سرديّة جديدة: سلاح "الحزب" للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك. القانون والكوسا بلبن والرز بحليب ادحشهم…”.

هذا ما كتبه الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي المقرّب من “الحزب” عباس زهري. هي بداية إطلاق سرديّة جديدة للسلاح غير الشرعي في لبنان. انتقال من سردية السلاح لحماية لبنان، إلى السلاح لحماية الشيعة في لبنان.

السّلاح غاية وليس وسيلة

ما كان السلاح يوماً عند “الحزب” وسيلة لتحقيق هدف ما في السياسة أو الدين أو أيّ شيء آخر. السلاح عند “الحزب” وأخواته من الميليشيات المتعدّدة الجنسيات، هو الأولويّة والهدف بحدّ ذاته. لا يستعمل هذا السلاح للوصول إلى السلطة. لو كان الأمر كذلك لتمّ الاكتفاء بالجيش العراقي بعد إسقاط نظام صدّام حسين ولم يتمّ تفريخ الحشد الشعبي وتوابعه. ولكان تمّ الاكتفاء بالجيش الإيراني بعد إسقاط حكم الشاه، ولم ينشأ الحرس الثوري وملحقاته من الفيالق. ولما كان “الحزب” في لبنان أصرّ عند كلّ تشكيل حكومة بشكل غير مبرّر على ثلاثية “جيش، شعب، مقاومة” التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع. عبر هذه الثلاثية الخشبية تمّ تأخير تشكيل الحكومات وتضييع فرص إنقاذ اقتصاد البلاد مرّات ومرّات. فيما من المفترض أن يختصر الجيش كلّ المصطلحات العسكرية والأمنيّة.

السلاح عند “الحزب” ومحوره ليس وسيلة مطلقاً. كان ولا يزال هذا السلاح غاية بعينها، بعد كلّ النكسات، إن لم نقل الهزائم الفادحة، من جنوب لبنان مروراً بالضاحية الجنوبية وصولاً إلى دمشق وكلّ سوريا من القصير حتى حلب وإدلب وقرى نُبّل والزهراء. بات “الحزب” بحاجة ماسّة إلى سردية جديدة تكون لغته السياسية في الأيّام العجاف المقبلة لتبرير احتفاظه بالسلاح في الداخل.

هيهات منّا الذّلّة

ما قاله عباس زهري ليس ردّة فعل فردية. هو تكامل مع ما صرّح به النائب إبراهيم الموسوي عند باب مكتب جرائم المعلوماتية مساء الإثنين، عندما قال لأنصار “الحزب” المعتصمين: “تكلّمنا مع القاضي جمال الحجّار ووزير العدل هنري خوري، والقاضي رجا حاموش تنحّى عن القضيّة، والأمور إيجابية. ولن نذهب من هنا إلّا وكلّ الموقوفات معنا”. من مقولة “لا نترك أسرانا خلفنا”، اكتملت صورة السردية الجديدة مع إطلاق سراح سحر غدّار وغنى غندور، لترتفع الاهازيج وصرخات المؤيّدين قائلة: “هيهات منّا الذلّة”.

أراد “الحزب” عبر نائبه في مجلس النواب إبراهيم الموسوي أن يقول لجمهوره وناسه إنّه لا يزال يملك زمام المبادرة في الداخل، وإنّ ما حصل جنوب نهر الليطاني لا علاقة له بما حصل وسيحصل شمال نهر الليطاني، وإنّه الوحيد القادر على حمايتهم أمام القضاء وأمام الأجهزة الأمنيّة والوحيد القادر على تغطية كلّ ارتكاباتهم فوق القانون وتحته.

أراد “الحزب” أن يقول للقضاء وللأجهزة الأمنيّة إنّ ما انتزعته إسرائيل منّا لا يمكن التصرّف به في الداخل، وإنّ تبدّل الأحوال على الحدود الجنوبية لا يعني تبدّلها في الداخل اللبناني.

لم يعد سلاح “الحزب” من أجل تحرير القدس والقضيّة. المفردات الفلسطينية والمقدسيّة غابت كلّياً عن خطابات “الحزب” وكوادره. لم يعد سلاح “الحزب” من أجل حماية الأضرحة وكي لا تسبى زينب مرّتين، فالضريح عند بوّابة دمشق بات في عهدة هيئة تحرير الشام وبضمانة أحمد الشرع (الجولاني سابقاً). لقد بات سلاح “الحزب” من أجل ألّا يوقف القضاء اللبناني أحد أنصار “الحزب” بتهمة جنحة جزائية أو من أجل ألّا يحصل أحد أنصار “الحزب” من شرطيّ عند التقاطعات العامّة في الطرقات على مخالفة لقانون السير.

بات هذا السلاح من أجل أن يجلس بعض مسؤولي “الحزب” في مقهى الساحة أو مطعم الجواد على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، ينفثون دخان نرجيلة الأصفهاني، يوزّعون نظراتهم وابتساماتهم يميناً ويساراً، ولسان حالهم يقول لروّاد المكانين وجلّهم من أنصارهم: “نحن “الحزب” وقدره في أمنكم وحمايتكم”.