المصدر: الأخبار
الجمعة 6 كانون الاول 2024 07:45:55
تتكدّس الملفات العالقة من الأزمة المصرفية والنقدية، من بينها ملف مستحقات المقاولين والمتعهدين والاستشاريين الذين لديهم في ذمّة الحكومة نحو 83 مليون دولار واجبة السداد، إنما السؤال الأساسي وفق أيّ سعر صرف؟ الحكومة قرّرت بعد تخبّط دام لسنوات من النقاشات والقرارات والآراء الاستشارية وغيرها، أن تهدي المقاولين والاستشاريين سعر صرف خاص قيمته 45 ألف ليرة مقابل الدولار.
في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، التي عقدت في 4/12/2024، عرض نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي ملفاً يتعلق بسداد مستحقات المقاولين والاستشاريين، علماً أنه سبق أن صدرت مجموعة قرارات بهذا الشأن في نيسان 2022 وفي تشرين الأول 2023، وفي حزيران 2024 وفي تشرين الأول 2024. خلصت إلى تكليف الشامي بدرس الملف ورفع اقتراحات جديدة بالتنسيق مع وزارة المال ومصرف لبنان ومجلس الإنمار والإعمار.
وأظهرت الدراسة مجموعة من الوقائع التي تشير إلى تخبّط صنّاع القرار في التعامل مع تبعات الأزمة تجاه العقود التي وقّعتها المؤسّسات مع القطاع الخاص، على النحو الآتي:
- بلغت قيمة مستحقات المقاولين والاستشاريين غير المسدّدة نحو 83 مليون دولار.
- أفاد ديوان المحاسبة بموجب رأيه الاستشاري بوجوب اعتماد سعر الصرف المعتمد من قبل مصرف لبنان بتاريخ الإيفاء، وهذا الرأي عاد وأكّد عليه الديوان عندما تغيّر سعر الصرف إلى 89500 ليرة.
- في ظل هذا الواقع، وبما أن مجلس الإنماء والإعمار لا يمكنه مخالفة رأي ديوان المحاسبة، وهو الجهة الرقابية المكلّفة قانونياً بالرقابة المؤخّرة على أعماله، وبما أن وزارة المال أبدت معارضة مبدئية لاعتماد سعر الصرف المحدّد من مصرف لبنان ثم عدّلت موقفها لاحقاً، أحيل الملف إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، مع الأخذ في الاعتبار الوضع المالي للخزينة والظروف الحالية.
وأشارت دراسة الشامي إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار الأزمة في البلد، سواء لجهة انخفاض الأجور وصعوبة وصول المودعين إلى مدخراتهم وتحميلهم نسبة اقتطاع كبيرة، وبالتالي مساواة المقاولين بهم في تحمّل جزء من هذه الأعباء. وأوضح الشامي أن المقاولين كانوا مستفيدين من الأزمة، لأن بعضهم «سدّد قروضه للقطاع المصرفي على سعر صرف أقل بكثير من سعر الصرف الفعلي محققين أرباحاً كبيرة»، ولفت إلى أنه خلال تنفيذ بعض المشاريع «استفاد المقاولون من الدعم المتاح سابقاً، سواء من ناحية المحروقات والاتصالات، كما أن الأجور لم تعد إلى مستواها السابق مقوّمة بالدولار الأميركي ما خفض نفقاتهم التشغيلية». لذا يجب النظر إلى إمكانات الخزينة اللبنانية التي «لا تسمح بدفع كل المستحقات بقيمتها الفعلية دفعة واحدة، نظراً إلى الأزمة المالية وشحّ الموارد، بالإضافة إلى الظروف المستجدة والطارئة، وخاصة الحاجة إلى مساعدة النازحين في هذه الظروف الصعبة».
بناءً على ذلك، اقترح الشامي خيارَين:
- دفع جميع المستحقات مقوّمة بسعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان (89500 ليرة) والتي تبلغ قيمتها 7200 مليار ليرة، على فترة 10 سنوات بمعدل 720 مليار ليرة سنوياً، وهذا الطرح قد لا يلاقي استحساناً لأن كلاً من موازنة 2024 ومشروع موازنة 2025 تضمن اعتماداً بقيمة 1200 مليار ليرة، علماً أن هذا الإجراء ينسجم مع الظروف المالية والنقدية الحالية لتجنّب زيادة السيولة في السوق التي قد تؤدي إلى التضخّم والضغط على سعر الصرف، أو تسديد المبلغ المستحق بكامله وفق معادلة «القيمة الحالية»، ما يرتّب احتساب فائدة حسم بنسبة 6%، ما يعني أن قيمته الفعلية 4000 مليار ليرة، أو 55% من قيمته الأصلية. وبتطبيق هذه النسبة يكون كأنه جرى اعتماد سعر صرف يساوي 49 ألف ليرة للبنانية للدولار الواحد.
- تسديد المستحقات بكاملها على سعر صرف يبلغ 49 ألف ليرة للدولار، لكن مع تفادي ضخّ المزيد من السيولة دفعة واحدة، أي تقسيطه على ثلاث سنوات، ما يعني وفق معادلة «القيمة الحالية»، أن سعر صرف هذه الكتلة النقدية البالغة 7200 مليار ليرة، يساوي 46 ألف ليرة للدولار الواحد... أو تقسيط الدفع كما ورد في اعتمادات الموازنة بقيمة 1200 مليار حالياً، و2867 مليار ليرة على سنتين، وهو ما يوازي سعر صرف يبلغ 47 ألف ليرة. ولسهولة التطبيق، يمكن اعتماد سعر صرف يبلغ 45 ألف ليرة للمستحقات التي تدفع اليوم وفي حال تغيّر سعر الصرف يعتمد نصف سعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان عند الإيفاء.
في النهاية، اتخذ المجلس قراراً غير واضح بـ: «اعتماد سعر صرف 45 ألف ليرة للدولار الأميركي لسداد مستحقات المقاولين والاستشاريين المتعلقة بعقود جرى توقيعها مع مجلس الإنماء والإعمار قبل تاريخ هذا القرار، وذلك في مقابل تنازل المقاولين والاستشاريين عن المطالبة بما قد يستحق لهم من فوائد تأخير، والإجازة لمجلس الإنماء والإعمار سداد دفعات على حساب المستحقات المترتبة عليه من الأموال المتوافرة لديه».