيئة، اتّخذت تلك الجرائم طابع الاختلاس المالي والتهرّب الضريبي بتواطؤ من الحمايات السياسية مع دور واضح للسلطة المحلية حينها عبر الموافقة على تراخيص وهمية أو عبر اعتماد نظام تحصيل ضريبي موازٍ وغير شرعي مبني على اختراع رسم " 10 دولارات على الكميون" بموجب قسائم. وذلك خلافاً للمادة 26 من مرسوم تنظيم المقالع والكسارات (8803)، التي تلحظ تحديد الرسوم لكلّ مستثمر رمول أو بحص والتي يتوجب دفعها للبلدية، بـ"10 دولارات عن المتر المربع الواحد ومثلها مع كلّ 8 أمتار عمق". إضافة إلى رسم مالي هو دولار واحد عن كلّ متر مكعب، يضاف إليها ضريبة TVA على المبيعات، والضريبة على أرباح الشركات. وكلّها ضرائب استُبدِلت بنوع من الخوّة أو "المشايلة"، بقيمة 10 دولارات على الكميون، وهي غير واضحة في حسابات البلدية. وترفض إدارة البلدية الحالية كشفها خلافاً لحقّ الحصول على المعلومات.
يقدّر حداد الخسائر المالية كالتالي:
- الرسوم غير المحصلة: وتقدر بـ20 مليون دولار عن أربع سنوات وعلى مساحة 250 ألف متر مربع: "هذا في حال اعتبرنا أنّهم احترموا القانون ولم يحفروا أكثر من عمق 8 أمتار مكعبة، بينما بالعين المجرّدة نستطيع أن نرى في الموقع جبهات قطع تصل إلى 50 و60 متراً".
- الترجمة المالية لناتج التعدي البيئي: وهي على مساحة 250 ألف متر مربع من الرمول وتصل كلفتها إلى 30 مليون دولار. هي قيمة مبيعات الرمول المستخرجة من غير وجه حقّ.
- كلفة إعادة التأهيل: وهي كلفة مشابهة، بحسب دراسات موثوقة لكلفة المواد المستخرجة، ما يعني أنّه يمكن إضافة خسارة بـ30 مليون $ بسهولة على مشروع سدّ لم يُنفذ.
لم تنتهِ قصة السدّ – الوعد هنا. فمع اقتراب موعد انتخابات العام 2018، تمت إعادة إحياء فكرة السدّ ووعود الاستملاكات، ودعت وزارة الطاقة في شهر تموز 2017 إلى اجتماعات مشاركة عامة (بحسب مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي 8863) لعرض المشروع من جديد مع تعديل في متوسط ثمن الاستملاك من 10 دولارات إلى 40 دولاراً. ولحقته لقاءات عديدة لم تخلُ من التوتر.
ادّعاء لدى النيابة العامة المالية
القضية اليوم تقع ضمن خانة ادّعاء بالتهرّب الضريبي قدّمته النيابة العامة المالية (مرفق صورة) في شهر كانون الأوّل 2019 لدى قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور، مرفقاً بأربعة ملفات إخبار (مرفق أدناه pdf) تقدّم بها عضوا هيئة المبادرة: روجيه حداد وعبدالله حداد، بتاريخ 26 آذار 2018، في إطار قضية أوسع هي الادّعاء بانتهاك جبل عين داره من قبل المقالع والمرامل والكسارت على مساحة تقارب 3 ملايين متر مربع.
تشمل الملفات المحالة الادّعاء على الراحل بيار فتوش بتهمة التعدي البيئي والمشاعي والتهرّب الضريبي في عين داره بالإضافة إلى 16 مالك أو شركة كسّارات أو مستثمري رمول.
وبعد تأخير الملفّ بالدفوع الشكلية التي ردّها قاضي التحقيق، جرى استدعاء فتوش إلى التحقيق في تشرين الأول 2020، لكن تأجلت الجلسة بسبب وضعه الصحي الذي أدّى إلى وفاته لاحقاً. ويدرس أعضاء هيئة المبادرة اتّخاذ صفة الادّعاء الشخصي (ويتيح لهم ذلك قانون البيئة بصفتهم مواطنين متضرّرين من عين داره) والانضمام إلى دعوى الحقّ العام، وذلك لمتابعة الملفّ بشكل أفضل: "لأنّ تشعّب الإخبارات وتعدّد الصلاحيات بين النيابة العامة المالية والنيابة العامة الاستئنافية في بعبدا، وبين الإحالات المتبادلة للملفات، تؤخّر مراحل التحقيق والادّعاء".
علماً أنّ التهرب الضريبي جرم تصل عقوبته إلى 3 سنوات حبس وغرامة مالية تساوي 30 مرّة حجم التهرّب الضريبي، ما يعني أنّ الـ20 مليون دولار غرامتها تصل إلى 600 مليون دولار في ملفّ الرمول وحده وفي عين داره وحدها. فيما يستنتج من جدول تكليف الكسارات الصادر عن بلدية عين داره بأمر قضائي من النيابة العامة المالية وبإشراف الأخيرة، إلى 140 مليون دولار من الرسوم البلدية (تهرّب ضريبي) ومليار و600 مليون دولار ناتجة عن التعدّي البيئي.
ردّ بلدية عين داره
رئيس بلدية عين داره مارون بدر يؤكد لـ"أساس" أنّ استثمار الرمول الذي حصل في الموقع لا علاقة له بالسدّ لا من قريب ولا من بعيد: "ما ينقله حداد هو مجرد ادّعاءات فارغة لا أساس لها من الصحّة ونابعة من دوافع سياسية". ويردّ بأن "لا تهرّب ضريبي في الموضوع بل منحتنا الدولة مهلاً قانونية، واحتسبت البلدية السابقة الرسوم وفق اتفاقٍ بالتراضي (20 ألف دولار مقطوعة في السنة)". ويضيف: "مِنهم من دفع ومنهم من لم يدفع". وعند سؤاله إن كانت هذه الرسوم توازي الرمول المسحوبة؟ يجيب بدر: "السلطة المحلية ارتأت ذلك وهذا أمر يعود لها".
ويشدّد بدر على أنّ البلدية الحالية أوقفت المرامل والكسارات في عين داره: "وزارة الداخلية لا تمنح أيّ إذن اليوم قبل موافقة البلدية"، والرسوم الجديدة منذ العام 2018 يتم احتسابها وفق القانون: "15 ليرة على المتر المربع الواحد"، ليصبح الفرق "بالمليارات" باعتراف بدر، الذي يرفض الاعتراف بخطأ البلدية بطريقة مباشرة، وإن كانت عودته إلى القانون تؤكّد بطريقة غير مباشرة أنّ اتفاقياتٍ مشبوهة حصلت يوماً ما في هذا الموقع.
فمن يحاسب؟