المصدر: النهار
الكاتب: د. جيرار ديب
الخميس 12 كانون الاول 2024 08:51:14
أكدت الرئاسة الروسية أنّ "المرحلة المقبلة ستكون صعبة في سوريا بسبب عدم الاستقرار، وسنواصل الحوار بشأنها"، كاشفة عن أنّ "التطورات في سوريا كانت مفاجئة بالنسبة إلينا". الرئاسة رأت في بيانها أنّه "يتعيّن مواصلة الحوار مع القوى الإقليمية بشأن سوريا"، مشيرة إلى أنّه من "السابق لأوانه الحديث عن مستقبل القاعدتين الروسيتين في سوريا".
في بيان الرئاسة الروسية هناك قراءة "تصوريّة" للمرحلة المستقبلية للوضع في سوريا، حيث يعتبر البيان أن البلاد مقبلة على فوضى قد لا يستطيع أحد تحديد معالمها. الأمر الذي قد يستدعي إنشاء جماعات موالية لموسكو شبيهة بـ"فاغنر" سابقاً لحماية مصالح لروسيا في سوريا وقواعدها العسكرية، ولعرقلة الجهود التركية الغربية على غرار ما حدث في ليبيا.
يتأرجح الموقف الروسي بين الخوف من نجاح تركيا في إرساء واقع جديد في سوريا يبعد حضورها في المنطقة، وبين الرغبة في التعاون مع الجماعات المعارضة التي استلمت الحكم، والسعي لفتح صفحة جديدة معها، على اعتبار أن في ذلك ما قد يخفّف الضغط في جبهة أوكرانيا حيث ذكرت التقارير أن الكثير منهم يحاربون إلى جانب كييف بعدما أخذت روسيا موقفاً إلى جانب نظام بشار الأسد عام 2015.
على خلاف هذا الموقف الروسي القلق، تأتي التصريحات والتعليقات الصادرة من الصين، حول سقوط الأسد والمرحلة الجديدة، باردة، وكأنّها تعكس عدم حماسة بكين لما يحدث في الشرق الأوسط، لا سيّما بعدما كانت أحد أبرز الداعمين للنظام خصوصاً في مجلس الأمن في استخدامها حقّ النقض (الفيتو) ضدّ العديد من القرارات المتعلّقة بسوريا.
لا تنسيق ولا اتفاق على مرحلة ما بعد الأسد بين الخارجية الروسية والصينية، هذا على الأقلّ ما يستطيع المتابع أن يستشفّه من تصريحات كلا البلدين. فهل هذا سينعكس فشلًا على ما كان الزعيمان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ يطرحانه من ضرورة بناء نظام عالمي جديد مقابل إسقاط النظام الحالي حيث الهيمنة والسيطرة فيه للغرب "المتأمرك"؟
شكّل سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، صدمة لمحور الممانعة المتمثل في الجمهورية الإسلامية في إيران، التي عملت منذ الثورة في سوريا عام 2011 على دعم النظام والمحافظة على ديمومته. فطهران وجدت في نظام الأسد ركناً أساسياً لبناء "هلالها" لاسيّما في استمراريته في تمرير الأسلحة لـ"حزب الله" في لبنان. هذا "الهلال" لم يزعج الحضور الروسي ولا طريق الحرير الصيني في المنطقة، بل شكّل عقبة أمام المشروع التركي- الأميركي لبناء شرق أوسط جديد.
جمعت موسكو وطهران مصالح مشتركة على رأسها إفشال المشروع الأميركي في المنطقة؛ حيث أنّ الإيراني يجد أن هذا المشروع يصبّ في عرقلة جهود طهران ووكلائها في إرساء واقع الهيمنة على دول المنطقة لتكريس نفوذه كقوة إقليمية وازنة. بينما الروسي وجد فيه داعماً له، ليس من أجل المحافظة على وجوده في المنطقة، بل في سبيل عرقلة مشروع الغرب بتمرير الغاز الطبيعي عبر تركيا إلى أوروبا.
يرتكز هذا المشروع على جعل تركيا مركز الثقل العالمي للغاز الطبيعي، بعدما تنقل قطر ودول عربية أخرى غازها الطبيعي عبر تمرير أنابيبها إلى المصافي التركية عبر البحر الأبيض المتوسط لإدخالها إلى العمق الأوروبي، كطاقة بديلة عن الغاز المسال الطبيعي الروسي. هذا ما يبرر حماسة الرئيس التركي رجب طيب إرودوغان، وتشديده على أنّ هناك واقعاً جديداً يتشكّل في سوريا، خصوصاً وأنّ الجماعات التي أسقطت الحكم في سوريا تعتبر موالية ومدعومة من أنقرة.
تحتاج تركيا إلى هذا الدور الذي تلعب فيه مركز الثقل ونقطة الالتقاء بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، فهي لا تطمح إلى بناء أمجاد السلطنة العثمانية كما يدّعي البعض، بقدر ما تسعى لتعزيز حضورها في الداخل الأوروبي لتحقيق نموها الاقتصادي المتعثّر.
أمام هذه المشهدية تأخذ الصين موقف المراقب من سقوط الأسد، فعلى ما يبدو هذا يصبّ في صالحها على صعيدين. الأول، تحتاج الصين إلى فرملة الجموح الإيراني في المنطقة، وتحديداً إلى تقليم أظافر طهران، خصوصاً جماعة الحوثيين الذين أغلقوا قناة السويس وشكلوا تهديداً لحركة السفن التجارية الصينية والعالمية في البحر الأحمر، الأمر الذي تراه الصين يعرقل مشروعها الحزام والطريق، ويحفّز مشروع الهند الاقتصادي عبر إيجاد ممرات برية إلى العمق الأوروبي.
ليس هذا وحسب، بل على الصعيد الثاني تجد الصين أنّ مشروع نقل الغاز الطبيعي للدول العربية إلى أوروبا، لا يزعج اقتصادها الذي يحقّق نمواً اليوم بفضل الغاز الطبيعي المسال الروسي. فرضت الدول الغربية عقوبات أمميّة على روسيا وقطعت أنابيبها "نورد ستريم 1و2" الذين كانا يغذيان أوروبا بشكل كبير، الأمر الذي دفع بروسيا إلى تفعيل خطّ أنابيب الغاز العملاق "قوة سيبيريا 2" الذي يستهدف نقل 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الصين.
هذا ما أعلن عن الانتهاء من تدشينه وبدء العمل فيه نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الطاقة ألكسندر نوفاك، في أيلول (سبتمبر) من العام 2023. لا تحتفل بكين بنجاح المشروع وحسب، بل تستفيد منه من خلال شراء الغاز الروسي بأسعار أجنى من السعر العالمي، مستغلةً العقوبات الأممية على الغاز الروسي.
سقوط الأسد في سوريا أعاد خلط الأوراق الدولية من جديد، حيث أرسى تحالفات جديدة على حساب تحالفات كانت قائمة، إذ لا مانع قطرياً بهذا طالما يحفّز في إعادة بناء سوريا المستقلة، وفي المقابل يخفّف من حدّة التوتّرات في العالم، كما وأنّ البحرين حجزت لنفسها مقعداً ضمن خارطة الشرق الأوسط الجديدة، من خلال توسيع اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل (C-SIPA) مع الولايات المتحدة، التي أعلمنا البلدان عنها قبل يوم من سقوط الأسد، ولكن ماذا عن الدول الأخرى فهل ستسير على خطى البحرين أم الأسد؟