سردية "عداء"… مع السرايا!

لا يحتاج تاريخ "عدائي" مديد بين "حزب الله" منذ كان قاطرة المحور الموالي للنظام السوري الأسدي وإيران والمحور السيادي المتمثل بقوى 14 آذار إلى عناء الاستعادة والتذكير وهو، على رغم الزلازل الحاصلة في العامين الأخيرين، لم يطوِ بعد حتى الساعة غباره وتداعياته العميقة في الواقع الداخلي. ومع ذلك كان ثمة "ظن" بأن الحزب سيبدأ مرحلة متغيرة في التعامل مع أركان العهد والحكومة منذ اضطر، هو وسواه، إلى تجرّع كأس لم تكن على مذاقه تماماً في وصول رئيس الجمهورية الحالي ورئيس الحكومة الحالي فيما الحزب يجرجر ذيول الضربة العسكرية القاصمة الإسرائيلية وفقدانه زعيمه "التاريخي".

والحال أن الرهان على واقعية يمكن أن تبدل في سلوكيات وسرديات من النوع القاتل، سقط سقوطاً مدوّياً حين انبرى الحزب تكراراً إلى أسوأ الطبائع المتحكمة به عبر تعبئة دعائية ذات طابع مذهبي فاقع رافعتها إشهار التخوين والاتهامات البائدة بالعمالة، وخصوصاً مع هجمة التخوين المقذعة على الرئيس نواف سلام، فيما الحزب يعاني أخطر الاختراقات إطلاقاً منذ نشأته. بذلك استحضر الحزب بنفسه، تاريخ سردية التخوين ليس لخصومه الشيعة أولاً ومن بعدهم المسيحيين أو السنة أو الدروز عموماً وإنما تحديداً لرعيل من رؤساء الحكومات في العقدين الأخيرين، وتحديداً منذ زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أصدرت المحكمة الدولية حكمها فيه مثبتة اتهام الحزب ولو عبر أفراد بتبعته. اتخذ مسار السردية المعادية منذ ما بعد عام 2005 طابعاً نمطياً لكل من الرموز الذين حلوا في السرايا الحكومية بمعايير شاء الحزب فرضها قسراً بأنماط الضغوط المتنوعة سياسياً وغالباً بمحاولات الترهيب "حيث تدعو الحاجة" ولو أنه مرّر حقبات مهادنة كانت تمليها الظروف بين الفينة والأخرى.

ومع ذلك غلبت على العشرين سنة الفائتة، سردية عداء عبثية أحدثها الحزب وتكررت بوجوه وأشكال متعددة تباعاً مع أربعة رؤساء حكومات هم الرؤساء رفيق الحريري وفؤاد السنيورة وسعد الحريري ونواف سلام. لم تكن ولايتا الرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي برداً وسلاماً بالكامل طبعاً، لكن الواقع الانتقالي الذي طبع كلتا الحكومتين في حقبتي فراغ رئاسي كان الحزب نفسه بطلهما، أسهم إلى حدود بعيدة في تبريد ولايتيهما. أما مع الحريري الأب والسنيورة والحريري الابن ونواف سلام فحدث ولا حرج من أعلى هرم الخطورة الذي بلغ حدود الاغتيال و"هبوطاً" في ممارسة كل الضغوط والنوازع لإخضاع مالئ الكرسي الثالث لهيمنة الحزب يوم كان في عز غطرسته وهيمنته ولمشيئة رفضه يوم فقد معظم قدراته وزعيمه التاريخي.

ومع انفجار نزعة تخوين الرئيس نواف سلام الآن، ثمة ما يثير أكثر القلق العميم من الآتي في سلوكيات الحزب لجهة عدم الإقلاع عن سياسات الإنكار ولو أن هذه السلوكيات أدّت وستؤدّي إلى أبشع العزلات إطلاقاً التي ستحاصر الحزب وبيئته بما يسهم في ارتدادات جذرية عليه في قابل الزمن.

إن سجلّ "العدوانيات" السابقة حيال رؤساء الحكومات المشار إليهم، رغم ظروف كانت متآلبة تماماً مع ميزان القوى الجامح والجانح لمصلحة الحزب، أثبت العبثية القاتلة في استعداء مجاني أو محاولات تطويع لرؤساء الحكومات وهي عبثية مضاعفة الآن مع تفجّرها ضد الرئيس نواف سلام في معركة خاسرة تماماً لأنها تتصل بقرارات سيادية ودستورية خالصة تحظى بدعم والتفاف ساحقين لرئيس الحكومة والحكومة والعهد داخلياً وخارجياً. فهل من "استفاقة"؟